واجهت الدولة المصرية العديد من التحديات على مر عقد من الزمان لم تكن مسبوقة من ذي قبل؛ ورغم التقلبات والتموجات والتغيرات التي أحدثتها الثورات، ورغم ضعف الوعي لدى كثير من فئات المجتمع تجاه أهمية قوة وترابط الدولة؛ إلا أن هناك رجالًا مخلصين حاولوا بكل الوسائل والطرائق أن يحافظوا على الدولة ومقدراتها، ومن ثم وفقوا بإخلاص النوايا من الخروج بالوطن من النفق المظلم؛ فهنالك بعض الدول التي لم تستطع أن تسلك المسار الصحيح وأضحت رهن براثن الفكر المتطرف والإرهاب الأسود والتناحر الذي ليس له منتهى، ولا نبالغ إذ نقول بأن مستقبل تلك الدول في مهب الريح.
وهبة الله للمصريين تمثلت في تولي أمور البلاد وإدارتها لقائد رشيد لم يكن أبدًا تقليديًا في فكره وقراراته، ولم يتهاون مطلقًا في المساس بأمن الدولة، ولم ينتظر إعانة في بث الاستقرار بربوع الوطن؛ فقد اتخذ القرارات الجريئة السريعة الناجزة رغم خطورتها على حياته من أجل أن يوقف مخططات استهدفت التخريب والهدم وبث الفتن وإحداث صراعات لا تنتهي ما بين قبلية وفكرية وعقدية، ووظفت جماعات الظلام حينها كل إمكانياتها لتضع الدولة المصرية في حروب داخلية تقتضي على وحدتها وتنهي حضارتها وتاريخها المشرف؛ لكن فطنة القائد وفقهه لما تكنه هذه الجماعات مكنته من أن يحبط كل مخططاتهم ويلقي بها في اليم.
ندرك جميعًا كم كانت الدولة المصرية في أشد العوز لقائد حكيم يعمل على إدارة أزمات البلاد بحرفية؛ نظرًا لأن هذه الأزمات شملت كافة المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، ناهيك عن تدني في بعض القطاعات وانهيار أخرى، وقد رأينا أن وتيرة التصعيد في هذه الفترة الاستثنائية التي مرت بها الدولة المصرية كانت ممنهجة تستهدف إسقاط الدولة، وفي المقابل تضافرت جهود المخلصين مع القائد ليقطع الطريق أمام المغرضين، ولينهي ما تمر به البلاد من حالة فوضي لحالة فرض الأمن والأمان، وقد كانت القرارات حينها نقطة تحول فارقة في تاريخ الوطن؛ إذ استجاب جموع الشعب العظيم واصطف وأيد وفوض القائد الرشيد والجسور في اتخاذ الإجراءات الحاسمة لإنقاذ الدولة المصرية من الانهيار.
إننا لا نزايد أو نغالي إذ نقول بأن مصر مرت بضغوطات غير مسبوقة في أوقات حرجة؛ لكن الله تعالى سخر لها قائد استطاع أن يدير هذه الضغوط بحكمة ورشد وتعقل واتزان، ولم ينساق إزاء انفعالات قد تسببها تهديدات مخطط لها؛ فوضع أولويات الدولة ومصلحتها وأهدافها العليا في المقام الأول، وتحمل الكثير، واتخذ من القرارات الصعبة في الأوقات الحرجة ما كان لها الأثر في الاستقرار ودحر الفتن، رغم أن الأمواج كانت عاتية بكل المقاييس حينها؛ لكنه توكل على رب العباد وفوض أمره إليه؛ فلم يخذله، بل ألقى في قلوب المخلصين بني وطنه القوة والصلابة التي أحدثت فارقًا في مساندة القائد الرشيد؛ فكان التفويض بداية المسار وكان الإعمار والنهضة هدية الله لشعب صبور عظيم يستحق التكريم.
ونتلمس رشد القيادة السياسية في مقدرتها على جلب المصالح للوطن رغم التحديات التي تمر بها الدول، بل ودول العالم قاطبة، وهنا نرى مدى الاستطاعة في حل المتناقضات بما لا يهدر المصالح العليا للوطن؛ فبدون شك الأمور أضحت معقدة والأزمات متوالية على كافة الأصعدة بمستوياتها المختلفة الداخلية والخارجية، ومن ثم فالقائد صاحب الفطنة دومًا ما يعمل على التقليل من الخسائر وتعظيم المكاسب التي تتوافق مع المصلحة العليا؛ فليس للمصالح الشخصية مكان في إدارة شئون البلاد، وعليه جاءت قرارات القيادة السياسية الرشيدة منذ توليها مؤكدة لفكرة بناء الدولة وضحدت مسلمة الشخصنة بكل مفرداتها المقيتة ومعانيها الهالكة.
إن ما تم ممارسته على أرض المحروسة من أعمال ومواقف وإنجازات وقرارات تمخضت عن القيادة السياسية المصرية فتحت الأبواب وهيئت المناخ لخلق وإعداد قيادات في شتى قطاعات الدولة؛ فمن المعلوم أن القائد الملهم والأنموذج يصنع من خلفه رجالًا يتحملون المسئولية الجسام، ويستطيعون أن يصنعوا القرارات ويتخذوا الأصلح منها لغايات الوطن الحبيب، وعلى طول الطريق لا ينظرون لأنفسهم ولا يتباهون بأعمالهم؛ لكن يعملون بجد واجتهاد متواصلين بغية ازدهار ورفعة الوطن وتقدمه بين مصاف دول العالم؛ ليحظى بالقدر والمقدار الذي يليق بالتاريخ والجغرافيا والحضارة.
إن منطق الإعمار يؤكد على مسلمة رئيسة يصعب أن نتجاهلها في واقعنا، وهي أن قائد المسيرة يحمل مشروع الخير بين جنباته، ولا يحركه هوى، ولا تتمكن منه شهوات وغرائز توجه سلوكه تجاه ما يحب؛ فسبل الفساد تجد طريقها عبر النفس الضعيفة؛ لذا نرى أن القيادة السياسية الصالحة تحرص على تجفيف منابع الفساد والإفساد بكافة الوسائل التي حددها نظام الدولة وقوانينه، وفي المقابل لم يتجاهل الجانب الوجداني الذي يدفع الفرد للمراجعة الذاتية والتقويم المستمر كي يقف على ما هو مشروع وغير مشروع، ويحدد في ضوء ذلك السلوك القويم وغير القويم؛ فالوعي الصحيح المكتمل دومًا ما يحث الفرد والمجتمع تجاه المصلحة العليا للوطن، وينفر من الاهتمام بالمصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة.
ونؤكد على أن أحد أسلحة القائد الرشيد تكمن في القدوة؛ فمن خلالها يستطيع أن يؤثر على من يتلونون ويتسترون بغية تحقيق غاياتهم الشخصية على حساب الوطن؛ فبناء الدول يحتاج لأن نحارب مجتمعين غير متفككين، متجنبين كل صور التحايل والغش والابتزاز والاستغلال والاحتكار والتهاون والتقصير وضعف الشعور بالمسئولية وقلة المشاركة والانتهازية والتمسك بالبيروقراطية، وغير ذلك من صور الفساد التي تطيح بمقدرات الوطن وتحجم من إنجازاته في شتى المجالات، وفي كل موقف ومجتمع مع قيادتنا السياسية الرشيدة دومًا ما يؤكد في نفوسنا السلوك والقيم النبيلة التي بها ننهض وبها نبني ونعمر ونحيا حياة كريمة، لتحيا مصر فوق الجميع.
نبارك التنصيب للولاية الجديدة في العاصمة الإدارية الجديدة لاستكمال بناء الجمهورية الجديدة بقيادة دومًا رشيدة تحفظ العهد والميثاق وتسعى للإعمار وإحداث نهضة جديدة.. ودي ومحبتي للجميع.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.