الاقتصادى الأمريكى، لورانس هنرى سامرز، والذى كان نائب رئيس اقتصاديات التنمية وكبير الاقتصاديين فى البنك الدولى، وكان من كبار موظفى وزارة الخزانة فى إدارة بيل كلينتون، وأصبح وزير الخزانة بين عامى 1999-2001، والمدير السابق للمجلس الاقتصادى الوطنى فى إدارة باراك، أكد فى مقال له نشرته أكثر من صحيفة اقتصادية مهمة يوم 19 أبريل الجارى، أن العالم الآن يواجه أسوأ خمسة أعوام فى ثلاثة عقود من الزمن، فقد انسحقت البلدان النامية تحت وطأة الديون بفعل أسعار الفائدة المرتفعة، ولم تتعاف نصف الاقتصادات الأكثر فقرا إلى المستويات التى كانت عليها قبل جائحة كورونا، والنمو ضعيف فى رقعة عريضة من العالم، ولا يزال التضخم مرتفعا على نحو عنيد، ووراء كل ذلك، يستمر مقياس الحرارة فى الارتفاع على نحو مطرد.
هذا فى الوقت الذى ذكرت فيه وكالة رويترز، فى تقرير مهم لها عن الدولار كشفت فيه أن فرص انهيار الدولار بدأت تتضاءل وتتقلص شيئا فشيئا، وبعد أن كان مصدرا للقلق فى سوق العملات لعقود من الزمن، فإن قصص تراجع الدولار باعتباره العملة العالمية المهيمنة ليست جديدة.
أرجع التقرير السبب فى فشل إنزال الدولار من عرش الهيمنة إلى غياب البديل الذى يتمتع بمصداقية عالميا، فسيناريوهات انهيار العملة الأمريكية غير واقعية، خاصة أنها نجت من قائمة طويلة من التهديدات، بدءا من ظهور اليورو وصعود الصين وانهيار النظام المصرفى فى 2008، وطباعة الفيدرالى للنقود وانتهاء بظهور العملات المشفرة.
الأزمات الخمس الكبرى، لم تؤثر أو تنال من قوة وهيمنة الدولار عالميا، ففى استطلاع سنوى لمجلة البنوك المركزية برعاية بنك HSBC لمديرى احتياطيات البنوك المركزية العالمية والصادر مؤخرا، أشار 13 بنكا مركزيا فقط من أصل 79 إلى الجغرافية السياسية المهتزة باعتبارها مصدر قلقهم الأكبر، وقال 75 % منهم إن «التخلص التدريجى من الدولار» من الاحتياطيات لن يتسارع.
كما تدعم أحدث إحصائيات صندوق النقد الدولى حول الاحتياطيات العالمية فى نهاية عام 2023 ذلك، وأظهرت تغييرا طفيفا فى هيكل احتياطيات العملات الأجنبية فى العام الماضى، ورغم أن حصة الدولار فى الاحتياطيات العالمية البالغة 12.3 تريليون دولار قد انخفضت بنسبة ضئيلة، يشير محللو العملات فى ING إلى أنه عند تعديلها لتأثيرات تقييم العملة، ارتفعت الحصة الإجمالية لحيازات الدولار فعليا بنسبة 0.2 نقطة مئوية إلى 58.4 % - وهو أول ارتفاع من نوعه منذ 2015.
التقرير يؤكد أن العملة الأمريكية العام الماضى شكلت 44 % من تدفقات التجارة العالمية، بزيادة 7 نقاط مئوية عن العقد السابق، كما تشكل 44 % من حجم مبيعات سوق العملات، و50 % من المطالبات المصرفية عبر الحدود، و60 % من ديون الشركات بالعملة الأجنبية، ونحو 65 % من الديون الخارجية للأسواق الناشئة.
ورغم أن البعض يراهن من جديد على أن العملة الأمريكية المهيمنة على العالم، ربما تتأثر نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة، نظرا للتوقعات بحدوث شرخ وانقسام كبير فى الشارع الأمريكى، بجانب المخاوف المالية المحلية وقضايا إدارة الديون والعديد من الشكوك العالمية، إلا أن ذلك يبدو أنها توقعات مغلفة بالأمانى، وتأسيسا أيضا على أن أطروحات الاستثمار القائمة أساسا على فكرة أن الدولار سيفقد مكانته كعملة مهيمنة.
واضح أن الدولار الأمريكى مثل «القطط بسبعة أرواح» لا يتأثر بأزمات عالمية، ولا يبالى بانهيارات اقتصادية، لكن الاعتراف بأن العالم واجه أسوأ 5 سنوات لم يشهد لها العالم مثيلا خلال العقود الثلاثة الماضية، وأن اقتصادات الدول النامية انسحقت أمام الأزمات العالمية بدءا من جائحة كورونا ومرورا بالركود والتضخم الناجم عنها، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، جميعها يصب فيما يردده عدد كبير من خبراء الاقتصاد، بأن الاقتصاد المصرى تأثر تأثيرا مباشرا بهذه الأزمات، فمصر جزء من العالم، وليست منفصلة عنه.
علاوة على أن مصر خاضت حربا ضروس ضد الإرهاب، بجانب اندلاع الحرب الإسرائيلية البربرية على قطاع غزة، والتهديدات باندلاع حرب إقليمية وما يحدث فى السودان، جميعها زادت من الأزمة الاقتصادية تعقيدا، ورغم ذلك هناك جهود مضنية من الدولة المصرية للتعافى من كل هذه الأزمات العالمية، والخروج بأقل الخسائر، استعدادا لمرحلة الانطلاق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة