في سنوات دراستنا المبكرة لم يكن ذكر الشيخ حسن العطار يرد إلا بصورة مختصرة جدًا وظالمة للرجل، كان يُقال لنا "إن الشيخ حسن العطار هو الذي رشح رفاعة الطهطاوي للسفر بدلًا منه، وذلك عندما طلب محمد على باشا من الشيخ العطار أن يكون إمامًا للبعثة الذاهبة إلى فرنسا في 1826 لكن الشيخ العطار قال له أنا رجل عجوز لا أقدر على السفر، وأرشح لكم شابًا اسمه رفاعة الطهطاوي"، وفي تلك الحكاية (المزعومة) ظلم بين للشيخ العطار وكأن الطهطاوي نبغ وأفاد مصر بسبب عجز شيخه عن الذهاب.
تذكرت هذا الرأي الظالم منذ شرعت في قراءة كتاب "الشيخ حسن العطار" للناقد والكاتب إيهاب الملاح، وهو كتابه الأول في سلسلة يسميها "المجددون"، والسلسلة واحدة من مشاريع الملاح في دراسة الفكر المصري والعربي وكشف أسسه وتقديم رواده والوقوف عند الأفكار الكبرى والصغرى التي شكلت عصر النهضة الحديثة.
لا يمكن الإحاطة بالكتاب وبكل ما فيه في مقالة، لكن يمكن القول إنه دراسة وافية عن عصر مهم وخطير في عملية التكوين التي مرت بها مصر، فالكتاب يتجاوز فكرة أنه يسرد سيرة رجل وينتقل إلى أنه يسرد سيرة وطن.
ولد حسن العطار في سنة 1766 ورحل في سنة 1835 وخلال هذه الفترة مرت حياة الشيخ بثلاث مراحل مهمة في حياته توقف عندها إيهاب الملاح، لكن قبل الوقوف عند هذه الفترة، أود الإشارة إلى نقطتين مهمتين في منهج إيهاب الملاح في تناوله لهذه النوعية من الأفكار:
النقطة الأولى: تمثلت في الإحاطة بالسياق الذي عاش فيه حسن العطار، والبيئة التي تأثر بها وتأثرت به، فذكر كيف كان حال مصر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والعلمي، حتى أنه يفاجئنا بعد القراءة والتأمل بأن القرن الثامن عشر لم يكن قرنا ميتا كما نحب أن نصدق ونسمع، بل كانت به مؤشرات نهضة، لدرجة أن بعض الأساتذة الكبار يرون أن الحملة الفرنسية عندما جاءت عطلت وأخرت هذه النهضة، أي أن تأثيرها كان سلبيا تماما، ربما لو قال لك أحدهم هذه الجملة مجردة ما صدقناه، لكن بعد دراسة وتأمل وعرض للأفكار والآراء ستعرف وجاهة مثل هذه الرؤية.
النقطة الثانية التي يحرص عليها إيهاب الملاح تتمثل فيما سماه "كلمة في المصادر والمراجع"، وفيها تتبع بشكل سردي زمني الكتب التي تناولت الموضوع محل الدراسة، أي الكتب التي تناولت شخصية حسن العطار وزمنه، سواء كتب عربية أو أجنبية، وما الذي أضافه كل كتاب وما الذي قصر فيه، بحيث أننا بعد انتهاء هذا الفصل نعرف صورة حسن العطار عند الكتاب والمؤلفين، وتكون لدينا حصيلة عن الزمن الذي عاش فيه، ونتحصل على مراجع يمكن الرجوع عليها للاستزادة، وفي الوقت نفسه نسأل: وما الجديد الذي سيقدمه إيهاب الملاح؟
وفي ظني أن الجديد الذي قدمه إيهاب الملاح يمكن تقسيمه إلى جزأين:
الجزء الأول ناتج من نظرة الملاح لمكانة حسن العطار، فبينما كانت الكتب السابقة تنظر إلى حسن العطار بوصفه "تمهيدًا" نظر إليه إيهاب الملاح بوصفه "متنا" في عملية التجديد، لقد كان حسن العطار يعرف ما يريده وسعى إليه، لقد تأمل ما حوله وعرف أن الحال يحتاج إلى نظرة جديدة وأن الركود يحتاج إلى تغيير العقول، وانطلاقا من إدراكه لهذه المشكلة والعمل عليها تأتي قيمة الوعي التي أشار إليها الملاح.
الجزء الثاني يتعلق بكون إيهاب الملاح جعل من حسن العطار إنسانًا فاعلًا، فعندما قسم حياته إلى ثلاث مراحل، الأولى التي بدأت بمرحلة التكوين حتى اتصاله بالحملة الفرنسية، والثانية التي مثلت رحلته في البلاد واكتسابه العلم والتعرف على الثقافات، والثالثة عودته وارتباطه بمشروع محمد علي باشا وصولا إلى توليه مشيخة الأزهر الشريف حتى رحيله 1835، إضافة إلى ذلك مشاركته في إنشاء وتطوير المدارس التي أنشأها محمد علي باشا بعيدا عن الأزهر الشريف، وتظل النقطة الأكثر إضاءة في ذلك اقتراحه على محمد علي باشا بإرسال البعثات العلمية إلى الدول الأوروبية.
لقد توصل إيهاب الملاح إلى مفتاح شخصية حسن العطار وهو "الشغف بالعلم، والولع بالمعرفة" وبالتالي جعله ذلك "موسوعيًا" ويكشف ذلك التعليقات والحواشي التي تركها في علوم مختلفة تجمع بين علوم الدين الدنيا وتوضح مدى التجديد الذي وصل إليه وهو ما تتبعه الكتاب في أفكار الشيخ العطار التي تمثلت في الثورة على الجمود الفكري، والدعوة إلى إصلاح الأزهر، وإدخال العلوم والمعارف الجديدة، وتجديد الفكر والوعي بأزمة التخلف الحضاري، والتجديد في الأدب واللغة، ويظهر أثر ذلك فيما غرسه من أفكار في تلاميذه من بعده.
ما قلته عن كتاب الشيخ حسن العطار هو إشارة يسيرة لكتاب يستحق المزيد من القراءة، ونأمل من إيهاب الملاح أن يكمل سلسلة "المجددون" كي نتعرف على آبائنا ونتعلم منهم ونعرف قدرهم وقيمتهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة