ربما تكون الحرب على غزة هى أبرز مثال على قدرات الدولة المصرية على التحرك والتعامل بحسم وتوازن مع الأزمات والصراعات الإقليمية، وهو أمر لا يحتاج إلى الكثير من الجهد لمعرفته والاطلاع عليه، وهو جهد عملى وتعامل احترافى يرد عمليا على الكثير من الادعاءات الجاهلة والباطلة ومزاعم وأكاذيب حول معبر رفح، الذى حرصت مصر على استمرار فتحه طوال الوقت، والضغط لإدخال المساعدات بكميات كافية، مع الحسم فى مواجهة التصفية والتهجير، وفى المقابل هناك دول تعرضت لهجمات وقصف واغتيالات على أرضها، ولم تشتبك فى صدام أو تفكر فى الرد، بينما تحرص مصر على التمسك بكل الأوراق والمفاتيح.
من أهم النقاط التى طرحها الرئيس فى كلمته بإفطار الأسرة المصرية وأيضا خلال حلف اليمين الدستورية كان التأكيد على الاستمرار فى سياسات الاتزان الاستراتيجى، التى تنتهجها الدولة، تجاه القضايا الدولية والإقليمية وتحددها محددات وطنية تضع فى الاعتبار أبعاد الأمن القومى، والسعى لإقرار السلام الشامل القائم على العدل، ودعم مؤسسات الدول الوطنية، واحترام إرادة الشعوب.
ومع التركيز فى هذه التوجهات فإننا نكتشف كيف استطاعت الدولة المصرية الصمود والتعامل بحسم مع كل القضايا، وأيضا التهديدات والمناورات التى تمت على مدى السنوات العشر الماضية، حيث كانت المنطقة من حولنا تغلى وبراميل البارود فى كل مكان، بل إن تنظيمات الإرهاب والرايات السوداء، مثل داعش وتوابعها كانت جزءا من مخطط واسع لإطلاق الفوضى وإسقاط الدول تمهيدا لسيناريوهات إعادة التقسيم.
ثم إن الحرب على غزة قد تبدو هى الملف الأكثر تعقيدا، لكنها فى الوقت نفسه تمثل تحديا مهما، وخلال شهور العدوان تمسكت الدولة المصرية بثوابت ووضعت خطوطا حمراء، وتحركت فى كل الملفات بدقة، وواصلت مصر جهودها فى إدانة جرائم إسرائيل، واستمرار المساعى لإدخال المساعدات وعلاج الجرحى، والسعى لوقف إطلاق النار، بالتواصل مع كل الأطراف الإقليمية والدولية، لم تتوقف خطوات الدولة المصرية فى مواجهة الأزمة بكل السبل، وطرح خطاب واضح يضع كل الأطراف الإقليمية والدولية أمام مسؤولياتها، وتمسك الرئيس عبدالفتاح السيسى برفض مصر لتصفية القضية الفلسطينية، وشدد على ضرورة حل أساس القضية وإقامة الدولة الفلسطينية، مؤكدا على أن سياسة العقاب الجماعى، واستهداف إسرائيل للمدنيين والأبرياء، والمنشآت المدنية، والطبية، وفرق الإنقاذ، ومحاولات التهجير القسرى للفلسطينيين من أرضهم، لا يمكن أن تكون دفاعا شرعيا عن النفس بأى حال.
ونجحت مصر فى التوصل إلى الهدنة الأولى والوحيدة منذ بدء الحرب على غزة، وتواصل الجهود المكثفة للدفع نحو إنجاز اتفاق تهدئة وإبرام صفقة لتبادل الأسرى بين الجانبين، وصولا إلى توافق على المحاور الأساسية بين كل الأطراف حول اتفاق التهدئة فى قطاع غزة وتبادل الرهائن، والذى تم بحضور كل الأطراف، الأمريكى والإسرائيلى وقطر وحماس، وهو ما قد ينتهى إلى تشاور يقود للهدنة التى سعت مصر إليها مرات وأفشلتها تصرفات الاحتلال أو وقوع مواجهات متنوعة.
والمؤكد أن مصر تبذل أقصى جهد للوصول لاتفاق هدنة فى غزة، ونجحت فى تحقيق تقدم ملحوظ فى التوافق حول العديد من النقاط فى اجتماعات التفاوض التى تتم برعاية مصرية، وحضور قطرى أمريكى.
ولم يتوقف الجهد المصرى على ذلك فقد تواصلت التحركات المصرية منذ بداية الحرب، من خلال قمة القاهرة للسلام، وخلال الشهور كانت القاهرة محط الزيارات والاتصالات من الولايات المتحدة وأوروبا والمنظمات الدولية، ونجحت مصر فى تغيير وجهات نظر دول غربية كانت داعمة للعدوان، وأصبحت خطوط وقف إطلاق النار ضمن ما يتم طرحه.
وقد وضع الرئيس السيسى فى البداية خطوطا حمراء أمام التهجير والتصفية، وواصلت مصر مواجهة العدوان على غزة، على كل الأصعدة، السياسية والدبلوماسية والمعلومات والاتصالات، وتعاملت بدقة واحترافية مع كل الخيوط والخطوط المتشابكة والمتقاطعة، وتواصلت مع كل الأطراف الإقليمية والدولية.
الشاهد أن الاتزان الاستراتيجى المصرى يتضمن حسما وخطوطا حمراء وقنوات اتصال، ووضوحا وتوازنا كبيرا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة