نقولها بلسان مبين أن المواقف كاشفة؛ فما حدث من ترهل جراء الربيع العربي أثر على دول المنطقة العربية بشكل خاص من حيث الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهناك كثير من الأمور لم تستقِم حتى يومنا هذا؛ فما زالت الاضطرابات والنزاعات والخلافات قائمة، مما تسبب في انهيار الأمن والأمان وعصف بماهية النهضة والبناء لعقود من الزمن؛ فلا يعلم أحد متى تعود النظم الحاكمة التي تحقق ما يحلم به مواطنيها وفي مقدمة ذلك الشعور بالأمان على النفس.
لكن المعادلة جاءت مختلفة منذ اللحظة الأولى في مصرنا الحبيبة؛ فبفضل جيش يؤمن بماهية الوطن ويعلى مصالحة وينحاز لشعبه كانت الحكمة وعبقرية التصرف هي سيد الموقف؛ فقد أدركت المؤسسة العسكرية وقيادتها المخلصة أن الاستقرار السياسي يحقق التوزان في المجالات الأخرى، ويؤدي إلى اعتدال الأحوال وعودة الأمور لنصابها الصحيح؛ حيث إن كلفة الدمار ستشمل الجميع، ولن ينجو من آثاره حرث أو نسل.
ومنذ أن أنشأت المؤسسة العسكرية أخذت على عاتقها حماية الأرض والعرض كونها مؤسسة وطنية خالصة؛ فرغم التغيرات التي أصابت المؤسسات الأخرى بالدولة؛ إلا أنها كانت وما زالت متماسكة في تركيبتها، وهذا ما جعلها تواجه محاولات الإطاحة بمؤسسات الدولة وتفريغها من مضمونها أثناء الثورات وتبعاتها؛ حيث كانت الحصن الحصين للوطن؛ فلم تألُ جهدًا في الإيقاع بالمخربين والمحاولين العبث بمقدرات الدولة، والساعين بكل أدواتهم لبث الخوف والرهبة في قلوب المواطنين.
وتحمل المسئولية من القيم الرئيسة التي تكسبها المؤسسة العسكرية لمنتسبيها؛ حيث يدرك المقاتل المصري منذ التحاقه بالجيش أن لديه مهام يؤديها ولو بذل في سبيل ذلك الدماء وضحى بروحه من أجل تحقيق الغاية؛ فذلك قسم عظيم وشرف يسعى الجميع لنيله، ومن ثم يدرك أعداء الوطن بأن قوة الجيش ومقدرته على طي الأرض وحماية مقدرات الدولة بكافة ربوعها تشكل حجر العثرة لتنفيذ مخططات التخريب خاصتهم.
ورؤية ووعي الشعب العظيم لما تقوم به المؤسسة العسكرية جعل الوجدان يميل بطبيعته لمؤازرتها والاصطفاف خلف قيادتها ودعمها بكل ما أوتي من قوة؛ فقد أدركت قيادات الجيش المصري العظيم أن الشعب صاحب القرار، وأن الانحياز له هو الانتصار الحقيقي للوطن، وتلك عبقرية لم يفطنها بعض جيوش المنطقة، والتي ما زالت دولها تعاني الانقسام والانحدار والضعف في كافة مؤسساتها وقطاعاتها.
إن وقت الأزمات التي مرت علينا وكادت تعصف بالوطن ومقدراته المادية والبشرية، وجدنا مؤسستنا العسكرية تسارع في القيام بواجبها؛ حيث فرض حالة الأمن والأمان، وإيقاف حالة التشرذم ودعم المناخ الديمقراطي الذي عبر بالوطن عنق الزجاجة؛ فكان النصر حليف الدولة والنجاة من نصيب مؤسساتها الوطنية؛ لتستكمل عملها بعد شلل تام أصابها نتيجة لخروج بعض الفئات عن المألوف، كما أن الجيش لم يبخل بمد يد العون بكافة المؤن والمواد الغذائية وكل ما يمتلك في سبيل تمرير أزمات جاءت جراء توقف عجلة الإنتاج في ظروف استثنائية، وتلك أيضًا عبقرية تضاف للمؤسسة الوطنية العسكرية؛ فقيام الدولة ونهضتها يمثل الهدف السامي لها، وطريق لاستكمال النهضة والإعمار.
وفي كل مشكلة أو أزمة مرت بالدولة أثناء الثورات وتبعاتها كان الشعب يحدق بعينه تجاه مؤسسته العسكرية؛ فتلبي بشكل تلقائي ما يدور في خلد هذا الشعب الذي يستحق كل تكريم وإجلال؛ حيث إن المواقف النبيلة المشتركة بينهما يصعب حصرها؛ فالشعب يحب جيشه ويجله ويعي قدره ومقداره، وفي المقابل ينحاز الجيش لمطالب بني وطنه إذا نادى المنادي، أو حل بالوطن نازلة لا قدر الله.
وليس هناك شك في تلاحم الشعب العظيم مع جيشه الباسل، وهذا ما يشكل القوة الضاربة للدولة؛ فلا يستطيع كائن من كائن أن يفرض هيمنة على وطن حر يمتلك جيشًا له مبادئ وقيم استلها من قيم شعبه الراسخة وحضارته المتجذرة؛ فالأرض والعرض دونهما الدماء، والشهادة في سبيل الله والوطن غاية الجميع ولا نزكي على الله أحدًا.
سيبقى جيشنا العبقري حافظًا للأمانة داعمًا للسلم والسلام بقوة الحكمة وحكمة القوة؛ لتظل بلادنا في نعيم الأمن والأمان وفي رباط إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ فهذا وعد من رب العرش العظيم.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.