نستطيع أن نحدث تغيرًا إيجابيًا في حياتنا إذا ما تفهمنا ماهية وأهمية التفاؤل؛ حيث إن بلوغنا حد رفاهية الرضا النفسي ونيل مستويات السعادة، بما يحقق الصحة النفسية التي دون شك تنعكس على صحة البدن في صورتها التي ننشدها، وفي ضوء ذلك يمكن للفرد أن يسعى وفق قدراته أن يرتقي بحياته الخاصة أو المهنية على السواء.
ورغم ما قد يواجه الإنسان من تحديات أو مشكلات أو صعوبات بتنوعاتها الحياتية وغير الحياتية؛ إلا أنه يبدى قبولًا وانبساطًا في التعامل معها أو مواجهتها، متبنيًا الفكر الإيجابي الذي ينطلق من النزعة التفاؤلية التي يحملها بين جنباته؛ فتصير صفة ملازمة لا تنفك عن نمط حياته أو سلوكه المتباين، وبهذا لا يصبح للتشاؤم قوس منزع ينال منه ويوقف مسار تقدمه مهما تفاقمت الأمور وتعقدت.
ومن يمتلك النزعة التفاؤلية يرى المستقبل مشرقًا ولو لم تتوافر مقومات حدوث ذلك؛ إذ يحكمه نظرته هذه التوقع الإيجابي الذي يجعله يجد ويجتهد فيما يؤديه من أعمال أو ممارسات أو مهام موكلة إليه؛ فلا يرتضي إلا مستوى الإتقان في نتاجه، ولا يقف مكتوف الأيدي حال نزول نازلة؛ فنجده مشاركًا ومتفاعلًا يقدم كل ما لديه من خبرات تسهم في تغيير الموقف للصورة المنشودة.
وندرك جليًا أن ضغوط الحياة متوالية ومتواترة وكثيرًا ما تنهمر على الفرد في وقت قد يكون عصيبًا بالنسبة له، وقد يرجع لتعقدها وتشابكها، وقد يعود لتأثيرها على سريان الأمور في نصابها الطبيعي، وهنا يأتي دور التفاؤل كمصدر رئيس للوقاية من آثار ما يقع من سلبيات نتيجة لتلكما الضغوط بتنوعاتها المختلفة؛ فنجد أن الفرد الذي يمتلك النزعة الإيجابية التفاؤلية يعاود حياته بكامل حيويته بعد زوال الأثر الضاغط.
وترتبط نزعة التفاؤل بسمات إيجابية منها التطلع والطموح والأمل حيال تحقيق أهداف قد يراها البعض ضربًا من المستحيل؛ حيث إن مثبطات إنجازها ليست بالقليلة، كما أن مقومات بلوغها يصعب توافرها، بينما صبغة الثبات التي يتحلى بها الشخص المتفائل تجعله يسلك طريقه دون توقف، وتحثه على المثابرة في الحصول على ما يتمنى ويرغب، ويعتبر ما يواجهه من معوقات في حيز الزوال؛ فلا يلقي لها بالًا ويستكمل بكامل طاقته طريق النجاح مع الأخذ بأسبابه.
وحري بالذكر أن صاحب نزعة التفاؤل يتصف بسمات متفردة؛ إذ لديه ثقة بما يمتلكه من مقومات ومهارات ومواهب دومًا ما يعمل على تنميتها وصقلها؛ فالتنمية المستدامة بالنسبة له أمرًا حتميًا ومن أولوياته الرئيسة، وهناك ملامح السرور والبهجة التي تبدو على ملامحه والتي غالبًا لا تفارقه؛ بالإضافة إلى ما يكنه من حُب ومودة للآخرين بغض النظر عن وجه الاستفادة منهم أو طبيعة العلاقة بينهم؛ فهو خير بإنسانيته.
ونرى أن المرونة من الخصال الحميدة للمتفائل؛ فنرصده متزنًا غير متسرع أو متهور، يستوعب تفاصيل القضايا ويتريث في أحكامه، ولا يتخذ قرارًا دون صناعة متأنية مسبقة، يهتم بسيناريوهات التخطيط رغم صعوبتها، ويراعي كافة المتغيرات التي قد تطرأ على ما يؤديه من مهام وأعمال، ويراعي جودة المعيار في مجالات عمله، ويهتم بقراءة التفاصيل التي تعينه على اكتساب مقومات الوعي الصحيح تجاه القضايا الشائكة أو التي تتعلق بالأحداث الجارية.
إن مظهر الرقي الذي نتلمسه من صاحب النزعة التفاؤلية يكمن في تفكير المتفرد وخياله الخصب ووجدانه السامي وسلوكه البسيط الممزوج بالمرح وخفة الدم ولطافة الروح، وإصراره على تحقيق غاياته المشروعة التي لا تضير بالأخرين، بل تسهم في إشاعة مناخ من البهجة والسرور، ورغبته في بث الطمأنينة وحمل طيب الأخبار التي تشعر الأخرين بالسعادة وتساعدهم على استكمال مسارات حياتهم، ناهيك عن مقدرته غير المعتادة على تقبل مجريات الأمور.
ولا نبالغ إذ ما أفردنا القول بأن التفاؤل يعزز مستويات الصحة النفسية والبدنية لدينا، ويرفع من مقدرتنا المعنوية على مواجهة ضواغط الحياة وصعوبات مجرياتها وتغيراتها الصعبة، ويمكننا من أن نستمتع بمفردات الطبيعة التي نعيش في طياتها وسكناتها وسكونها؛ فإذا ما أردنا أن نحقق ابتكارًا في أعمالنا فيتوجب علينا أن نتحلى بهذه النزعة الإيجابية؛ لنصل لمستوى الرفاهية المادية منها والمعنوية.
دعونا نحسن من أنماط حياتنا بمزيد من تبني مسارات التفاؤل، ونغرس تلكما القيمة في أبنائنا ليصبحوا متحملين للمسئولية تجاه ما يرغبون في الوصول إليه، قادرين على المواجهة متحلين بالصبر والتؤدة، يغمر سلوكهم الشجاعة والنبل ليدركوا الصعاب في عالم تغمره تحديات جمة.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.