تنعقد القمة العربية الـ33 مثل القمة السابقة، وقمم عربية انعقدت خلال العقد الماضى، وسط تحولات إقليمية ودولية كبرى، تفرض نفسها على الإقليم والعالم، حروب وصراعات، بجانب ما تشهده دول الإقليم - أو عدد منها - من تحديات وتهديدات وصراعات تهدد وجود الدولة، فى سوريا واليمن وليبيا بدرجات مختلفة، ثم السودان الذى يقترب من إكمال عام فى حرب أهلية بين القوات المسلحة السودانية وما تسمى قوات الدعم السريع.
وبالرغم من وجود التهديدات المستمرة لدول عربية، يبقى التهديد الأهم والأخطر هو الحرب فى غزة، والتى يشنها الاحتلال الإسرائيلى طوال 7 شهور فى أطول عمليات عدوان يشنها الاحتلال الإسرائيلى على غزة، والتى استشهد فيها من يقارب 36 ألفا، وأصيب عشرات الآلاف غيرهم، وبالطبع هناك رهانات على أن تكون القمة العربية الـ33 قادرة على بلورة موقف عربى يمكن أن يمثل أساسا للبناء عليه، فى ظل وضع دولى وإقليمى معقد، وقد يتساءل البعض عما تملكه القمة العربية من أوراق، والإجابة أن الدول العربية منفردة أو مجتمعة تمتلك عناصر يمكنها التأثير فى القرار العالمى، والضغط لتعديل نظام عالمى مختل ومرتبك ومزدوج، لكن الأمر يتطلب امتلاك القدرة على التوافق، بما يضاعف من قدرات الدول العربية ودوائرها الأفريقية والإسلامية على بناء مواقف للمواجهة والمعالجة.
جاءت كل كلمات الزعماء ورؤساء المنظمات الإقليمية والدولية، لتحذر التحذير الأخير من استمرار الحرب المدمرة على غزة، والدعوة لوقفها، وحذرت مصر من المعارك الصفرية والرهان على الصراع، وجددت الدعوة للمجتمع الدولة ليقوم بدوره فى إنقاذ الفلسطينيين والإقليم.
قمة البحرين الـ33، هى الثانية بعد قمة الرياض التى تنعقد فى ظل الحرب على غزة، قمة الرياض عقدت فى نوفمبر الماضى وأكد المشاركون فيها رفض مخططات إسرائيل لتهجير سكان غزة أو تصفية القضية الفلسطينية، وبالرغم من استمرار العدوان كل هذه الشهور، فإنه لم ينجح فى تحقيق أى خطوات للتهجير أو التصفية، بجانب أن القضية الفلسطينية صعدت لواجهة الاهتمام العالمى، وأصبحت «الدولة الفلسطينية» مطروحة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتستقطب دولا إضافية للاعتراف بها.
القمة العربية فى الرياض وتأكيدها رفض تصفية القضية، مع الدفع نحو حل الدولتين، ما يمثل - بالطبع - قاعدة للقمة فى البحرين، وأى موقف عربى يتم اتخاذه على نحو جماعى له تأثيره، خاصة أن الدول العربية التى لها علاقات مع الولايات المتحدة والتى لها مصالح بالمنطقة تستدعى التوازن فى المواقف.
مصر لعبت دورا فى المواجهة والتمسك بالثوابت منذ «قمة القاهرة للسلام»، كما أن صلابة الموقف المصرى والرئيس عبدالفتاح السيسى ضد التهجير والتصفية، لعبت دورا فى المواجهة، وبالرغم من الخلافات المصرية الإسرائيلية، فقد تمسكت مصر بدور الوساطة، ونجحت فى الهدنة الأولى، وتعطلت الهدنة الثانية بسبب تعنت نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة.
خلال قمة البحرين، فرضت الحرب فى غزة نفسها على كل كلمات القادة الذين شاركوا، ففى كلمة المملكة العربية السعودية - رئاسة القمة السابقة - والتى ألقاها ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، طالب المجتمع الدولى بدعم جهود وقف إطلاق النار فى غزة، ودعم إقامة دولة فلسطينية والاعتراف الدولى بها، وشدد حمد بن عيسى ملك مملكة البحرين، والرئيس الحالى للقمة على أن القمة تنعقد وسط ظروف إقليمية ودولية معقدة، مؤكدا أهمية بلورة موقف عربى ودولى مشترك يعتمد على التضامن لوقف الحروب وإحلال السلام العادل، مشيرا إلى أن مصلحة الشعب الفلسطينى ترتكز على وحدة صفه، كهدف منشود، ونؤكد ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وفى كلمته أمام القمة، جدد الرئيس عبدالفتاح السيسى تأكيده أن مصر ستظل على موقفها الثابت فعلا وقولا برفض تهجير تصفية القضية الفلسطينية ورفض تهجير الفلسطينيين أو نزوحهم قسريا أو جعل الحياة فى قطاع غزة مستحيلة، مؤكدا وهم من يتصور أن الحلول الأمنية والعسكرية قادرة على تأمين المصالح أو تحقيق الأمن، أو الرهان على سياسة حافة الهاوية، مشيرا إلى أن مصير المنطقة ومقدرات شعوبها أهم وأكبر من أن يمسك بها دعاة الحروب والمعارك الصفرية، الرئيس عبدالفتاح السيسى أكد أن مصر التى أضاءت شعلة السلام فى المنطقة عندما كان الظلام حالكا، متمسكة بالأمل فى غلبة أصوات العقل والعدل والحق لإنقاذ المنطقة من الغرق فى بحار لا تنتهى من الحروب والدماء.
ووجه الرئيس السيسى نداءً للمجتمع الدولى بأن ثقة جميع شعوب العالم فى عدالة النظام الدولى تتعرض لاختبار غير مسبوق، وأن تبعاته كبيرة على السلم والأمن والاستقرار، داعيا إلى ضرورة وضع حد لهذه الحرب المدمرة ضد الفلسطينيين الذى يستحقون الحصول على حقوقهم المشروعة فى إقامة دولتهم المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.