لا يمكن حصر الفنان الكبير عادل إمام فى أنه ممثل كبير استطاع أن يثبت نفسه ويستمر على القمة سنوات طويلة، لا، هو أكبر من ذلك، هو فنان صاحب موقف، كانت له رؤيته الشخصية والفنية التي من خلالها تشكل اسم عادل عام، ومهما تحدثنا عن أثره فى الوسط الفني/ الثقافي فإننا لن نستطيع أن ننتهي، لذا سنشير إلى بعض السمات الشخصية والفنية المستوحاة من حياة عادل إمام كي نقترب منه أكثر.
ابن القاهرة محب الفن
نشأ عادل إمام في القاهرة، فى أربعينيات القرن الماضي، وقد كانت القاهرة في ذلك الوقت في قمة حياتها الثقافية والفنية، السينما في قمة نضوجها، فقد شاهدت عيون الطفل بوسترات أفلام الأربعينيات بكل "أناقتها" وأفلام الخمسينيات بكامل انتمائها للشعب، وهكذا تكونت ذائقة عادل إمام عن السينما أنها تجمع عن الأناقة والشعبية في الوقت نفسه.
من جانب آخر يبدو من شخصية عادل إمام أنه ممن يفكرون كثيرًا، لكنه في الوقت نفسه يصدق نفسه ويثق فيها، وعلى الرغم مما يقدمه من مرح ورغبة في اقتحام المخاطر في أفلامه، إلا أنه من الواضح في الحقيقة أنه لا يقدم على شيء إلا بعد أن يدرسه جيدا، كما يبدو أنه يتعامل مع الناس بحذر، وهذا يكشف لنا طريقته فى اختيار أصدقائه.
الأصدقاء.. ومعنى الإضافة
أتوقف كثيرا أمام أصدقاء عادل إمام، ولعل علاقته بصلاح السعدني تكشف جانباً من طريقة الزعيم فى اختيار من يقترب منهم ويقتربون منه، فقد وجد فى أسرة صلاح السعدني بيئة مختلفة عن بيئته، التي يبدو أنه لم يكن للثقافة العامة مساحة كبيرة فيها، وعندما اقترب من آل السعدني وتعرف على الكاتب الكبير محمود السعدني اكتشف أن هذه البيئة مفيدة بالنسبة إليه، وأنها تمثل إضافة إليه.
وهكذا لم يكن عادل إمام من محبي كثرة الصحاب، لكنه من محبي تميزهم، يختار أصدقاءه بعناية، ليس لديه وقت ليقضيه في الهزر، بل هو مشغول دائما بعمله، وفي ظني أن هذه السمة الشخصية أفادت عادل إمام كثيرا.
التجريب.. نجاح مؤكد
بسبب محبة عادل إمام للعمل والفن خاض عددا كبيرا من الأعمال القائمة على فكرة "التجريب" من خلال الموضوع أو الشكل، وتعامل مع مخرجين يبدون للوهلة الأولى أنه لن يتفق معهم، لكنه نجح معهم، كما أن تجربته مع وحيد حامد سمحت له بأن "يغامر" مغامرات محسوبة، نجح فيها أيضا وصنعت منه بطلا شعبيا في العديد من الأعمال.
المواجهة.. الوقوف في وجه الإرهاب
في هذه النقطة سنستشهد بموقفه التاريخي بالوقوف في مواجهة الإرهاب وعلاقته بالدكتور فرج فودة، ففى 8 يونيو 1992 انتظر شابان من الجماعة الإسلامية، هما أشرف سعيد إبراهيم وعبد الشافى أحمد رمضان، على دراجة بخارية أمام (الجمعية المصرية للتنوير) بشارع أسما فهمى بمصر الجديدة، حيث مكتب فرج فودة، وفى الساعة السادسة والنصف مساء، وعند خروجه من الجمعية بصحبة ابنه أحمد وصديق، وفى أثناء توجههم لركوب سيارة فرج فودة، انطلق أشرف إبراهيم بالدراجة البخارية وأطلق عبد الشافى رمضان الرصاص من رشاش آلى فأصاب فرج فودة إصابات بالغة فى الكبد والأمعاء، بينما أصاب صديقه وابنه إصابات طفيفة، ومات فرج فودة وانفعل المجتمع المصرى رافضا هذه الجريمة، وكان من أبرز الرافضين الفنان عادل إمام.
وقد ذكر الكاتب الصحفى الراحل محمود صلاح الذى كان رئيسا لتحرير صحيفة "أخبار الحوادث" فى إحدى المواقع الإخبارية، أنه فور سماعه بخبر إطلاق النار على المفكر المصرى الراحل، سارع بالذهاب لمكتب فودة، وهناك أبلغوه بنقله لإحدى المستشفيات القريبة، فذهب إليها ليجد الفنان الكبير عادل إمام والكاتب الصحفى عادل حمودة يقفان بجوار غرفة العمليات التى يتواجد بها المفكر الراحل.
وأضاف محمود صلاح "كان فودة مصابا بإصابات خطيرة فى الكبد والأمعاء، وظل ينزف لفترة طويلة وطلب الأطباء كميات كبيرة من الدم له، وعلى الفور أبدى عادل إمام وعادل حمودة استعدادهما للتبرع وشاركتهما نفس الاستعداد، وبعد تحليل فصيلة الدم كانت المفاجأة أن فصيلة دمنا نحن الثلاثة هى نفس فصيلة المفكر الراحل".
وقال صلاح "لقد تبرعنا بكميات مناسبة، وكان لدينا أمل أن تساهم فى إنقاذه وجلسنا نترقب، وندعو الله أن ينجح الأطباء فى إنقاذ حياته، حتى خرج الطبيب المعالج وأعلن أمامنا وفاة المفكر الكبير وبعدها فوجئنا بعادل إمام ينهار باكيا وبحرقة ويسقط على الأرض من شدة تأثره وبكائه".
وكشف "محمود صلاح" أن "عادل إمام كان من الأصدقاء المقربين للمفكر الراحل، وكان يزوره كثيرا ويلتقيان معا فى مناسبات عدة، فقد توافقا واتفقا فكريا على مواجهة العنف والإرهاب والتطرف، المفكر الراحل بقلمه، وعادل إمام بفنه، وكان فودة داعما لإمام فى مواجهته للتطرف والإرهاب بالفن، ومساندا للزعيم عندما عرض مسرحيته الشهيرة "الواد سيد الشغال" 1988 فى أسيوط وقت أن كانت المحافظة تئن جراء عمليات الإرهاب.
وأضاف أن الفنان عادل إمام كان من المتلقين لعزاء الكاتب الراحل بجانب أسرته.
وقال إن فودة نجح فى كشف وفضح التيارات الأصولية المتطرفة ودعاه الانغلاق والرجعية وكان سابقا لعصره. وتوقع ما يمكن أن تفعله بمصر والمنطقة، ولذلك قتلوه بعدما رأوا أنه سيكون خطرا عليهم وعلى أفكارهم.
ليس ذلك فقط، فقد رسخت السينما شخصية فرج فودة من خلال فيلم "الإرهابي" الذى تم إنتاجه عام 1994 وكان من تأليف لينين الرملى وإخراج نادر جلال، وبطولة عادل إمام.
وتدور أحداثه حول شاب ينضم لإحدى الجماعات الإسلامية المتطرفة، وبعد تنفيذه لإحدى العمليات الهجومية الإرهابية، يتم إصابته نتيجة حادث سير، وتضطره الظروف للإقامة مع أسرة وسطية، وبعد العيش معهم والاحتكاك بهم يكتشف أنه كان يتعامل مع المجتمع بمعتقدات خاطئة.
ويتطرق الفيلم فى دقائق معدودة لحادثة اغتيال المفكر فرج فودة الذى كان يؤدى شخصيته الممثل محمد الدفراوى تحت اسم "فؤاد مسعود".
هذا هو عادل إمام، بعمره الذي قضاه في الفن مؤمنا بأن للفن دور مجتمعي يكمن في تبصيرهم بأبسط الطرق، كما أنه له دور أهم هو القدرة على جعلهم يبتسمون، وهذه هي الرسالة.