أهمية كبيرة حظت بها القمة العربية، والتي عقدت الخميس الماضي، في العاصمة البحرينية المنامة، ربما تجلت في العديد من المشاهد الإقليمية، أبرزها استمرار العدوان الوحشي على قطاع غزة، منذ أكثر من 7 أشهر كاملة، بالإضافة إلى اتساع المساحة الجغرافية للصراع، مع دخول مناطق أخرى في دائرة الحرب، بدءً ن لبنان مرورا بسوريا وحتى اليمن، مع محاولات توريط دول أخرى عبر إغراقها في دائرة الفوضى، من خلال دعوات التهجير، وهو ما يعكس الحاجة الملحة إلى تعزيز التوافقات العربية، في مرحلة تبدو حساسة واستثنائية بفعل الظروف القائمة، وهو الأمر الذي أضفى استثنائية خاصة لقمة تأتي في دورتها العادية.
ولعل استثنائية قمة البحرين، تنطلق من العديد من المسارات، ربما أبرزها التوقيت المتزامن مع العديد من الأزمات الإقليمية، والدولية، إلا أن ثمة مسارا آخر، يتجسد في كونها أول قمة عربية خالصة، تعقد منذ العدوان على قطاع غزة، حيث سبق وأن احتضنت الدولة المصرية، قمة عالمية، وهي قمة "القاهرة للسلام"، والتي عقدت في أكتوبر، بعد حوالي أسبوعين فقط من اندلاع العدوان، لتحقيق توافقات عابرة للأقاليم حول العديد من الثوابت، سواء المرتبطة بالقضية الفلسطينية، أو قطاع غزة، منها تعزيز حل الدولتين، وضرورة التهدئة وتمرير المساعدات الإنسانية، وغيرها، بينما شهدت العاصمة السعودية الرياض، في نوفمبر، قمة عربية إسلامية، لتحقيق توافقات إقليمية، حول الأزمة التي يشهدها القطاع في اللحظة الراهنة.
وهنا تتجلى قمة البحرين، في كونها فرصة مهمة، لتعزيز التوافق العربي، حول أبرز القضايا المرتبطة بفلسطين، في لحظة استثنائية، بينما في الوقت نفسه تحتفظ بحالة من الخصوصية المرتبطة بالهوية، عبر إبراز موقف عربي موحد، ناجم عن قمة عربية خالصة، من شأنها تقديم العديد من الرسائل، أهمها ما أسميته في مقال سابق بـ"المركزية المتبادلة" بين البعد الفلسطيني، والذي يمثل محور القضايا في العربي، من جانب، والبعد العروبي، المتجسد في مركزية الدور الذي يلعبه العالم العربي في دعم القضية الفلسطينية.
أهمية قمة البحرين، لا تقتصر فقط على ما آلت إليه من قرارات، تحمل في جوهرها أهمية كبيرة، نظرا لجماعيتها وما تعكسه من موقف جماعي داعم للقضية الفلسطينية، وهو ما يمثل امتدادا للمواقف السابقة، التي تجاوزت مرحلة العدوان، إلى عقود سابقة من الزمن، وإنما تمتد إلى أبعاد أخرى، تتجلى في كونها تحتفظ بخصوصية البعد العروبي، ومركزيته في حل القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي أضفى المزيد من الزخم، لتلك الحالة من المركزية المتبادلة، سواء عبر تعزيز الموقف الفلسطيني، من قبل البعد الجماعي العربي، أو تعزيز دور العرب الجمعي، في حل القضية الأبرز، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، وإنما في العالم بأسره.
وفي الواقع، تبدو تلك الحالة من الخصوصية، سببا رئيسيا في إضفاء مزيد من الاستثنائية لقمة البحرين، خاصة وأن ساهمت، عبر المواقف الموحدة، في بناء لبنة جديدة، من التوافق، الذي أرسته قمة "القاهرة للسلام"، والتي أسست لموقف دولي موحد، يحمل شقا سياسيا، عبر تعزيز حل الدولتين، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك شقا ميدانيا، يقوم على التهدئة، ووقف إطلاق النار، في حين كان هناك شقا إنسانية يقوم على الضغط على الاحتلال الإسرائيلي، من أجل تمرير المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، مع العمل على بناء حشد دولي، من شأنه مجابهة الدعوات العبرية المشبوهة، وعلى رأسها التهجير وفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وهي الدعوات التي تهدف في الأساس إلى تصفية القضية الفلسطينية.
الأساس الذي أرسته قمة "القاهرة للسلام"، تعزز في القمة العربية الإسلامية بالرياض، لتؤسس جبهة إقليمية، من شأنها تعزيز الثوابت المذكورة، بينما جاءت قمة البحرين، لتؤكد وحدة الصف العربي، ومركزية البعد العروبي، والذي يبقى حائط الصد الأول لفلسطين وقضيتها، في مواجهة كافة المحاولات لتصفيتها، بينما يبقى في الوقت نفسه داعما للاستقرار الإقليمي، عبر دحض محاولات تصدير الفوضى للإقليم، خاصة بعد ما تحقق من مصالحات إقليمية خلال السنوات الأخيرة، تسعى الدولة العبرية لتقويضها لإعادة المنطقة إلى المربع الأول مجددا.
وهنا يمكننا القول بأن قمة البحرين حققت نجاحا كبيرا في تقديم رسائل إضافية لما قدمته قمتي القاهرة والرياض، حيث تمكنت من تعزيز المواقف التي سبق وأن تبناها العرب من قبل خلال القمتين المذكورتين، ناهيك عن كونها تمثل تعزيزا للبعد العروبي الهام في حل الأزمات والقضايا التي يشهدها الإقليم، وعلى رأسها تلك المرتبطة بالقضية الفلسطينية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة