شغلت الحرب فى غزة، الجزء الأغلب من اهتمام وتركيز القمة العربية 33 فى البحرين، والتى جاء بيانها مجمعًا على عدد من الخطوات التى ربما يكون قد تم طرحها فى السابق، لكنها الآن تتخذ طريقا مختلفا، وتحتاج إلى زخم لدفعها خطوات إلى الأمام، وعلى عكس القمم السابقة، بدت القمة الأخيرة فى ظل توافق عربى حول دعم القضية الفلسطينية، وكانت كلمات الرؤساء والقادة تحمل هذا الدعم بدرجات مختلفة، قد تكون هناك اختلافات أو تنوعات فى قوة الكلمات لكنها انطلقت من إطار واحد ربما يكون عاكسًا لحجم الاهتمام.
هذه القمة تأتى فى وقت صعب، تواجه فيه المنطقة والعالم تحولات ضخمة فى كل تفاصيل السياسة الدولية، وشكل وحجم الصراعات، بل إنه جرت العادة أن اهتمام الدول الكبرى - خاصة أوروبا والولايات المتحدة - لا يتركز على غير المنافسات الاقتصادية والقضايا الداخلية، لكن الحرب الدائرة فى غزة انعكست فى صورة اهتمام، ولعب التطور التقنى والاتصالات وأدوات التواصل دورًا فى نقل الاهتمام بالقضية الفلسطينية إلى المجتمعات الغربية، لدرجة أن هناك خلافا واختلافا بين مواقف الحكومات من ناحية، ومواقف وانفعالات الشعوب الأوروبية من ناحية أخرى.
بل إن كلمة مصر أمام القمة، والتى ألقاها الرئيس عبدالفتاح السيسى، تضمنت إشارة الى هذا الواقع الجديد عندما أشار الرئيس إلى أن ردود أفعال الشعوب تخالف المواقف الرسمية، وأن هذه الحرب تضع العالم فى اختبار أخلاقى مهم، وأن ثقة شعوب العالم فى عدالة النظام الدولى تتعرض لاختبار غير مسبوق، وأن تبعاته كبيرة على السلم والأمن والاستقرار، وأكد أن مصر - قولا وعملا - تتمسك برفض تهجير الفلسطينيين، أو تصفية القضية الفلسطينية، وأن الرهان على حافة الهاوية والقوة، لا يفيد، بل هو رهان خاسر، وهى إشارة مهمة، لأن مثل هذه الضغوط، وتجاهل القانون الدول والإنسانى، غالبا ما تنتج تداعيات خطرة تهدد الأمن والسلم، وأن مصير المنطقة ومقدرات شعوبها أهم وأكبر من أن يمسك بها دعاة الحروب والمعارك الصفرية، وتراهن مصر على غلبة أصوات العقل والعدل والحق، لإنقاذ المنطقة من الغرق فى بحار لا تنتهى من الحروب والدماء.
من بين النقاط المهمة التى تضمنها البيان الختامى لقمة البحرين، هو التأكيد على أهمية السعى إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، وتأييد دعوة الرئيس الفلسطينى محمود عباس، لعقد مؤتمر دولى للسلام، وتنفيذ حل الدولتين وفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وقبول عضويتها فى الأمم المتحدة دولة مستقلة كاملة السيادة كغيرها من دول العالم، وضمان استعادة كل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، خاصة حقه فى العودة وتقرير المصير وتمكينه ودعمه، وأن يقوم المجتمع الدولى بمسؤولياته لمتابعة جهود دفع عملية السلام وصولا إلى تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، الذى يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة.
بيان قمة البحرين دعا إلى نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة فى الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ حل الدولتين، وهو اقتراح يتطلب سعيا، لأنه يتناسب مع ما طرحته مصر من تحميل الاحتلال الإسرائيلى المسؤولية عن حياة ومعيشة وسلامة من يحتلهم، وهو أمر تطرحه مصر بشكل كبير فى انضمامها إلى جنوب أفريقيا - فى دعوى الأخيرة - أمام محكمة العدل الدولية، والتى تقدم أدلة على ارتكاب إسرائيل جرائم الإبادة الجماعية والعنصرية ضد الفلسطينيين فى غزة.
ويدعم بيان القمة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة فى اجتماعها بتاريخ 10 مايو بشأن طلب دولة فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة بتأييد من 143 دولة، مع دعوة مجلس الأمن إلى أن يكون منصفا ومساندا لحقوق الشعب الفلسطينى.
والواقع أن هذه المطالب والنقاط التى وردت فى البيان الختامى للقمة العربية، تتضمن خطوات بحاجة إلى العمل، والأهم أنها بحاجة إلى توحد الفلسطينيين، وهو المطلب الذى تضمنه البيان الختامى للقمة، والذى دعا كل الفصائل الفلسطينية للتوحد حتى إقامة دولة فلسطين الوطنية المستقلة على ترابها الوطنى، وعلى أساس حل الدولتين، ووفق قرارات الشرعية الدولية والمرجعيات المعتمدة.
وبالطبع فإنه إذا كانت لهذه الحرب ميزة، فهى أنها جعلت القضية الفلسطينية فى الواجهة، وبالتالى يفترض أن تكون القضية هى الهدف الأهم لكل فلسطينى، خاصة الفصائل والقيادات السياسية، والتى ربما عليها أن تتخلى عن مرجعياتها خارج القضية وتلتزم بوحدة تتيح التحرك والعمل معا، لأن الأزمة الأخيرة بقدر ما كشفت عن توحد العدوان، وتنوع آرائه، بقدر ما كشفت عن خلافات بين الفصائل تحتاج إلى أن تنتهى، وأن يتم استيعاب الدرس الأهم، هناك عالم يشهد تحولات وتغيرات تفرض تحولا فى كل الحركات الأقدم، خاصة أن الانتفاضات الفلسطينية دائما ما كانت توحد الجميع، وتنعكس فى نتائج.