بنى أجدادنا حضارتهم بأيدي مصرية وعقول مصرية وطاقات بشرية بجينات عبقرية وهو ما خلد حضارتنا حتى اليوم، وعلى مدار آلاف السنين ظلت القوى البشرية المصرية هي ثروة كل العصور التي لاتنضب، ولظروف تاريخية يهاجر ملايين المصريين بين باحث علم أو مهني فذ أو حتى عمالة مساعدة يجمع الكافة أنها ساعدت ومازالت في بناء نهضة كثير من الدول وستظل العمالة المصرية على اختلاف أنواعها تحظى بتقدير كافة الدول و لا شك أن الدولة المصرية تمتلك ثروة بشرية كبيرة وهي المصريين في الخارج، ثروة هائلة وقوة ناعمة تُشكل ركيزة أساسية للاقتصاد المصري، وعنصر فاعل في تعزيز مكانة مصر على الصعيد الدولي.
إذ يُعد المصريون في الخارج سفراء لثقافة مصر وحضارتها العريقة؛ يُساهمون في التعريف بثقافة مصر للعالم، وتعزيز العلاقات الثقافية بين مصر والدول الأخرى، إلى جانب مساهمتهم في الحفاظ على هويتهم المصرية، كما يُساهمون في تعزيز مكانة مصر على الصعيد الدولي والدفاع عن قضايا مصر في مختلف المحافل الدولية.
وهم أيضاً قوة اقتصادية كبيرة للدولة المصرية، حيث تعد تحويلات المصريين بالخارج مصدر رئيسي من مصادر العملة الصعبة في مصر، وتُساهم هذه التحويلات في دعم الاقتصاد المصري وتحقيق التنمية، ودورهم مهم جداً في الاستثمار في مختلف القطاعات في مصر بما يؤدي تعزيز النمو الاقتصادي.
ومن السمات الأساسية التي تشكل جزء من ملامح واتجاهات تفكير أبناء مصر في الخارج هي أن جيناتهم جميعا تحمل جينا فريدا وهو حب مصر وارتباطهم النفسي والروحي بها حتى و إن حصل على جنسية دولة أخرى، وهو ما يدعو في الحقيقة لبذل جهودا أكبر للحفاظ عليهم والاهتمام بهم، و حقيقة فإن الأمر يتطلب دعم المصريين في الخارج وفتح قنوات لهم من جانب الدولة لتعزيز دورهم بشكل أكبر في الاستثمار في بلدهم، حيث يتمتع المصريون في الخارج بخبرات ومهارات عالية في مختلف المجالات ويُساهمون في نقل هذه الخبرات إلى مصر، مما يُساهم في تطوير مختلف القطاعات، بجانب أن من بينهم مستثمرين كبار يجب الاهتمام بتحفيزهم وجذبهم للاستثمار في بلدهم.
والدولة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي تولي اهتماما كبيرا بالمصريين في الخارج وتعزيز التواصل معهم وربطهم بوطنهم الأم، وتهتم بمشاكلهم واحتياجاتهم، وهناك توجيهات دائمة من القيادة السياسية للحكومة بتذليل أي معوقات تواجه المصريين في الخارج وحل مشاكلهم، لكن رغم الجهود المبذولة مازالت هناك بعض الملفات تحتاج إلى بذل مزيد من الجهد لحلها وأن تكون هناك استراتيجية وطنية لرعاية ودعم المصريين بالخارج.
وتُبذل الحكومة المصرية جهودًا كبيرة لدعم المصريين في الخارج، من خلال إنشاء وزارة الهجرة وشئون المصريين بالخارج التي تهدف إلى تقديم مختلف الخدمات للمصريين في الخارج، وإطلاق العديد من المبادرات لدعمهم، وتُقيم الدولة المصرية قنوات تواصل مستمرة مع المصريين في الخارج، لمعرفة احتياجاتهم ومشاكلهم، والعمل على حلها، وتسعى إلى تعزيز دورهم وجعلهم شركاء في عملية التنمية في مصر.
ويُقدر عدد المصريين المقيمين في الخارج بأعداد تتراوح بين 12 إلى 14 مليون مواطن، وقد تزيد الأعداد من وقت لآخر، موزعين على مختلف دول العالم، ويواجه المصريون في الخارج العديد من التحديات، من أهمها: صعوبة حصول البعض على فرص عمل مناسبة تتناسب مع مؤهلاتهم وخبراتهم، وارتفاع تكاليف المعيشة في بعض الدول التي يقيمون بها، فضلاً عن صعوبة الحصول على بعض الخدمات، مثل الخدمات الصحية والتعليمية، وتعرضهم أحياناً لظروف طارئة بفقد عملهم واضطرارهم للعودة إلى مصر أو يظلوا فترة في الدولة المقيمون فيها بدون عمل، إلى جانب حاجتهم إلى توفير مظلة حماية اجتماعية لهم ورعايتهم صحيا واجتماعيا، بجانب تمكينهم اقتصاديا.
لذلك هناك حاجة ضرورية وملحة لسرعة إنشاء صندوق رعاية وحماية المصريين بالخارج، كخطوة ضرورية نحو دعم وتأمين مستقبلهم وحل مشاكلهم ورعايتهم وتوفير الأمان الاجتماعي وحياة كريمة لهم ولأسرهم، هذا الصندوق يهدف إلى توفير مظلة حماية اجتماعية وتأمينية للمصريين المتواجدين في الخارج، وذلك من خلال توفير المساعدة والدعم في حالات الطوارئ: مثل التعرض لحادث أو فقدان الوظيفة أو غيرها من الحالات الطارئة التي قد تُعيق قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية، وحمايتهم من العوز، وهم من قدموا و لازالو الكثير من أجل مصر، و من وجهة نظر أخرى أيضا فالمواطن المصري الذي يحمل جنسية أقدم حضارة في التاريخ يستحق الكثير.
فضلاً عن ذلك يمكن أن يقدم الصندوق الدعم القانوني للمصريين بالخارج في حال واجهوا أية مشاكل قانونية في بلد إقامتهم، علاوة على المساهمة في تغطية تكاليف العلاج الطبي وتوفير الرعاية الصحية اللازمة، والمساعدة في تغطية تكاليف شحن جثامين المتوفين من المصريين بالخارج إلى مصر، وتيسير وتسريع إجراءات عودة الجثامين، وتقديم الدعم لبعض المشاريع التنموية التي تخدم احتياجات المصريين بالخارج، وتوفير مظلة تأمينية للمصريين بالخارج والتأمين عليهم اجتماعياً وصحياً.
ولا شك أن إنشاء صندوق لرعاية المصريين بالخارج سيؤدي إلى توفير شبكة أمان للمصريين بالخارج تُشعرهم بالدعم والمساندة من قبل الدولة المصرية في حال واجهوا أي صعوبات أو أزمات، وتعزيز التواصل بين المصريين بالخارج والوطن الأم خلال شعورهم بأن الدولة تهتم براحتهم ورفاهيتهم مما يساهم في تعزيز وترسيخ الولاء والانتماء للوطن، بجانب أهمية الصندوق في تحفيز المصريين بالخارج على الاستثمار في مصر والمشاركة في المشروعات التنموية.
فمن الضروري التوسع في الاشتراكات التأمينية للمصريين بالخارج، وتوفير سبل الحماية الاجتماعية لتوفير حياة كريمة لهم ورعايتهم في كل أنحاء العالم خاصة في أوقات الطوارئ سواء كانت لظروف التوقف عن العمل ودعم أسرهم، أو ظروف مرض أو وفاة، حيث إنه من المطالب الأساسية التي ينادي بها المصريون في الخارج هى توفير مظلة للحماية الاجتماعية والتأمينية ضد حالات الطوارئ، سواء التعرض لحادث أو ترك العمل بالخارج أو توفير المساعدة القانونية لهم وصولا إلى شحن الجثامين في حالة الوفاة
والحكومة المصرية تدرك أن هناك حاجة ملحة لإطلاق آلية مستدامة تتضمن امتيازات حماية اجتماعية ورعاية صحية للمصريين بالخارج، وهناك اهتمام بفكرة الصندوق لكن هناك بطء في تفعيل وإنشاء الصندوق ويجب الإسراع في تأسيسه وتحديد مهامه، وطرح الفكرة للحوار مع المصريين المقيمين في الخارج لتلبية كافة مطالبهم واحتياجاتهم، وخلال لقاءات عديدة مع بعض الجاليات المصرية في دول الأشقاء في المملكة العربية السعودية أو الإمارات ودول الخليج و بعض البلدان الأوربية دار بيني وبينهم العديد من النقاشات التي لا تدل إلا على حب وعشق وتقديس لمصر المحروسة وهذا هو كنز المحبة الحقيقي من أبناء مصرنا الغالية.
ختاماً، أنوه إلى ضرورة إعادة النظر في قانون الهجرة ورعاية المصريين في الخارج رقم (111) لسنة 1983، والذي عفى عليه الزمن، مما يتطلب سرعة إجراء تعديل تشريعي ليتواكب مع التطورات والمتغيرات الحديثة، ويمكن أن ينظم القانون أيضاً إنشاء صندوق رعاية وحماية المصريين في الخارج وتحديد مهامه واختصاصاته ومصادر تمويله ومواردها.