ضفتان متقابلتان؛ لكنهما أقرب لانعكاس الصورة فى المرآة، بأكثر ممّا تُعبّران عن حال التضاد الكامل. تجمدت القضية الفلسطينية ميدانيا وتحركت فى الأيديولوجيا والمكونات الفكرية والنفسية للصراع، وكان الإسرائيليون وهم يتزحزحون جهة اليمين منذ أواخر السبعينيات، كأنهم يُصوتون للأصولية فى الأرض المحتلة. وعلى هذا المعنى؛ فإن حماس فى أحد وجوهها، تبدو كما لو كانت اختيار الصهاينة، وتلخيصا لإرادتهم فى تغيير هيكل اللعبة وتنظيمها وفق قواعد جديدة. لقد عبّرت «أوسلو» عن آخر ما يقدر عليه اليسار من الطرفين؛ لذا كانت التوطئةَ السياسيةَ لإطلاق أيدى المحافظين، بالتواطؤ غير المُعلن على الاتفاقية أوّلا، ثم باستعادة الخطاب الإلغائى ودفعه لواجهة المشهد من جديد.. الليكود مُعادل موضوعى لكتائب القسام، ويتحدّثان لغة واحدة، وأقرب اثنين لبعضهما فى كل الجغرافيا التاريخية من النهر للبحر، بنيامين نتنياهو فى كابينت الحرب، ويحيى السنوار داخل أنفاق غزة.
فرضت الحركة الصهيونية منطقَها فى فلسطين منذ البداية. احتاج الفلسطينيون عقودا لفهم الخطر الذى تُمثله المجتمعات التعاونية للمهاجرين اليهود، ثم مثلها للتخلص من أثر التكييف الدينى للصراع بوصفه مسألة إسلامية فى المقام الأول. تأسست «فتح» فى حاضنة من الأصولية ونثارات القومية البعثية؛ لكنها تحررت بالتجربة والخطأ من قيود الاختزال الثقافى والهوياتى للقضية، ولم يكن مَيلُها القومى لاحقا إلا بقدر ما يتبنّاه القوميون من شعارات الاشتراكية والأُممية والعدالة الاجتماعية. وقد كان التحوّل مُكافئا للنزعة اليسارية المهيمنة فى تل أبيب؛ ثم عندما انتكست الأخيرة فى حرب أكتوبر وما بعدها، وسارت مُرغمةً ناحية السلام وإخلاء الأرض، فى أول ارتداد انكماشىّ منذ تأسيسها، صعد اليمين على أطلال اليسار، واستدعى معه نسخته الفلسطينية المضادة. هكذا ربما يبدو الفعل المقاوم؛ حتى وهو يعتقد فى نفسه الاستقلالية والمبادرة، أقرب ما يكون إلى رد الفعل، أو بصياغة أُخرى هو «مفعول به» بأكثر من كونه فاعلا.
انتفاضة الحجارة وتداعياتها منذ أواخر الثمانينيات فتحت الطريق على الاحتمالين: مسار السلام المنتظم وفق محددات إنسانية وقانونية، والبديل الساخن المحمول على السلاح بذخيرة عقائدية. لم تكن المقابلة بينهما واضحة فى بادئ الأمر؛ إنما كان منطقيا أنه لا يُمكنهما اقتسام المجال الحيوى للصراع بالتساوى، ونجاح أحدهما يستتبع إخفاق الآخر بالضرورة. وما عطّل ترجمة المعادلة على وجه السرعة بمجرد انتكاس مسار أوسلو، وصعود الليكود فى أردأ صوره مع بنيامين نتنياهو على جثة رابين، إيذانا بتشييع حزب العمل وتراث الاشتراكية الصهيونية لمثواها الأخير، أن رام الله احتفظت بحضور رمزى وبلاغى ناتج عما حققته منظمة التحرير من اختراق غير مسبوق، أقله إعادة المقاومة بكل أطيافها للعمل من داخل الوطن، وامتلاك لافتة سياسية ذات شرعية ولو منقوصة، وفوق كل هذا كاريزما ياسر عرفات «أبو عمار»، ومكانته الاستثنائية التى لم يُحرزها سابق عليه أو لاحق، مع قدرته المُدهشة فى حديث السياسة دون أن يفقد وهج النضال الخشن، وفى السير تحت ظل السلاح دون أن يغلق مسارات الحوار والإقناع والاقتدار على مخاطبة العالم.
اتخذت حماس من غزة قاعدة انطلاق ومركز استقرار، ولم تخلُ علاقتها بعرفات من اختلاف ومناكفات؛ لكنها كانت أضعف من أن تتحدى سلطته المعنوية لدى الفلسطينيين، أو تتمرد على ما أحرزه للقضية مقاتلا وسياسيا، وما دفع من فواتير بين المنافى وغرف التفاوض وصولا للحصار والتسميم. لهذا ليست مفارقة عابرة أن تتعايش تحت وصايته لنحو عقدين منذ تأسيسها، ثم يقع الشقاق والانقسام بعد أقل من سنتين على وفاته. لم يكن الأمر ناشئا عن ضعف وريثه محمود عباس، وله شرعية تاريخية، ولم تكن تناقضات سلطته قد كشفت عن نفسها كما هى الآن؛ إنما كان الباعث تضخّم شعور القسّاميين بذواتهم، وامتلاؤهم بفائض القوة الذى أرادوا صرفه فى مجال السلطة والحكم، ثم التأثيرات الواقعة عليهم من الخارج مع بزوغ العثمانية الجديدة فى تركيا بالتزامن، أو اتساع حيز الطموحات الفارسية للتمدد فى النطاق العربى من باب الميليشيات المذهبية، وتحت غطاء الصراع مع إسرائيل بوصفه المبرر الإسلاموى الأقوى والأكثر تأثيرا. وما تيسر ذلك؛ إلا لأن المد اليمينى فى الدولة العبرية أراده أو تبنّاه وساعد عليه.
لم يكن الخلاف فى صالح القضية، وبالضرورة ليس من فائدة السلطة الوطنية ومنظمة التحرير. لقد كسبت حماس قطاع غزة، وخسرت رام الله الجناح الثانى وربما الأهم للدولة المأمولة. على الأقل لأنه الأقل تشوُّهًا فى تركيبته الديموغرافية، ويتصل بأقرب حلفاء القضية فى مصر، ويمثل إطلالة فلسطين المستقبلية الوحيدة على الماء. وباختصار؛ يمكن أن تتأسس الدولة المستقلة على أية رقعة متاحة من الضفة الغربية الكبيرة؛ لكنها يستحيل أن تقوم عمليا ومؤسسيا واقتصاديا لو بُتِر منها الشريطُ الساحلى الصغير على المتوسط. لهذا رأت تل أبيب فى الانقسام فرصة ذهبية لتفكيك القضية من داخلها، ورعته وشجّعت عليه، وعمدت بكل السبل المتاحة لإزاحة السلطة وتوطيد الحكم الحماسى، ويُؤثَر عن نتنياهو أنه اعتبر الحركة ذخرا قوميا لإسرائيل، وتولى تدبير اللوجستيات اللازمة لانفرادها بالقطاع؛ بل إنه وسّط الإدارة الأمريكية لتوفير حاضنة إقليمية لقادتها فى الدوحة بدلا من دمشق، بعد حربها الأهلية ودعم الحماسيين للأجندة الإخوانية ضد بشار الأسد، وتوسّط بنفسه لجلب الأموال عبر القناة نفسها، وكان يتكفّل باستقبال الحقائب فى مطاراته شهريا وتمريرها من معابره. وغرض الحكى السالف، وعشرات الأمثلة التى يضيق عنها المقام؛ ليس الانتقاد أو الإدانة، وإنما الاقتراب من خفايا العلاقة وأنماط التفكير، وتحرير الوقائع بغرض استكشاف المقدمات وأثرها على المآلات، واستشراف مستقبل الجدلية الأصولية، الصهيونية الإسلاموية، استنادا إلى ماضيها وسوابق آبائها من الطرفين.
لصالح نتنياهو أن تبقى حماس وكل التنويعات الأُصولية الشبيهة. إنه إذ يتصوّر نفسه ملكًا يهوديًّا فهو أحوج ما يكون لخصوم مُتشدّدين، ولأغيارٍ على طرف النقيض من التوراة وحمولاتها التاريخية والمعرفية. وبينما يفخر بأنه السياسى الذى لم يمنح الفلسطينيين شيئا، وصاحب براءة الاختراع فى إفساد كل المسارات السياسية الكفيلة بتسوية القضية، فلا بديل له عن أعداء يتبنّون فكرته الإلغائية نفسَها بمعنى مُضاد، ويطلبون كل شىء دون مرونة أو مُقاربات وسيطة؛ فيسهُل الاستمرار فى حرمانهم من كل شىء. أما إطلاقه للحرب الأخيرة على غزة تحت عنوان القضاء على القساميين؛ فأقرب إلى الدعايات والآمال منها إلى الواقع، وفى أفضل الظروف يمثل التماسَ الحدود القصوى من المطالب، سعيا إلى ترسيم خطوط الاتصال والاشتباك عند معادلة مغايرة لما كان قائما؛ إنما تظل فى نطاق أعلى من إخلاء الساحة لمنظمة التحرير، أو تصفية الميدان على السياسة حصرا من دون السلاح. وهو يعلم يقينا أن إفناء حماس ليس فى الإمكان أصلا، لذا يُبدى أنه يُفاوضها على نيّة الإزاحة، بينما يُحاربها على نيّة البقاء المُؤطَّر والمحكوم بتوازنات مُجدَّدة، وفى واقع الأمر فإنه يُقوّى موقفها فى الحالتين. وبقدر ما يُغذّى سرديّتها ويرفع أسهمها لدى الحاضنة الأصولية؛ فإنها تردّ المجاملة عمليا بتثبيت صورته النضالية قوميا وتوراتيا، وصَلب عُوده أمام مناوئيه فى الداخل، وتسويغ خياراته الحارقة وتمريرها فوق اعتراضات وملاحظات الحلفاء والداعمين من الخارج.
علاقة التخادُم بين يَمينى القاتل والضحية قديمة راسخة، ولها عديد الشواهد الدامغة. ربما اللقاء على جثة أوسلو كان البداية؛ لكن العلاقة جدّدت نفسها فى كل المحطات تقريبا. انتفاضة الأقصى تكفّل الإسلاميون بتديينها فأفقدوها كثيرا من الوهج فى نظر العالم، وردّ الاحتلال عليها بوحشية فأجّج العواطف وأضاف لرصيد حماس. وعندما طرحت القمة العربية فى بيروت 2002 مبادرتها للسلام، نفّذ القسّاميون عمليات انتحارية فى نتانيا؛ فأفلت شارون من ورقة الضغط وتربّح الخطاب المُسلّح على حساب السياسة. وفى كل مُناوشةٍ لاحقة من غزة؛ كان الصهاينة يتلقّون الهدية ويُشغِّلون ماكينة «جزّ العشب»، وفى كل حرب شنّوها على القطاع كانت حماس تصرف شيك الدم شعبيةً ودعما لوجستيا وتثبيتا لأركان سلطتها.
وفى المقلب الأخير؛ بدت المجاملات فى أَوجِها؛ فعملية «طوفان الأقصى» لحقت نتنياهو فى وقت حرج، وكانت المعارضة شاهرةً سيوفها والشارع مشتعلا بأثر خطة الإصلاح القضائى، والارتباك ينعكس على بيئة الليكود الداخلية؛ إذ اعترض وزير الدفاع يوآف جالانت، وأراد رئيس الحكومة إقالته ثم رضخ للضغوط الشعبية. كان المشهد يُوشك أن يُفكِّك الائتلاف الحاكم ويفرض انتخابات مُبكرة؛ لكن هجمة الغلاف امتصت الغضبة وحيَّدت المعارضين، وأعادت هيكلة الجبهة الداخلية على صفة الإجماع. ولا تختلف الحال عمّا أحدثه القساميون قبل أسابيع، عندما قصفوا محيط معبر كرم أبو سالم قبل ساعات من رضوخهم لورقة الهدنة المطروحة فى مباحثات القاهرة؛ فوفّروا لصقور كابينت الحرب الذريعة لإفشال جولة التهدئة، والمِهادَ الصالحة لتحريك الآليات فى رفح. جاء التصعيد المشبوه بينما تناقضات الحكومة المُصغّرة عند أعلى مناسيبها، والسخونة المتصاعدة منذ يناير تُهدّد بانفجار وشيك؛ فكأن ضربة السنوار الاستعراضية سعت لحَرف الأنظار عن خطايا نتنياهو، أو لمنحه مُتّسعا للمناورة وتجديد السردية وتعديل الحسابات.
أطلق الوزير الثالث فى مجلس الحرب مُهلتَه الموقوتة بثلاثة أسابيع، والمشروطة بستّ نقاطٍ أبرزها إفناء حماس وتكسيح غزة، وضبط خطط السيطرة الأمنية مع استجلاب تحالف دولى للإدارة المدنية. وموقف زعيم معسكر الدولة المحسوب على الوسط إنما يطابق أجندة نتنياهو تقريبا، باستثناء ترتيب ورقة استعادة الأسرى فى الوقت والطريقة بين باقة الأهداف. والتصعيد يُعبّر عن صراع شخصى بأكثر ممّا يُترجم تحوُّلا فى الرؤى والأفكار. ولو حدث من دون الهجمة المشبوهة فى كرم أبو سالم؛ لتيسّر لمعارضى الليكود أن يسلبوه آخر أوراق الإجماع والتحصن بين معارضة عاجزة وموالاة توراتية متطرفة؛ أما الآن فقد صار بمقدوره أن يمضى فى خطته مكتفيا بدائرة الحريديم، وما يرافقها من انقسام مجتمعى ينحاز بعضه للحرب، ويرى آخرون أن جانتس ورفاقه يعبرون عن رؤية أمريكية لا صهيونية، ويتفق الجميع على الرفض الكامل لأى اقتراح قد يُفضى لتفعيل خيار السياسة على قاعدة التسوية الدائمة وحل الدولتين. والأقرب أن يُضحّى بائتلاف الكابينت لصالح أغلبيته فى الكنيست، وأن يستكمل مدة حكومته البالغة نحو 30 شهرا، ويلجأ لكل الخيارات الكفيلة بإبعاد شبح الانتخابات المبكرة؛ حتى لو اضطر للتصعيد فى غزة أو افتتاح مواجهة إضافية موسعة فى جنوب لبنان.
المخرج الوحيد من سياق الاختناق أن يُعاد ترويض اليمين المتطرف على الناحيتين. وأن يُنشِّط الوسطاء والضامنون، والفاعلون فى المشهد من داخله أو خارجه، كلَّ جهودهم لترسيم حدود الربح والخسارة، وترضية اللاعبين الحاليين مع الدفع ببدائلهم المتاحة لواجهة الصورة. لا أمل فى تهدئة الجبهة الفلسطينية طالما ظل نتنياهو طرفا فى المعادلة، كما لا سبيل لاستنقاذ غزة وإعادتها إلى الحياة الطبيعية، وأن تصير جزءا عضويا من جسد القضية فى تعريفها الوطنى؛ إلا بإقناع حماس بأن الظرف يقتضى أن تتوارى قليلا، أو تنزل عن الشجرة مرحليا لصالح أجندة مُحدّثة لا تُمكّن صقور الاحتلال من رقبتها، ولا من إضعاف السياق الفلسطينى كله بأثر دعايات الوصم والتشويه. صار مقطوعا بأنه لا الولايات المتحدة والغرب يقبلون بالحماسيين فى المستقبل الغزى، ولا بمقدور أحد أن يلزم السنوار وكتائبه الإقرار بالهزيمة، وهكذا لا أفق لانتصار أحد الطرفين أو انكسار الآخر؛ إنما البديل التوصل لتسوية توافقية متوازنة، تُذيب الجلطات وتزيح عناصر الشقاق؛ رهانا على أن يستجيب المناخ الجديد لمقتضيات اللحظة ويعيد حلحلة المواقف والانحيازات خارج الوسائل الحارقة والخيارات الصفرية.
يتطلب ذلك إعادة تكوين طبقة الحكم فى تل أبيب، مقابل تحييد سلطة حماس فى القطاع، بانخراط الأخيرة مع منظمة التحرير ولو بعنوانٍ مغاير، وإنتاج بديل مدنى فلسطينى أقرب إلى هيئة التكنوقراط، ومن دون لافتات تنظيمية أو شعارات أيديولوجية. وفى المقابل يحتاج الحماسيون إلى ترضيةٍ إقناعية، لمساعدتهم على عبور عقبة أنهم حاربوا طواحين الهواء، أو أنهم مُجبرون على الخروج بوفاضٍ خالية، ولا أقلّ من رقبة نتنياهو ومستقبله السياسى لتعويض الحركة معنويا، وتطييب جراح غزة الغائرة، وردم الفجوات العميقة التى تسبّب فيها بين طريقى الحرب والسلام. والمعنى باختصار وشفافية؛ أنه مثلما كان أسوأ رؤساء الحكومات فى إسرائيل حليفا ضمنيا لأجندة الأُصولية الحماسية، وصعدا معا، وتخادما لعقدين؛ فأول طريق المداواة يبدأ من تحييدهما معا، ولا يعنى ذلك إنهاء نسخة اليمين الليكودية، ولا تصفية حماس بما تُمثّله من خطاب عقائدى وهيكلية تنظيمية؛ بل إفساح المجال لفترة نقاهة يُعاد ترتيب الصفوف خلالها، ومراجعة الأفكار وتقويمها، والتوصّل لنُسخ مُعدّلة بعيدا من حال الاستقطاب والتصلُّب التى أوصلت الجميع للاصطدام بالجدار.
القضية أخطر من البقاء فى دائرة الشحن الحالية، وأعقد من أوهام التسوية بإزاحة وجهٍ أو تيار كامل؛ لكن استمراء صراع الأُصوليّات يُهدّد بانفجار عظيم، ستكون مخاطره أكبر على فلسطين؛ إنما لن تنجو إسرائيل أيضا من ارتداداته الزاعقة. وإذا كان صوت اليسار فى تل أبيب أضعف من إسماع الصهاينة أو إقناعهم، وبالمثل لم يعد ممكنا الاستناد إلى مسألة القومية العربية، بحمولاتها القيمية التى صارت من الماضى؛ فالأقرب أن يُدفَع اليمينُ بكلّ السُّبل لتجديد نفسه من داخله، وأن تنقلب مُعادلة التخادُم التى مكّنت الليكود وحماس، إلى مُخادمةٍ معكوسة تُعزّز فرص الوسطية والتعقّل فى الناحيتين، ليمضى الصراع الذى يبدو أبديا عند حدٍّ أرشد من الجنون، ومن المحارق الموسمية التى اتُّخذت أداةً لإنعاش الأُصوليّات وتجديد شرعيتها.. وفى كل الأحوال لا باب للمساواة بين القاتل والضحية/ المحتل وصاحب الأرض؛ لكن العدالة لا تعصم من الأخطاء، وتتبُّع السياقات يكشف أحيانا عن خطايا ارتكبها أصحاب الحق، وأفادت العدوَّ بقدر ما أضرّت القضية، ولا فارقَ بين أن تكون مُغرضةً أو بحُسن نيّة.. تكفى أربعةُ عقودٍ من التديين والاستتباع لتيارات رجعية أو أجندات مذهبية، لا سيما وقد أضافت طوال الوقت لرصيد النسخة الأشد سوءا فى جبهة الخصم؛ ولعله آن الأوان للتواضع أمام فلسطين وتاريخها النضالى، والبحث عن بدائل أكثر كفاءة فى ترصيص الصفوف وتقويتها، أو بالأدنى أقلّ كُلفة فى الدم وإضعاف الراية الوطنية الجامعة.