مع استمرار العدوان الغاشم على قطاع غزة، والذي تجاوز سبعة أشهر كاملة، وما نجم عنه من انتهاكات كبيرة طالت الحجر والبشر، يبدو بجلاء فشل المنظومة الدولية في إجبار طرف مارق على الإذعان لنداء العالم، وهو ما بدا في رفض الاحتلال الإسرائيلي لوقف إطلاق النار، والخضوع لعملية تفاوضية، إلى الحد الذي دفع واشنطن نفسها، رغم كونها الحليف الأقرب للدولة العبرية، إلى الامتناع عن التصويت على قرار لمجلس الامن الدولي، في هذا الشأن، بعد مرتين من استخدام الفيتو، لتقويض قرارين في نفس الاطار، وهو ما يعكس أن الامتعاض الدولي من السلوك الاسرائيلي لم يعد مقتصرا على الدائرة الداعمة لفلسطين وانما امتد ليطال أقرب حلفائها، وهو ما بدأ كذلك في دول الغرب الأوروبي التي حملت إدانات صريحة للانتهاكات التي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين في غزة.
ولعل الحديث عن التغيير الكبير في خطاب الغرب، مرتبطا إلى حد كبير بالجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية، والتي انطلقت منذ بدء العدوان على قطاع غزة، وتحديدا منذ دعوتها إلى عقد مؤتمر دولي على أراضيها، وهو مؤتمر القاهرة للسلام والذي لاقى استجابة سريعة من قبل كافة القوى الدولية، ناهيك عن تحول العاصمة المصرية إلى قبلة الزعماء من كافة أرجاء البسيطة لبحث الوصول إلى حلول من شأنها إنهاء الأزمة، في انعكاس لحقائق دامغة، أهمها الثقة الدولية الكبيرة في نزاهة الدور المصري، بالإضافة إلى كونه اعترافًا صريحا بجدارة الدولة المصرية في التحول من مجرد الوساطة، لانهاء العدوان الحالي، نحو دور أكبر يتجسد في رعاية القضية الفلسطينية برمتها، خاصة بعد عقود من الفشل الدولي في تحقيق الشرعية الدولية القائمة على حل الدولتين.
والحديث عن الوضع الراهن في غزة، لا يبدو مقتصرا على أحداث لحظية، تتجسد في عملية طوفان الأقصى وما أسفر عنها من احداث، وانما في واقع الامر فهو نتيجة مباشرة لاستمرار الاحتلال وهو الموقف الذي أكدته مصر في إطار مواقفها منذ بداية العدوان على القطاع، لذا كانت الثوابت الفلسطينية حاضرة في كافة المواقف التي تبنتها الدولة المصرية، وعلى رأسها الرفض المطلق لكل محاولات تصفية القضية، بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة تأسيس الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية باعتبارها الاساس لتحقيق الاستقرار والسلام الاقليميين في الشرق الأوسط.
إلا أن الحديث الجاري مؤخرا، على بعض المنصات الإعلامية حول دور مصري في تعطيل المفاوضات، يبدو مثيرا للسخرية أكثر منه الشفقة، خاصة وأنه يمثل محاولة صريحة لتغطية حالة من العجز الدولي على فشل المنظومة العالمية في شكلها الراهن على إجبار أحد أطرافها على الخنوع للإرادة الدولية، وهو ما يعكس غياب النزاهة عن أطراف المعادلة الدولية الحاكمة بسبب انحيازاتهم الصارخة لصالح الاحتلال ضد حقوق الفلسطينيين، بل والأكثر من ذلك انكشاف حالة الازدواجية التي تعانيها القوى الحاكمة فيما يتعلق بالشعارات التي طالما رفعوها حول حقوق الإنسان، في ظل حالة من الصمت المخزى على استهداف الأطفال والنساء والمستشفيات ودور العبادة، طيلة ما يقرب من ثماني أشهر كاملة.
وفي الواقع، الحديث عن اتهام مصر لا يجر منطقا على الإطلاق، خاصة وأن الدولة المصرية تبدو أكثر المتضررين من استمرار العدوان على غزة، بل ولم أكن مبالغا إذا قلت أكثر المستهدفين، في ظل الدعوات التي أثارها الاحتلال حول تهجير الفلسطينيين، وهي الدعوة التي تحمل في طياتها رغبة ملحة في نقلهم إلى دول الجوار، وهو ما يمثل، إلى جانب كونه محاولة لتصفية القضية، فهو محاولة لوضع الأراضي المصرية في دائرة الاستهداف، وبالتالي يبقى وقف أطلاق النار هدفا مصريا بامتياز، لا يقبل التأويل لتحقيق الاستقرار الاقليمي، وفي القلب منه حماية أمن مصر القومي.
وأما الحديث عن المساعدات الإنسانية فتبقى الدولة المصرية هي أكثر الدول التي دافعت عن أحقية سكان غزة بالمساعدات، بل وحاربت تعنّت الاحتلال منذ اليوم الاول في هذا الاطار، حتى أن أول قافلة مساعدات دخلت الى القطاع تزامنت مع انطلاق قمة القاهرة للسلام في تتوبج للجهود المصرية بينما كانت صفعة للاحتلال.
وهنا يمكننا القول بأن الحديث عن اتهام مصر بالتلاعب أو تقويض عملية وقف إطلاق النار مجرد محاولة من قبله بعض القوى التي فشلت في الاحتفاظ بدورها بسبب انحيازاتها الصارخة، خاصة وأن الدولة المصرية نجحت بامتياز خلال شهور معدودة في تحقيقي ما فشل فيه المجتمع الدولي في تحقيقه لعقود، وهو ما يبدو في سلسلة من الاعترافات بدولة فلسطين من قبل دول محسوبة على المعسكر الموالي للدولة العبرية وهو ما يعكس نزاهة وجدية الدور المصري وإيمان العالم بقدراتها في قيادة دفة القضية بعد سنوات من الفشل الدولي.