بالرغم من ضخامة الآلة العسكرية الإسرائيلية، فإن سلطات الاحتلال تصاب بالهستيريا، وترغى وتزبد من أى رد فعل أو تحرك تقوم به أى دولة لإدانة جرائم الاحتلال، أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والواقع أن التسريبات والتقارير الكاذبة ضد مصر، تعكس عجزا عن مواجهة مواقف مصرية حاسمة ومواجهة محسوبة ومحترفة، وترتبط بالقانون الدولة وإدانة الاحتلال، أمام العالم ومحكمة العدل الدولية.
والمفارقة أن هذه الهستيريا الإسرائيلية تتسع لتشمل كل دولة أو أى مسؤول يدين جرائم إسرائيل الظاهرة والمشهودة أمام العالم، وتشمل ردود أفعال العالم الدعاوى المرفوعة ضد الاحتلال الإسرائيلى، سواء أمام محكمة العدل الدولية أو قرارات «الجنائية الدولية» بالقبض على عدد من المتهمين بالقتل فى فلسطين من قادة إسرائيل.
انعقاد محكمة العدل الدولية، أصاب حكومة الاحتلال بهستيريا دفعتها لمهاجمة كل من ينتقد العدوان، كما تردد حكومة الاحتلال الأكاذيب فى مواجهة الاتهامات الموثقة، والتى تثبت شن حرب إبادة ضد الفلسطينيين فى غزة والأراضى الفلسطينية، وتعرضت محكمة العدل الدولية نفسها للهجوم وضغوط أمريكية لعدم نظر الدعوى، فى محاولة لوقف عرض الجرائم الدامغة التى يرتكبها جيش الاحتلال.
الولايات المتحدة مارست ضغوطا على محكمة العدل الدولية ثم الجنائية، أما الاحتلال فقد بدأ عمليات عداء وعقوبات ضد كل من يعلن تأييد قيام الدولة الفلسطينية، أو يدعم جهود مواجهة الإبادة فى غزة، فقد تتالت عمليات الاعتراف بالدولة الفلسطينية من كثير من دول العالم بشكل يضاعف من فرصة قيام الدولة الفلسطينية، بما يحمله من انعكاسات على القضية، وعلى وضع الاحتلال الإسرائيلى.
فقد أعلنت كلٌ من إيرلندا وإسبانيا والترويج الاعتراف بدولة فلسطينية «مستقلة»، فى خطوة قد تتخذها عدة دول أوروبية مثل سلوفينيا ومالطا، لتعزيز الاعتراف بدولة فلسطين على الساحة الدولية.
وقد هددت إسرائيل بعقاب الدول التى اعترف بالدولة الفلسطينية، حيث أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية، أن علاقات إسرائيل مع النرويج وإيرلندا وإسبانيا ستواجه «عواقب وخيمة» بعد أن قررت حكوماتها الاعتراف بدولة فلسطين، وقالت فى بيان، إن مسؤولا كبيرا عقد اجتماعا مع سفراء الدول الثلاث «لتوبيخهم» على الخطوة التى أعلنتها دولهم، والواقع أن دولا متنوعة ردت على الصلف الإسرائيلى بقطع علاقاتها أو تجاهل رد الفعل، ومعاملة الاحتلال بالمثل.
وزير الخارجية الإسرائيلى يسرائيل كاتس، هاجم إيرلندا بعد إعلانها الاعتراف بدولة فلسطين، معتبرا أن خطوتها هذه «مكافأة على الإرهاب»، لكن مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، جوزيب بوريل، رد مؤكدا أن السلطة الفلسطينية ليست «حماس»، بل على العكس من ذلك، فهما على خلاف عميق، وأن الاتحاد الأوروبى تحدث بالفعل وموّل واجتمع مع السلطة الفلسطينية، واستطرد مسؤول الاتحاد الأوروبى «فى كل مرة يتخذ فيها أحد قرارا بدعم دولة فلسطينية، يكون رد فعل إسرائيل تحويل الأمر إلى معاداة للسامية.
الواقع أن الحرب على غزة تتفاعل بشكل مختلف وتنتج تحولات تختلف ربما عن السابق، فيما يتعلق بمواجهة السياسات الإسرائيلية، أبرز التحولات هو محاسبة إسرائيل لأول مرة أمام محكمة العدل الدولية، وخروج مظاهرات فى عشرات الجامعات الأمريكية وتعالى الأصوات الداعمة للحقوق الفلسطينية من جهات كانت فى السابق محسوبة على الداعمين لإسرائيل.
كل هذا يضاعف من غضب إسرائيل وتصريحاتها وسياساتها التى تتسم بالعصبية، وتفتقد إلى المنطق، الغضب توجه إلى ألمانيا بسبب تصريح عن اعتقال بنيامين نتنياهو، حيث قال المستشار الألمانى أولاف شولتس، إنه يتوقع أن تعتبر المحكمة الجنائية الدولية أن إسرائيل لديها سلطة قضائية مستقلة عند اتخاذ قرار بشأن أمر اعتقال محتمل لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.
مشيرا إلى أن التسوية عبر المفاوضات تتعين أن تأتى قبل الاعتراف الرمزى بسلطة فلسطينية، وبحسب «تايمز أوف إسرائيل»، انتقدت إسرائيل بيانا سابقا صدر عن مكتب المستشار الألمانى أولاف شولتس، قال فيه إن برلين ستعتقل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إذا أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه، وعندما سُئل عما إذا كانت برلين ستنفذ أمر اعتقال محتمل من المحكمة الجنائية الدولية، أجاب المتحدث الألمانى شتيفن هيبستريت: «بالطبع، نعم، نحن نلتزم بالقانون».
طبعا أثار التصريح غضبا إسرائيليا كما هى العادة، خاصة تجاه ألمانيا، حبت شجب سفير إسرائيل لدى ألمانيا، رون بروسور البيان فى منشور على موقع «إكس» قائلا: «هذا أمر شائن»، فيما قال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية آفى هايمان لشبكة «فوكس نيوز»: «يحتاج الكثيرون فى العالم إلى التحقق من بوصلتهم الأخلاقية وأن يكونوا على الجانب الصحيح من التاريخ».
لكن بدا حديث متحدث حكومة إسرائيل عن « الأخلاق» مضحكا، لكونه يصدر من حكومة وكيان متهمَيْن بالقتل العمد والتجويع والإبادة والعنصرية والتصفية العرقية.
الشاهد أن إسرائيل ربما تكون بحاجة الى معاداة العالم كله، أو أغلب دوله، فى حال اتسعت دوائر الدول التى تعترف بالدولة الفلسطينية، أو تدعم دعاوى اتهامات إسرائيل بالإبادة والقتل العمد أمام العدل الدولية والجنائية.