حازم حسين

حتى لا يُلدَغ السلام من جُحر نتنياهو ألف مرة.. محددات التفاوض مع إسرائيل كدولة مارقة

الثلاثاء، 28 مايو 2024 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تجرَّعت إسرائيلُ كأسَ اليمين المُتطرِّف بكاملها؛ حتى لم يعُد فى جوفها فراغٌ لهواء آخر. والنزاعات التى كانت تُدار على أجنداتٍ سياسية مُتمايزة فى قليلٍ أو كثير؛ صارت صراعًا شخصيًّا على أجندة واحدة. إنه طَيفٌ واحدٌ يُهيمن على تل أبيب، لا فارقَ فيه بين توراتية بن جفير وسموتريتش، أو قوميّة نتنياهو المُتصلِّبة، ولا الوسط الذى يتزعّمه جانتس وآيزنكوت، ويُراد له أن يكون البديلَ المرحلىَّ للخروج من الأُفق المسدود. كأنها جُملةٌ واحدةٌ بنبرات أداءٍ مُتعدِّدة، يُغلِظُ بعضُهم فى النطق بمُفردة الحرب، ويقولُها آخرون بهدوءٍ مشفوع بابتسامةٍ مُخادعة. والحال أنَّ كلَّ ما يتفرَّع على تلك الرؤية لا يصبُّ إلَّا فى جهة استبقاء الأزمة وتجذيرها، والسعى لمُقايضة القتل المُعجَّل بأحكامٍ مُرجَأة النفاذ فى أحسن الظروف، وتثبيت قواعد اللعبة بينما تتغيَّر معالمُ الملعب وقوائمُ اللاعبين. وما يُشجِّع على استمراء المُراوغة أنهم جرَّبوها سَلفًا وأثبتت نجاعتها، وما يُعطِّل كَسر الدائرة المُسيَّجة بالنار أنَّ كُلفة البقاء فيها ما تزال أخفَّ وطأةً على الصهاينة من تكاليف الخروج.


تلقَّت الحكومةُ قرارَ محكمة العدل الدولية قبل أيام بين إقدامٍ وإحجام؛ فلوَّح المُتطرِّفون باستكمال المُغامرة المجنونة فى رفح، وأبرق مكتبُ رئيسها بإشاراتٍ هامسةٍ عن الارتداع بالقانون والتزام خُطوطِه الحُمر. والظاهرُ ليس أنهم لا يعرفون ما يسعون إليه أو يتوجَّب عليهم فعلُه؛ بل يُوزِّعون الأدوار على الطريقة القديمة نفسها، بما يُحقِّق غايتى إذكاء النار وامتصاص دُخان العالم وغضبته الصاعدة. هكذا فُتِحَ بابُ البحث عن التهدئة مُجدَّدًا؛ وإن على استحياء، وسُحِبَ لواءان من شرقىِّ رفح مع الإيحاء بتخفيف وتيرة العمليات، وبالتزامن قُصِفَت خيامُ النازحين فى مُستقرَّاتهم التى يُفتَرض أنها آمنةٌ شمال غربىِّ المدينة.
وما بين التصعيد والتبريد، ثمَّ تسخين الأجواء ثانيةً، تبدو الرغبةُ محصورةً فى استثمار أدوات السياسة والدبلوماسية لشراء فسحةٍ جديدة من الوقت، من دون التوقُّف عن الأعمال العدوانية التى تُنجزُ هدفَ التفاوض تحت النار، على أن يتحصَّن كلٌّ منهما بالآخر: الاشتباكُ العنيف يُغطِّى التلاعبَ بأوراق الهُدنة، والحوار الطويل يُمرِّر تفاصيل الخطَّة العسكرية تحت ستار الأمل فى إقرار الاتفاق. وإذا كانت الظروفُ المُلتبِسة قد سمحت بتكرار اللعبة نفسِها مرَّتين أو أكثر فى الشهور الماضية؛ فإنَّ للجولة الجديدة طابعًا مُغايرًا من عدَّة زوايا، أوضحها انقلاب الرأى العام العالمى مع مواكبته بإجراءاتٍ قانونيّة صاخبة، وأعلاها صوتًا وأثرًا تلك الخشونةُ الدبلوماسية من ناحية القاهرة، وتصاعُد التوتُّرات لدرجةٍ تُهدِّد بنفاد صبر المصريين، ثمَّ انحلال كلِّ الأفكار البديلة عن «حماس» فى مستقبل غزة؛ لا سيما وقد تكشَّفت للجميع نوايا الاحتلال فى البقاء الدائم، أو البحث عن شُرطةٍ دولية تنوب عنه فى خَنق القطاع، وتجميد الجبهة على حساب المطالب الفلسطينية المشروعة.


منذ صكَّت إدارة كلينتون مُصطلحَ الدولة المارقة خلال حقبة التسعينيّات، حصرته الإداراتُ المُتلاحقة فى سوريا وإيران وكوريا الشمالية. وإن رُوعِىَ فيه الجانبُ القِيَمى لا السياسى؛ فإنه يُعبِّر عن حزمةٍ من الأفكار والمُمارسات غير المُستجيبة للقيود القانونية، أو المُخترقة لأُطر النظام الدولى مُتعدِّد الأطراف وقواعده الحاكمة. والحال أنَّ إسرائيل تتحقَّقُ فيها صِفةُ المُروق بتمامها؛ إذ تعيشُ منذ تأسيسها بنصف شرعيّةٍ، لأنها انْتَقت من قرار التقسيم ما يُكرِّس وُجودَها، وأغفلت ما يُتمِّم إنفاذ الإرادة الدولية بشأن فلسطين ولاجئيها، وما اتُّفِق عليه بعدها فى اتفاقيّة لوزان، أو التزمت به لأجل تفعيل عضويَّتها الأُمَميّة. كما أنها لا تستجيبُ لقرارات الجمعيّة العامة ومرافقها، وتتحدَّى أنظمةَ تقاضيها لدى أرفع المحاكم فى لاهاى، وتُلاحقها اليوم اتهاماتٌ موصوفة بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب، وأبرزُ قادتها يقفون على حرفٍ من التوقيف الجنائى. وإذا كانت كلُّ هذه السلوكيات قد استجلبت الحصارَ والعقوبات للمارقين بالتعريف الأمريكى؛ فلم يعُد محلَّ خلافٍ أن عدم إضافة تل أبيب للائحة إنما تُغطِّيه شبكةُ الأمان المُقدَّمة من واشنطن. لكن على الأرجح يقتربُ العالم من التعامل معها بالصفة الحقيقية؛ وإن من غير تصريحٍ، وبمَعزل من التكييف القانونى والإجرائى. وعليه؛ فالواجب أن تُدَار العلاقةُ معها، حوارًا وشِجارًا، بمعطيات المُروق المُتجذِّرة فى تكوينها بالخطاب والمُمارسة، وبما يُقيِّم أداءها ويتعاطى معه تحت عنوان الأهليّة المنقوصة، وانعدام الجدارة والثقة، وإعلاء التشكيك والتوجُّس فوق أعراف التصديق وإحسان الظنّ.


لم يكُن إعلان نتنياهو، مساء الجمعة، عن قَبوله لعودة المُفاوضات بشأن التهدئة وصفقة تبادُل الأسرى؛ إلَّا مناورة جديدة تُضاف لسلسلة مناوراته القديمة. تبدو المسألةُ خلافيّةً فى أروقة الحكومة، وبين أطراف مجلس الحرب. والآلية المُعتمَدة من زعيم الليكود أنه يبيعُ لحُلفائه وخصومه بالقطعة؛ فيسترضى التوراتيِّين بإفشال الصفقة والإيغال فى الحرب، ويُبرِّد جبهتَه مع الجنرالات وتيَّار الوسط والشارع بمُغازلة طاولة التفاوض بين وقتٍ وآخر. والمُؤكَّد أنه غير مَعنىٍّ بإشباع الطرفين؛ بقدر ما يستنزفُ طاقتهما فى مُناوشاتٍ تضمن له اتّزان الحبل؛ ليبقى قادرًا على القفز بينهما ممارسًا ألعابه البهلوانية.


وإزاء تلك السلوكيات؛ يتعيّن أن ينخرطَ العالمُ فى النزاع وفق ما درجت أعراف التعامل مع الدول المارقة، وأن تُنشِّط المرافق الأُمَميّة حركتها لكَبح الجنون الصهيونى، وتُسرِّع المحاكمُ نظرَها للملفّات المعروضة عليها؛ لأنها الوسيلةُ الوحيدة تقريبًا لإفشال المواءمات وتعرية تناقضات البيئة العِبريّة، ووَضع رئيس حكومتها أمام استحقاقاتٍ إلزامية واضحة؛ إمَّا بالرضوخ لمُقتضيات التسوية بحقِّها، أو التصريح بخياراته الصِفريّة الحارقة، وفى الحالتين سيصطدمُ بأحد جناحى الائتلاف بالتركيبة الحالية، وسيأكلُه الجمهور فى أقرب فرصةٍ للمُساءلة أمام القانون أو صناديق الاقتراع.


على فداحةِ ما أنتجته حربُ غزّة الأخيرةُ؛ فإنها حصيلةُ المواجهات السابقة كلِّها. لقد أُطلِقَت يدُ الاحتلال ضد الفلسطينيين لثمانية عقودٍ أو يزيد، ولو رُدِعَت فى أىِّ عدوان سابقٍ ما تجرّأت على ابتكار نُسختها من «التطهير النازى» بالقطاع. ومن هنا يبدو اتهام أمريكا بالشراكة فى الجناية الدائرة أقرب إلى السطحية والتبسيط؛ لأنها تُسأل عن كل السوابق التى أفضت لما يحدثُ الآن. وبالدرجة نفسها يتحمّل نتنياهو مسؤوليةَ المأزق الذى تعيشه إسرائيل، سياسيًّا وعسكريًّا وأخلاقيًّا؛ لأنه تحرّك بمُوجَب التفويض الأنجلوساكسونى القديم؛ مُمتلئًا باعتقاده الراسخ فى غفران الذنب وإبراء الذِمّة الأبديين، بينما تبدَّلت مُفردات المشهد، ولعبت الصورةُ اللحظيّةُ دورًا فى تفكيك السرديّة، وكان إيقاع المُعايشة أسرعَ من قدرة العالم على صَرف النظر والتعايش مع المأساة. هكذا أُبرِمَت هُدنةُ نوفمبر بإرغامٍ أكبر من جنون الآلة الصهيونية، ويعودون اليومَ للطاولة التى غادروها مُرغَمين أيضًا. مع جَسِّ النبض كما جرت عادتهم الأثيرة؛ لاستكشاف الثغرات الكفيلة بإفشال الخطوة والعودة المُتجدِّدة إلى نقطة الصفر.


مع التسليم بمركزية التحايل والاحتيال وتسلُّطهما على ذهنية الصهاينة؛ فإنهم ربما كانوا يُفضِّلون الانخراط فى الحرب بمعزلٍ عن مُناوشات السياسة. وما رضخوا إلَّا بأثر الضغوط الصاعدة فى الإقليم والعالم، وإذا كانت قبضةُ القانون فى محكمتى لاهاى أكثر رخاوةً من إيلام ضبع الليكود، وبإمكانه الإفلات منهما بمعاونةٍ أمريكية أو من دونها؛ فالتغيُّر الذى أربك حساباته كان محمولاً على الرياح الوافدة من جهة مصر.. لقد تعاطى الوسطاء المصريّون مع المسألة باهتمامٍ بالغ، وعلى صِفة الشريك لا المُيسِّر فحسب، وعندما أُفشِلَت الصفقةُ بعدما قبلتها حماس، ثمّ تلا ذلك إطلاقُ عملية اجتياح جنوبى القطاع من شطره الشرقى؛ صعَّدت القاهرة درجاتٍ على سُلّم دبلوماسيّتها الخَشنة، وضغطت علنًا وفى الكواليس، ولوَّحت بكل الخيارات الهادئة والساخنة. وإلى ذلك؛ فقد رفضت التنسيقَ مع الاحتلال فى معبر رفح، وحمّلته المسؤولية الإنسانية بكاملها؛ فاضطُرّ بعدما اشتدَّ الخناق عليه أن يُوسِّط الأمريكيين. اتّصل بايدن بالرئيس السيسى، واتّفقا على تمرير المساعدات من «كرم أبو سالم» عبر الأُمَم المتحدة، وليس بتنسيقٍ مُباشر بين مصر وإسرائيل، على أن تُطرَح مسألةُ تشغيل «رفح» بالتفاهم مع السلطة الفلسطينية. وإزاء تلك الصلابة صارت العودة لطاولة المفاوضات احتياجًا إسرائيليًّا عاجلاً؛ على الأقل لتهدئة الغضب المصرىِّ ومُحاولة تصفية المياه التى عكَّرها انفلات نتنياهو وعصابته.


يلعبُ رئيسُ الحكومة كلَّ الأوراق باعتبارٍ واحد؛ أن يخرُجَ رابحًا ولو خسر الجميع، وأوّلهم إسرائيل. لم يستنكفْ أن يُضحِّى بالرهائن منذ البداية، ولا أن يتّهم قادته العسكريين بالإخفاق والتقصير غير عابئ بالإجماع وأولويات الحرب، ويُوظّف التوراتيِّين لابتزاز وزراء الكابينت وإهانة الجنرالات على غير عادة الدولة وتراثها. وأخيرًا يبدو أنه يستثمرُ فى شَقّ صفوف الجيش؛ لقد أعاد ابنه «يائير» نشرَ فيديو لجندىٍّ مُلثّم يدعو للتمرُّد على القادة، خاصّةً الوزير جالانت ورئيس الأركان هرتسى هاليفى، ويتّهمهما والآخرين بالخيانة. تبيّن لاحقًا أن له سوابقَ فى دعم خطَّة الإصلاح القضائى اليمينية المُنحرفة، وتخوين الضبّاط المُعترضين عليها والدعوة لقَمعهم، وعلى الأرجح فإنّه أحدُ المُوالين لجناح الحكومة التوراتىِّ، أو ذراعٌ ليكوديّة فى أروقة المُؤسَّسة، وقد عُرِفَ عن «بيبى» التلطّى وراء عناوين وأسماء عدّة، حتى أن مكتبَه فى الشهور الأخيرة كان يُصدِر بياناتٍ منسوبةً لدبلوماسيِّين وحربيِّين سابقين، يدعمُ فيها مواقفَه ويُعرِّض بخصومه، ويُوجّه رسائلَه التى يَجبُن عن الخروج بها على الناس.


لا ينشغلُ المُتطرِّفون الصهاينةُ بشىءٍ من المواقف الدولية، قدرَ ما يشغلُهم سلوكُ البيت الأبيض؛ لا سيما فى زمن الانتخابات المُحتدم. ويُراهِن نتنياهو على صهيونيّة بايدن المُخلصة، وعلى أنه يُجيد مُلاعبةَ الأمريكيين وابتزازهم؛ ولعلَّه يطمئنُّ لخُفوت صوت الاحتجاجات الطُلّابية بنهاية الفصل الدراسى، وبأن يُوفِّر له غطاءُ «العودة للمفاوضات» فرصةً لامتصاص اعتراضات جانتس، وإلغاء مُهلتِه الموقوتة بالثامن من يونيو، أو إبعادها قليلاً، وعلى الأقل تعديل شُروطِها بالحذف والإضافة. كما قد يتصوّر من إشارات إبرام الصفقة السعودية الأمريكية، أنَّ الرياض خفّفت شروطَها للتطبيع، وأنّ بإمكانه اقتناصُ منفعته بمجرّد التلويح بالضوء الأخضر، ولو لم يبدأ مسار الدولتين بجدية، أو كان يُضمر تعطيلَه فى المدى القريب.. وثمّة اتّفاقٌ بين الجميع على أنَّ الصفقة لن تمنع الحربَ؛ ولو جرى النص على الوقف الدائم لإطلاق النار؛ إذ بمقدورِهم تجديد الأعمال العسكرية «عند الضرورة»، حسبما قال بعضُ المحسوبين على الاعتدال من الكابينت، ومن دون توصيفٍ دقيق للوضع الراهن، وتحديد صارمٍ لمفاتيح اليوم التالى ومساراته، فإنَّ مسألة الضرورات التى تُبيح المحظورات ستظلُّ رهنَ الإدارة الصهيونية، وجناحها الراديكالى تحديدًا، أو بالأحرى ستكون مخرجًا جانبيًّا للائتلاف الحاكم من أزماته، بحيث يُبادر لإشعال النار حال استشعر أنَّ سُلطتَه تتآكلُ، أو أنَّ وضعه السياسى محلّ خطرٍ وتهديد.


أُرسِلَ ديفيد بارنياع إلى باريس للقاء ويليام بيرنز ووزير خارجية قطر، وقبلها أَعدّ الموساد مُقترحًا لصفقة التبادُل يتضمَّن أمورًا يُمكنُ الاتّفاق عليها والسير بها نحو التطبيق. قِيلَ إنَّ وفدَ التفاوُض الإسرائيلى ستزدادُ صلاحياتُه؛ لكنّ الغالب أن يحتفظَ نتنياهو بحقِّ الفيتو على بعض التفاصيل، وبالتوقيع النافذ على العملية.

يُذكِّر ذلك بأنَّ الخلاف فى الجولة الماضية لم يكُن على مسائل مركزية؛ بل على صياغاتٍ لُغويّة بالدرجة الأُولى، واختلاف فى الأعداد وتوزيعها على الأيام. والمعنى أنّ الإرادة الفردية التى أحبطت الورقةَ السابقة، لا ضمانةَ من إحباطها لأيّة أوراقٍ بديلة، سواء أعدَّها الوسطاء، أو صاغها الإسرائيليون أنفسهم. لا سيّما والإشاراتُ الإيجابيّةُ تُعانقها سلبيّاتٌ لا يُمكن التعامى عنها، كأن يقتحم «بن غفير»، أقرب حلفاء نتنياهو لقلبه وعقيدته الحارقة، ساحةَ الأقصى بالأسبوع الماضى، ثمَّ حىَّ الشيخ جرّاح قبل يومين، أو يُقرّ الكنيست إلغاء قانون فك الارتباط وضم أراضٍ من الضفة لإسرائيل، ويُصوّت بالقراءة التمهيدية على قطع العلاقات مع أونروا وتصنيفها «مُنظّمة إرهابية»، ضمن رؤيةٍ لتحييد الوكالة باعتبارها الضامنَ الثابت لصِفة اللجوء وحقّ العودة.


تعود المفاوضات بباقة من الخناجر فى صدر الاحتلال؛ أوّلها أنه ينزل عن أكاذيبه ضد الوسيطين المصرى والقطرى؛ مستعينًا بأوراقهما وقنوات اتصالهما، ليردّ على نفسه فيما ادّعاه ضد البلدين، والثانى أنه يرضخ بعدما استأسد على طاولة الحوار، وقد تلقّى الرسالة المصرية على وجهها السليم، عندما لوّح رئيس هيئة الاستعلامات باحتمال الانسحاب من الوساطة حال استمرار المزاعم المُخلَّقة. والثالث أن الرجوع بات يعتمد على موقف حماس لا كابينت الحرب، وقد قالت إنها لم تتلقّ أية اقتراحات أو تحسم موقفها، وتستشعر عدم جدية الإسرائيليين.


والواقع أن مسألة الجدية مطعون فيها بالسوابق، وبالقصف الغاشم لمنطقة تل السلطان قبل أيام من الموعد المحدد لعودة الحوار؛ كأنه إصرار على استخلاص الاتفاق بالحديد والنار، والنظر إليه باعتباره مُقايضة على الدم وليس مبادلة للأسرى وتمهيدًا لمسارٍ سياسى قابل للإنفاذ. والخلاصة أن إسرائيل لم تفقد صورة الردع فقط طوال شهور الحرب؛ بل نزفت أخلاقيا وسياسيا، وتآكل إجماعها الداخلى، وتبدّت تناقضاتها مع العالم والحلفاء على أوضح صورها، وصار اسمها اليوم مرادفًا لفكرة المروق والتوحش.. والمفاوضات ستكون ساخنة تلك المرة؛ لأنها تأتى بعد انكشاف مخزون الألاعيب كاملا، ووصول التوتر مع القاهرة للذروة، وانحلال أثر الدعايات وسياسات الوصم والابتزاز.. باختصار؛ يعود الغول إلى الحظيرة راضخًا؛ لكنه لم يُفارق غريزته فى النهش والافتراس، والواجب ألا يُلدَغ المُسالمون من جُحر الصهاينة مرَّةً بعد أخرى، وألَّا يشتروا رخيصَ نتنياهو بأغلى من قيمته الفعلية.. نحاور العدوَّ على نِيّة الجدّية ومساعى التهدئة، وعلى شرط إنزاله عن شجرة الجنون والحصانة الأبدية، ونُجرِّب كلَّ المسارات المُمكنة لعصمة الدم وإطفاء الأرض اللاهبة؛ إنما نقول له دائمًا وفى كلِّ وقت، إنه قاتل مُنحطّ فى دولةٍ مارقة، ومُغادرة الميدان لن تُغلق دفاتر المُساءلة والحساب.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة