أى مراقب لسلوك الاحتلال الإسرائيلى الحالى، يمكنه أن يرى بسهولة كيف أصيب الاحتلال بعصبية تدفعه للمزيد من التورط فى جرائم متنوعة تضاعف من حجم المأزق الإنسانى الذى تواجهه إسرائيل على مدى الشهور السبعة الماضية، وبلغ حجم الدمار والقتل ضد المدنيين فى غزة مستويات غير مسبوقة فى سجلات جرائم الحرب، فقد قصف المدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف، ومطاردة الجرحى، والجنازات ومنع المساعدات، وفرض حصار على غزة من كل الجهات، ووصل الأمر إلى سرقة الطعام واستمرار عملية تجويع وحصار تتجاوز كل القواعد.
ورغم حجم وشكل هذا العنف فقد عجز رئيس الوزراء المتطرف بنيامين نتنياهو عن تحقيق أى أهداف غير قتل المدنيين، الأطفال والنساء والشيوخ، بينما فشل فى تحقيق أى من وعوده أو أهدافه باستعادة المحتجزين بالحرب، أو القضاء على حماس والمقاومة، وبالتالى فقد طالت الحرب بشكل غير مسبوق، وبعد تضييع فرصة الهدنة بعد مساع قدمتها مصر، يسعى بنيامين نتنياهو لعدم تحمل نتيجة إفشال الهدنة التى كادت تنجح، بسبب أطماعه وانتهازيته التى ثبت خطؤها، وكانت الهدنة الوحيدة التى نجحت بتدخل وصياغات مصرية، لكن أضاعها نتنياهو ووزراؤه المتطرفون، والذين أصروا على تنفيذ عمليات عسكرية فى رفح، بالرغم من التحذيرات التى أطلقتها دول العالم بأشكال مختلفة.
وقد ردت مصر برفض التعامل مع قوة الاحتلال فى معبر رفح، واختارت أن تدخل المساعدات بوجود أطراف دولية من معبر كرم أبو سالم، وكان هذا لأسباب إنسانية، وبعد تدخلات أمريكية، سعى فيها الرئيس جو بايدن إلى استمرار دخول المساعدات مع احتفاظ مصر بتنفيذ قرار عدم التعامل مع قوة احتلال تتجاوز الأعراف والقوانين، فقد تمسكت مصر بعدم التعامل من خلال معبر رفح الذى أغلقته إسرائيل من الجانب الفلسطينى، واحتلته، وهو ما دفع مصر لإعلان رفض التنسيق مع الاحتلال، وحسب ما أعلنه ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، فقد حملت الدولة المصرية الاحتلال مسؤولية الحصار والتجويع والقتل المتعمد بالجوع ومنع الغذاء والدواء عن أهالى غزة، بل وتمسكت بذلك أمام محكمة العدل الدولية بعد قرارها بالانضمام إلى جنوب أفريقيا فى دعواها التى تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية وتصفية عرقية ضد سكان غزة.
وحرصت مصر على مضاعفة أعداد الشاحنات، وقررت من منظور إنسانى على اعتبار أن الهدف فى النهاية الفلسطينيين، خاصة أن الرئيس الأمريكى جو بايدن أعلن الاتفاق مع شروط مصر بأن تكون هناك أطراف دولية وفلسطينية، فى تسليم المساعدات بكرم أبو سالم.
والواقع أن مصر تواصل دورها على كل الأصعدة السياسية والدبلوماسية من دون أن تنسى الدور الإنسانى الذى يضمن تدفق الغذاء والدواء، ومواجهة كل محاولات حكومة نتنياهو لمنع الطعام وتجويع سكان غزة، وبالرغم من انحياز مصر لغزة وللفلسطينيين فهى تحرص على استمرار دور وسيط نزيه، وهى التى قدمت كل المبادرات السابقة لوقف الحرب على مدى السنوات الماضية وتتعامل بحسم وخطوط حمراء ضد التهجير وضد تصفية القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذى يثير هستيريا الحكومة الإسرائيلية، التى يرفض فكرة الدولة الفسطينية ويعلنون رغبتهم فى القتل والإبادة، وهو أمر يضاعف من فضائح الاحتلال ومن الغضب العالمى، تجاه السلوك العنصرى للاحتلال، والذى وصل بجرائمه إلى حد قصف مخيمات النازحين فى رفح فى واحدة ضمن مذابح سوف تبقى بقعا سوداء تلطخ جسد الدولة العبرية، التى أصبحت عالقة فى حرب بلا أفق، وتعجز عن تسويق هذه الحرب أو الدفاع عنها وتلجأ للأكاذيب والادعاءات بلا طائل.
كل هذا يشير إلى صحة التقارير والتسريبات عن انشقاقات داخل حكومة نتنياهو، بسبب غياب الأفق، بجانب اقتراب نهاية هذه الحرب، التى سوف تظل تطارد إسرائيل وتضاعف من عزلتها، خاصة مع تزايد الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية من أوروبا بالذات، وتحاول حكومة المتطرفين منعها من دون فائدة، وهى مكاسب تستدعى وحدة فلسطينية تضاعف من طرح القضية فى كل محافل العالم، بالرغم من نظام عالمى مختل.