يمكن النظر إلى اللعب بوصفه ثقافة، بل بوصفه الجزء الدال على تكوين الثقافة وتوجهها، وهو الأمر الذي يصدق على كل المجتمعات، فاللعب وسيلة تربوية، ووسيلة ترفيه، ووسيلة للتعبير عن شكل الثقافة ومكوناتها الأصلية، بل إنه يظهر المكون النفسي الأهم للنفس البشرية، ألا وهو فكرة الفوز في حد ذاتها بوصفها تعبيرا عن الرغبة في التميز وإعلاء الذات، لكن بكيفية تختلف من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى غيره.
لذلك فإن النظر إلى الألعاب يمكنه أن يمنحنا رؤية واضحة عن من يلعب، وهو الأمر الذي يقود إلى النظر إلى المكون الأصلي للحضارة التي تنبع منها الألعاب، وبالعودة إلى التاريخ البعيد سنجد أن ألعاب الغرب تقوم في الأساس على فكرة التنافس، وهو شيء حميد إلى حد بعيد، غير أن هذا التنافس في سبيل الحاجة إلى الإثارة قد تحولت جائزته إلى كونها الحياة ذاتها والعقاب بالتالي يكون الموت.
بالعودة إلى مصارعي الكوليسيوم سنجد أن ألعاب الغرب قد احتوت على بذور عنف لم يستطع العقل الغربي تجنبه على مدار القرون، بل إن القصص التي تساق عن أصول كرة القدم، وهي اللعبة الأكثر شعبية في العالم وذات النشأة الغربية على أكثر الحكايات، قد بدأت باحتفال المنتصرين في الحروب باللعب بجماجم الجنود المهزومين.
وهو الأمر الذي يمكن مده على استقامته لنلاحظ العنف الشديد شبه المقنن المصاحب للعبة كرة القدم الأمريكية، تلك اللعبة التي حققت مستويات قياسية في عدد وفيات لاعبيها بسبب عنفها الزائد، حيث يصل العدد إلى العشرات سنويا، وحيث فشلت كل المحاولات القانونية في الحد من آثار هذا العنف، مع كونها اللعبة الأكثر شعبية في الولايات المتحدة، والتي يصل الشغف بها على حد كونها لعبة أسرية، يتابعها كل أفراد الأسرة ويحظر على النساء ممارستها.
وفي حين تبدو الألعاب القتالية الغربية تتوجه إلى إلحاق الأذى المباشر بالخصم، مثل رياضات الملاكمة والكيك بوكسينج، ومصارعات المحترفين وغيرها، فإن الألعاب المثيلة في الشرق تسمى أولا ألعاب الدفاع عن النفس – وليست قتالية – كما أنها تنطوي على تنافس يحاول الابتعاد عن الأذى المباشر، مثل الكاراتيه والكونج فو والجودو، تلك التي تنحو في الغالب إلى فكرة الاستعراض، الذي يدعمه ألعاب مخلوقة أصلا للاستعراض مثل الجمباز مثلا.
ربما ترتبط هذه الفرضية، التي يمكن الدعوة إلى طرح مناقشتها أمام باحثي الحضارات وعلم الاجتماع والنفس وغيرها، بآلية التسامي النفسية التي تحاول أن تلبس الرغبات المرفوضة في صورة ممارسة مقبولة اجتماعيا، وهي بالطبع فرضية يمكن الخروج عليها بألعاب نشأت في ظل شكل مختلف من أشكال الحضارات مثل ألعاب القوى كالجري والوثب والقفز وغيرها، لكنها في الوقت نفسه تضعنا أمام ضرورة المقارنة بين الحضارات الغربية عموما والشرقية في مقابلها وكيف أن الغربية منها تقوم على التنافس والتناحر والإيذاء أحيانا، في حين أن الشرقية تعتمد على التكافل والتعاون والتراحم، وهو ذاته الفرق بين الأساس الفردي التي قامت عليه الحضارات الغربية، في مقابل فكرة التجمع الشرقية.
ربما تبدو الفكرة متطرفة بعض الشيء لكنها في ظني صالحة لأن تبدأ بها مناقشة الفرق بيننا وبينهم.