دندراوى الهوارى

أول ديانة مكتوبة فى العالم على جدران هرم «ونيس».. تحكى صعود الروح ويوم القيامة «2»

الإثنين، 06 مايو 2024 11:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ختمنا مقالنا أمس، بالسؤال المهم والذى كان مثار اهتمام الجميع عقب طرح الدكتور زاهى حواس عن أن الآثار لم تسجل أى شىء عن الأديان السماوية، ولا الأنبياء والرسل، والذين وصل عددهم الوارد فى أحد الأحاديث النبوية إلى 124 ألف نبى، منهم 313 رسولا مختارا من الأنبياء، وهو الحديث المعتمد من جمهور العلماء، باعتبار أن الملوك المصريين «الفراعنة» نصبوا أنفسهم آلهة، لذلك صار الرسل والأنبياء، معارضين، ومن ثم كان الرفض أن يذكروا على جدران المعابد والمقابر والوثائق، وكل الشواهد الأثرية باعتبار أن الفرعون متجبر، وأن سلطة الكهنة لا يضاهيها سلطة، فماذا عن الحضارة البابلية، التى لم تسجل شيئا عن أبو الأنبياء إبراهيم، بجانب عدم وجود أى أثر عن مملكة داود وسيدنا سليمان فى كل الأراضى العربية المحتلة، رغم الجهود المضنية التى يبذلها علماء اليهود فى الأراضى المحتلة تنقيبا وبحثا للعثور على أى أثر يثبت أحقيتهم التاريخية فى الأرض، ولم يعثروا على أى شىء حتى الآن.

وأوضحنا خطورة إقحام الأديان فى التاريخ وما تسجله الآثار، والعكس صحيح، ويتبقى أن التاريخ منتج بشرى، صار علما، لا نقرأه لتتعلم سرد القصص، بل نقرأه لتتعلم منه فنون السياسة والحرب والأخلاق.

والتاريخ المدعوم بالوثائق والشواهد الأثرية، يذكر أن المصريين اختمرت لديهم فكرة الدين، وترسخ فى قلوبهم إيمانا بأن هناك عالما آخر، وحسابا وعقابا، على ما اقترفوه فى الدنيا، وتأثير الدين الواضح على حياة المصريين أن كل ما خلفوه من آثار، جميعها تتعلق بالأديان والعالم الآخر، معابد ومقابر وأثاث جنائزى، لدرجة أن هناك اتهاما من بعض الكارهين للحضارة المصرية القديمة، بأنها اهتمت بالعبادة، وقدست الموت، وتناست الحياة، فلم يُعثر لهم على أى قصور أو بيوت يعيشون فيها.

الدين فى حياة المصريين القدماء تبلور بشكله المتكامل، وبدأ تدوينه فيما يعرف متون الأهرامات أو نصوص الأهرامات، وسجل هرم الملك أوناس «ونيس»، آخر ملوك الأسرة الفرعونية الخامسة، أول هذه النصوص، والتى تعد أول ديانة مكتوبة فى التاريخ والتى يعود تاريخها إلى أكثر من 4500 سنة، وتحديدا فى الفترة ما بين 2560 - 2420 قبل الميلاد، أى قبل هبوط أول ديانة سماوية «التوراة» بـ 2500 سنة كاملة.

يصنف علماء المصريات والباحثين من أصحاب القيمة والقامة العلمية فى التاريخ، نصوص الأهرامات المسجلة فى هرم الملك ونيس «أوناس» بأنه أول ديانة مكتوبة فى التاريخ، بإجمالى 283 تعويذة دينية، وأفضلها حفظا، وتبرز مدى توصل المصرى القديم إلى أن الإنسان يتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية وهى الجسد والروح والاسم، وأن الروح تصعد إلى العالم الآخر «السماء» وأطلق عليها الـ«با»، بينما يمكث الجسد فى المقبرة فى حراسة الـ«كا» وهى «القرين»، ولذلك جاءت فكرة أن المصريين يوزعون «الرحمة» بعد أربعين يوما من الوفاة، بهدف إطعام الـ«كا» الحارسة للجسد فى المقبرة. 

قدرة المصرى القديم على التوصل إلى أن هناك جسدا يمكث فى الأرض، وروحا تصعد إلى الأفق، يُعد جوهر الدين، وإنجازا عظيما من المعرفة، وقدرة على رؤية متبصرة فى عالم الماورائيات ودراستها دراسة تفصيلية، فقد رأوا أن الإنسان كائن مركب شديد التعقيد يجمع بين الروح والمادة والظل والخلود.

عالم الروح، كان جوهر الدين عند المصريين القدماء الذين آمنوا بفكرة الخلود والحياة الباقية وفرقوا بينها وبين الحياة الدنيا الزائلة، وهو ما انعكس فى العمارة والبناء والتشييد، حيث كانت المنشآت الجنائزية وعلى رأسها المقابر تنحت وتبنى من الحجارة الأكثر تحملا لتقلبات الزمن، على عكس البيوت التى كانوا يعيشون فيها والتى كانت فى مجملها من الطوب اللبن، وهو الرأى السائد عند معظم الباحثين فى علم المصريات، والرد القوى على اتهام كارهى الحضارة المصرية الذين يلصقون بها اتهاما بأنها حضارة جنائزية كارهة للحياة.

لم تكن الروح فقط التى حظيت باهتمام كبير عند المصرى القديم وسجلها فيما يعرف بنصوص الأهرامات، ولكن هناك نصوص على الجملون الغربى فى غرفة دفن الملك أوناس، عبارة عن تعاويذ تحمى التابوت الحجرى والمومياء بداخله، بينما الجدران الشمالية والجنوبية للغرفة، خُصصت لنصوص تقديم القربان، والقيامة، ويحتوى الجدار الشرقى على نصوص تؤكد سيطرة الملك على قوته فى شكل استجابة لطقوس القرابين، تستمر نصوص طقوس القرابين على الجدران الشمالية والجنوبية للممر وصولا إلى طقوس القيامة التى تنتهى على الجدار الجنوبى، فى حين تضم الجدران الغربية والشمالية والجنوبية لغرفة الانتظار على نصوص، تسرد رحلة الانتقال من عالم البشر إلى العالم الآخر، ومع صعود الملك إلى السماء.

يُعرّف عالم المصريات البريطانى، توبى ويلكنسون، هذه النصوص بالقدرة الفائقة للإنسان المصرى القديم الذى استطاع أن يصل إلى هذه الحقائق مبكرا وسجلها كنصوص دينية، رصينة.
وللحديث بقية إن شاء الله.. إن كان فى العمر بقية.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة