إن اجتياح أو تنفيذ عملية عسكرية في رفح الفلسطينية يُشكل جريمة متكاملة الأركان في حق المدنيين، ويهدر كافة القيم والمبادئ الإنسانية والعسكرية منها على حد سواء؛ فالعواقب يدركها القاصي والداني؛ إذ يؤدي ذلك إلى إزهاق للأرواح البريئة، ومن ثم تضيع ماهية الأمن والأمان في المنطقة قاطبة؛ فلا اعتبار لمعاهدات ولا مكان لمواثيق، وتصبح المنطقة ساحة للصراعات الممتدة التي لا تنتهي على المدى البعيد.
لقد غادر المدنيون من الشعب الفلسطيني الأعزل معاقل معيشتهم ومدنهم ومنازلهم في شتى قطاع غزة المحاصر بحثًا وأملًا في اللجوء لمكان آمن يحفظون فيه أرواحهم ويصنون إنسانيتهم التي أهدر كرامتها الكيان الصهيوني الغاصب؛ حيث مارس الاحتلال كل صور الإبادة غير المشروعة في القطاع بأكمله، وما تبقى من مكان آمن سوى مدينة رفح الفلسطينية التي احتوت واتسعت للملايين من الشعب الفلسطيني الأعزل المقهور والمغلوب على أمره.
والدولة المصرية ومن خلال قيادتها السياسية الرشيدة حذرت مرارًا وتكرارًا من اتساع منطقة الصراع وامتداد أمده وأثره الحارق وعواقبه الوخيمة التي تنال الجميع وتورث الكراهية المستدامة لجيل عاصر تلو جيل عاني ويعاني القهر والاستبداد ورأى الخراب بأم عينه، كما تم التحذير منذ بدء هذه الحرب غير العادلة من سياسية الكيان الصهيوني في اتباع العقاب الجماعي لسكان قطاع غزة؛ حيث الحصار الممنهج والتجويع والاستهداف عن قصد لقتل المدنيين من نساء وأطفال وشويخ، وتدمير إجرامي للبنية التحتية والفوقية للقطاع، ومن ثم القضاء على المقدرات المادية والبشرية، وهذا ما لا تقره شرائع ولا يقبل به عاقل ولا يتسق مع صحيح الأعراف والقوانين الدولية منها والإنسانية.
والقيادة المصرية ودبلوماسيتها النشطة، لم تترك قوس منزع من أجل العمل على إيقاف رحى الحرب المدمر الذي تتبناه إسرائيل ضد القطاع المكلوم؛ حيث تم التنبيه أن المنطقة ستذهب لمصير مجهول؛ فتصبح رقعة للقتال والاقتتال، ومشروعيتها منفتحة على مصرعيها من كل حدب وصوب، وهذا ما يهدد الأمن والأمان القومي العربي والدولي؛ فالأزمة في تزايد ما دام هناك نية لاستكمال مخطط الاجتياح وقصد التهجير، والسلم والسلام الدوليين صار في مهب الريح، والعواقب غير محسوبة، وإن بدت بوادرها واضحة في عقول من يمتلكون الرشد.
وخطورة ما دعا إليه جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، والذي يؤكد على سكان مناطق في شرق رفح الفلسطينية بأقصى جنوب غزة، إلى "الإخلاء الفوري"، والتوجه نحو وسط القطاع، تمهيدًا لشن هجومها البري على مدينة رفح الفلسطينية، سيؤدي إلى مشكلات يصعب حصرها، يأتي في مقدمتها إراقة المزيد من الدماء لأبرياء بما سينتج عنه تداعيات محلية وإقليمية ودولية وخيمة على الكيان الصهيوني والدول الداعمة له، ناهيك عن تهديد اتفاقيات السلام التي أبرمت مع دول الجوار.
ولا شك أن هدف جيش الاحتلال الإسرائيلي يكمن في محاولات القضاء على المقاومة وتحرير الأسرى، وأن رؤى اجتياح وشن هجوم على رفح الفلسطينية يعد معركة حاسمة بالنسبة له؛ لكن الاحتلال لا يسمع إلا صوته فقط؛ حيث حذر السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي من خطورة الاجتياح الإسرائيلي لمدينة رفح في جنوب قطاع غزة، وأنه لا مناص عن وقف إطلاق النار في غزة وزيادة دخول المساعدات والسماح للنازحين بالعودة إلى شمال القطاع، ومن ثم العمل الجاد لحل الدولتين.
إن مغبة الإقدام على اجتياح مدينة رفح الفلسطينية سيؤدي حتمًا لتداعيات ومخاطر تقع على الإنسانية جمعاء، وسيحكم التاريخ عاجلًا أم آجلًا أن ما ارتأته القيادة المصرية الحكيمة كان عادلًا للجميع ويعد مفتاح لتحقيق الأمن والأمان والتنمية المستدامة للمنطقة بأسرها، وأن العدول عن مسارات التفاوض سيؤدي لمزيد من الدماء والخراب وتسارع وتيرة الإرهاب في كل الاتجاهات والمسارات؛ ولن تحدث تنمية اقتصادية ليس في المنطقة فحسب، بل في العالم الذي اختار طريق الدمار سبيلا.
نأمل أن يعود الرشد والرشاد لعقلاء العالم من حكامه؛ ليتم ردع ورد المعتدي ويصوب الطريق ويمهد للجميع، وأن يستمع الجميع لما حدث به الرئيس عبد الفتاح السيسي زعماء وحكام وملوك دول العالم عبر وسائل الإعلام ومن خلال المؤتمرات والاجتماعات والاتصالات المتوالية التي لم تنقطع على مدار الساعة.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.