مازال سعر برميل النفط يمثل أحد اهم الاليات المؤثرة المباشرة في وتيرة انتعاش الاقتصاد العالمي سواء تلك الاقتصاديات الصناعية المنتجة وأيضا تلك التي اسواقها مستهلكة، ويبدو ان التقارير الأخيرة التي صدرت عن وكالة الطاقة الدولية والتي تبين بوضوح ان هناك استهداف عالمي وطلب علي زيادة انتاج البترول الخام وكذلك شراهة في التعاقدات للغاز الطبيعي المسال وأوضح التقرير ان الطلب خلال عام 2024 سوف يصل الي زيادة 1.5 مليون برميل يومي فوق ما هو ينتج عالميا أي ان الاستهلاك العالمي سيصل الي 106 مليون برميل يوميا ولذا تنصح بتغيير سياسة شركات النفط التي غيرت موازناتها من البحث والتنقيب عن اكتشافات جديدة الي بدائل الطاقة ذات الانبعاثات الكربونية القليلة ان تزيد من الاتفاقيات والاستثمارات في زيادة الإنتاج من البترول , ونصحت الدول المصدرة للنفط بعدم استغلال الفرصة وزيادة سعر البرميل حيث ان الزيادة فوق ال 90 دولارا سيكون بمثابة انكماش للاقتصاد الصناعي وتجمد او معاناة للاقتصاديات المستوردة للنفط .
بينما يوضح التصريح الذي بينه هيثم الغيث امين عام الأوبك في احد المؤتمرات مؤخرا ان الطلب علي النفط سيزيد الي اكثر من 12 مليون فوق ما ينتج عالميا بحسب تقييم وتقديرات الأوبك في العقود المبرمة الحالية وكذلك حجم الموازنات العالمية التي بينت مؤشرات توقعاتها ان الطلب سيزيد خلال الخمس سنوات القادمة بمعدل 2.2 مليون برميل سنويا وهذا يتطلب من شركات النفط ودول الأوبك تجنب الالتزامات باتفاقيات المناخ وحس أيضا الشركات علي زيادة الاستثمار في عمليات الحفر والاستكشاف في الدول والمناطق الجديدة والواعدة في زيادة الإنتاج وتحقيق معدل الزيادة المطلوبة كي تستقر أسعار النفط بين 80 -85 دولارا والا فسوف ترتفع أسعار النفط فوق ال 100 دولار وما يعكس ذلك من تخوفات انكماش الاقتصاد العالمي .
وهنا نسعي الي توضيح ان الاقتصاديات للعشرين الكبرى لها سبل أخري في استقرار اقتصاداتها حتي وان زادت أسعار النفط حيث ان تلك الدول وجهت جزء كبير من استثماراتها الحكومية وأيضا قطاعها الخاص في انشاء الشركات العالمية التي تستثمر في البترول والغاز خارج أراضيها وتستهدف تأمين اقتصادها وجلب الكميات التي تحتاجها دولها وتشمل أمريكا وكند والصين ودول الاتحاد الأوروبي , بينما هناك دول ذات اقتصاديات نفطية وهي دول النفط التي تشكل منظمة الأوبك حيث لديها فائض تبيعه وتتأثر اقتصاداتها بوتيرة سعر برميل النفط حيث ان الزيادة فيه تكون مربحه بينما الخفض يكون تقشف وقلة موارد .
والخيار الثالث للاقتصاديات وهي تلك الدول التي تنتج جزء من النفط والغاز يسد احتياجات اقتصاداتها بينما تذهب الي الاستيراد لسد العجز في المتبقي لديها ولذا فأنها تتأثر بأسعار النفط حيث انه عامل متحكم في انتعاش او انكماش او هبوط تلك الاقتصاديات، وقد لجأت من تلك الدول الي شراء النفط للتخزين وتصنيع الوقود محليا وأيضا التزمت بعقود تحوط تأمنيه ضد ارتفاع اسعار النفط كي تخفف من وطأة التأثير الاقتصادي لها في ارتفاع سعر البرميل.
ويبدو ان الولايات المتحدة تسرع من وتيرة انتاجها من البترول في بداية هذا العام لتنتج 15 مليون برميل يوميا بحيث تستهدف زيادة التخمة من خلال انتاجها ومخزونها الاستراتيجي كي تقلل مكاسب روسيا ودول الأوبك وتظهر قدراتها مرة اخري على التحكم في سعر البرميل كما فعلت في عهد أوباما 2014 حتى 2018 وكسره تحالف الأوبك والاوبك بلس.
ومن هنا نبين ان الدول التي تسعي الي الاستقرار وتامين اقتصاداتها لابد ان يكون لها خمس اليات تخطط لها او تحرص على تطبيقها وهي الاستثمار في النفط والغاز حتى ولو خارج اراضها والسعي الي استيراد ما تحتاجه بعقود طويلة الاجل في أوقات الأسعار المنخفضة ثم زيارة التخزين بما تحتاجه لفترات زمنية تصل الي عدة شهور او سنه كامله والتركيز علي تصنع سلع الوقود كلها محليا والأخيرة عقود التحوط التأمينية ضد أسعار النفط لفترات نصف سنوية وسنوية ....... والي تكملة قادمة.
أستاذ دكتور جمال القليوبي
استاذ هندسة البترول والطاقة
عضو مجلس ادارة جمعية البترول المصرية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة