البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير.. هكذا فعلها رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو بالعملية العسكرية فى رفح ووضع المنطقة والعالم على حافة الهاوية وتعريض حياة مليون ونصف مليون فلسطيني لكارثة إنسانية محققة والهدف معروف. فإما الضغط للحصول على أكبر المكاسب فيفلت من العقاب والمساءلة والمصير السياسي المجهول، أو اشعال الفتيل في برميل البارود الذي يقبع عند أطراف المنطقة فينفجر في الجميع وهو من بينهم.
لا يبتدع نتنياهو سياسة جديدة فقد سار على نفس خطى السياسة الأميركية المعروفة منذ الخمسينات وحتى الآن بدعم لا محدود من الإدارة الأميركية صاحبة الاستراتيجية الشهيرة في السياسة الخارجية والمعروفة بسياسة " حافة الهاوية" والتي اخترعها وتبناها وزير الخارجية الأميركي الشهير جون فوستر دالاس في الفترة من1953 حتى 1959 في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور. كان دالاس شخصية خطيرة في أوائل الحرب الباردة، واتخذ موقفا عدائيا ضد الشيوعية في جميع أنحاء العالم. وتبعه كل وزراء الخارجية في هذه السياسة.
جاء من بعده دين راسك في رئاسة جون كينيدي والتي اندلعت في عهده أزمة الصواريخ الروسية في كوبا في أكتوبر عام 62 وهي الأزمة التي عاش فيها العالم على شفا حرب نووية لمدة 13 يوما في ذلك الشهر.
رئيس الوزراء الإسرائيلي يتمسك بذات السياسة الخطيرة وهي سياسة اللعب بالنار أو سياسة حافة الهاوية عن طريق تصعيد الأزمة ودفعها إلى حافة حرب تشعل المنطقة وينتشر شررها في كل مكان، للضغط على حماس والأطراف العربية للتنازل أو الرضوخ وبالتالي تحقيق الهدف أو الدخول الى مشارف الحافة التي تذهب بالأخضر واليابس.
تنفيذ رئيس الوراء الصهيوني لتهديده بالعملية العسكرية فى رفح واحتلال معبر رفح من الجانب الفلسطيني يعني أن إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمراء بما فيها التماس مع محظورات الأمن القومي المصري والتي حذرت مصر منه بحسم وقوة والتي تبذل كل الجهود الحثيثة والمساعي للتوصل الى هدنة إنسانية مع الأطراف المعنية تؤدي الى وقف الحرب والافراج عن الرهائن والأسرى ووقف المأساة الإنسانية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة و المستمرة منذ 7 شهور بفعل العدوان وحرب الإبادة الإسرائيلية والتي دمرت البنية التحتية للقطاع وجعلت الحياة فيه شبة مستحيلة وتحتاج الى أكثر من 10 سنوات لإعادة اعمارها.
حافة الهاوية لإشعال وتدمير وهدم المعبد على رأسه ورأس المنطقة يسعى اليها رئيس الوزراء الإسرائيلي رغم التحذيرات الدولية ومن المنظمات الأممية، مستندا على الدعم الأميركي الذي يمهد له الطريق بالشارة الخضراء وما حدث بالأمس من الرئيس الأميركي العجوز جو بايدن لم تكن زلة لسان وانما تعبير حقيقي عن الموقف الأميركي من العدوان الإسرائيلي على غزة. بايدن قال "عملياتنا العسكرية" على رفح بدأت يوم أمس.. وحاول أن يتراجع عن زلة اللسان التي كشفت الحقيقة الوحيدة في كل التصريحات السابقة والكاذبة للرئيس الأمريكي وادارته التي تلاعبت بدول العالم ومنظماته الدلية وأثبتت- للأسف - أنه عالم القوة الواحدة والوحيدة ولا فائدة أو تأثير أو نفوذ لباقي المنظمات الأخرى التي لا قيمة لها الا وفقا لما ترغبه وتريده واشنطن وحليفتها والابن المدلل لها إسرائيل حتى لو كان على حساب دماء أكثر من 34 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف جريح.
قد يتحفظ البعض على تلك السياسة ويتساءل "كيف تستطيع الدول إدارة أزماتها المعقدة والتفاوض والتنازل والتلاقي وحتى العداء على حافة هاوية قد تؤدي بكلا الطرفين أو بكل الأطراف إلى حرب طاحنة لا يدرك عواقبها..؟
انها الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية المتبعة منذ الخمسينات.. استراتيجية فن القدرة على الوصول إلى حافة الهاوية دون خسائر كبيرة وتحقيق مكاسب أكبر بتوظيف القوة المجنونة.
الخوف كل الخوف أن تخرج سياسة "حافة الهاوية" عن السيطرة ويندلع لهيبها ليطال المنطقة والعالم في منطقة تمثل أهمية خاصة لدول العالم وبخاصة أوروبا والصين والولايات المتحدة. فما يقوم به نتنياهو ومعه بايدن قد يتسبب في أن تنحدر الأمور إلى ما هو أسوأ، وهنا مكمن الخطورة في اتباع هذه السياسة فالتلويح بالحرب قد لا يكفي لإجبار الطرف الآخر على التنازل، وقد يتعين على أحد الأطراف ولإثبات جديته أن تتصاعد الامور باتجاه الحروب التي قد تتسبب في سقوط آلاف الضحايا من المدنيين.
عدد من دول العالم أعلن منذ الأمس رفضه للعمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح ونددت المنظمات الدولية بعواقب العملية الإسرائيلية وحذرت مصر بلهجة قوية من كارثة العملية العسكرية فى رفح أعلنت أنها تسعى بكل قوة لإنقاذ مفاوضات الهدنة مع الأطراف المعنية بما فيها واشنطن. مصر تعى جيدا نوايا رئيس الوزراء الإسرائيلى وأهدافه من التصعيد والوصول إلى "حافة الهاوية".