حازم حسين

التزام الإدارة وواجب المجال العام.. أسئلة السياسة والتخصص فى الحكومة الجديدة

الإثنين، 10 يونيو 2024 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

انقضى أسبوعٌ بالتمام منذ استقالة الحكومة، أو بالأحرى تكليف مصطفى مدبولى بتشكيل وزارته الثانية بعد ستِّ سنواتٍ من الأُولى. وما بين بُورصة التكهُّنات، وتِرداد بعض التوقُّعات عن الباقين أو الراحلين، ما تزال المُقابلات والمُداولات جاريةً ولم تُفصح عن شىءٍ حتى الآن.. والمقطوع به أننا إزاء مرحلةٍ مُغايرة فى أغلب تفاصيلها؛ ما يستدعى فلسفةً مُتحرِّكةً وأكثر تجدُّدًا وديناميكيّة من كلِّ ما فات، ستكون المعرفةُ الفنيّةُ قاعدةً ركينةً فى تكوينها؛ إنما بالضرورة لن تغيبَ عنها السياسةُ اتّصالاً بالظرف، وطبيعة الأولويات الرئاسية الواردة فى خطاب التكليف، واستكشاف أنماطٍ مُستجدَّة من العوائق والتحدِّيات خلال الفترة الماضية، بحيث لم تعُد الاستجاباتُ القديمةُ صالحةً للاضطلاع بالمهام الواجبة، لا فى الرؤية العامة، ولا فى نوعيّة الكفاءات المطلوبة، وترافُقِها اللازم مع إمكاناتٍ سياسية واتّصالية رفيعة المستوى؛ وعليه فالباقون سيتحدَّد بقاؤهم فى ضوء الاعتبارات المُحدَّثَة، وليس ما أحرزوه سابقًا فحسب، أمَّا الوافدون الجُدد فلن ينحرفَ معيارُ انتقائهم عن باقة اعتبارات: أوَّلُها ترجمةُ إرادة التغيير، ثمّ تجديدُ دماء البيئة التنفيذية، وامتلاكُ الفاعلية والقدرة على الربط العضوى بين الشارع والمُؤسَّسات. ولعلّ ترفيعَ الواجبات ما يتطلَّبُ فُسحةً أكبر فى فرز الخيارات، والنظر فى معروضٍ واسع؛ للوقوع على أفضل العناصر المُلائمة للبرنامج المطروح، كما قد يحملُ مُفاجآتٍ فى النسخة النهائية؛ لناحية هيكلة الحقائب وخُطوط عملها العريضة، وماهيّة المُختارين وحقول اختصاصهم وسوابق خبراتهم.


فى النسخة الأولى؛ احتاج «مدبولى» أسبوعًا واحدًا بين التكليف وأداء اليمين. ولعلَّ الباعثَ وقتها أن سلفَه شريف إسماعيل غادر منصبَه فجأةً لأسبابٍ صحّية، ولم تكن الحكومةُ نفسُها محلَّ اعتراضٍ كبير، بينما كان الرجلُ ضمن تركيبتها لأربع سنواتٍ سابقة، ما وفَّر له معرفةً عميقة بقائمة الزملاء وطبيعة أدائهم؛ فأنجز التحويرَ المطلوب سريعًا، وكان فى نطاقٍ محدودٍ على أيّة حال. أمَّا اليوم؛ فإعادةُ البناء تأتى ضمن سياقٍ طبيعىّ أخذت فيه الحكومة فُرصتَها الكاملة، ودخل البلدُ ولايةً رئاسية جديدةً بمُعطيات غير ما كانت قائمة؛ فصار مطلوبًا أن تُعادَ هندسةُ جهازها التنفيذى على وجهٍ أكثر حيويّةً وطزاجة، وأن يتصدَّى للامتحانات الطارئة بفريقٍ أكثر جاهزيّةً واقتدارًا، ومن دون تأثيرات الاشتباك الطويل مع الشواغل اليومية القديمة، وقد استهلكت كثيرًا من طاقة التنفيذيِّين وخيالهم فى اقتراح الحلول وبرامج العمل. والمعنى أنَّ التحديات تتحرُّك مثلما يتحرّك البشر، وقد تفوقهم فى السرعة ومُعدَّلات التحوُّل، ويصيرُ من المُستحسَن وقتها أن يُلاقيها فريقٌ مُعدّلٌ من نقطةٍ مُتقدِّمة، وبوعىٍ وإيقاعٍ واقتراحات من خارج الصندوق. وهكذا لا يكونُ التغييرُ رفاهيةً أو عمليّةً تجميلية؛ بقدر ما هو ضرورةٌ تفرضها السياقات، وتترتَّبُ فى ضوئها حساباتٌ خطَطيّة وإجرائية مُنبتّة الصِّلَة بالخيال القديم؛ أقلّه من زاوية البحث عن كيمياء نشطةٍ تُعيد تأليف عناصر الفعل وإمكاناتهم على صورة أكثر تحرُّرًا وأقلّ روتينيّةً واعتيادًا.


يُحتمَلُ فى ضوء ذلك أن تمتدَّ مُهلةُ التكوين الوزارى لفترةٍ أطول، حتى أنها قد تتجاوزُ إجازةَ العيد التى تبدأ عمليًّا نهايةَ الأسبوع الجارى. وإن كنت شخصيًّا أتوقَّعُ أن تكتملَ التركيبةُ المُرجَّحة قبل ذلك، بغضِّ النظر عن تقديم موعد الإعلان أو إرجائه.. فالواقعُ أنَّ رئيسَ الحكومة المُكلَّف يضعُ يدَه على قائمة الباقين، فى ضوء تقارير الأداء وحصيلة مُداولاته مع الرئيس؛ كما أنَّ بنك الترشيحات يكاد يكونُ جاهزًا فى مثل هذه الظروف، والأيّام الماضية ربما شهدت لقاءاتٍ مع مُرشَّحٍ أو أكثر لكلِّ حقيبة، ومن ثمّ فالتصوُّر العام قد تشكَّلَ واكتملَ فى ذهن مدبولى، ومعايير الاختيار مُحدَّدة استباقًا فى ضوء ما تُريده القيادة، وما يتطلَّعُ إليه صاحبُ الوزارة تحت المظلَّة المُتَّفق عليها من تناغُمٍ بين باقة شُركائه ومُعاونيه. وإذا كان المُرجَّح أن يغلُب الوجهُ الفنىُّ على الهيئة الجديدة؛ فالمسألةُ ربما تتطلَّبُ بحثًا إضافيًّا فى أوفق السُّبل لهندسة الدائرة العُليا لكلِّ وزارة، من خلال النواب والوكلاء وفِرَق المُستشارين.

إنما بجانب هذا؛ قد يكون البحث جاريًا فى جغرافيا الحكومة نفسها، لناحية إلغاء ودمج بعض الحقائب، أو استحداث غيرها؛ لا سيما مع الطبيعة الإلحاحية لبعض الملفات، وحاجتها لمزيدٍ من تركيز الجهد والاهتمام، كما فى حالة الاقتصاد والاستثمار والصناعة مثلاً، أو النظر فى احتمالية عودة وزارة الدولة للإعلام، أو توحيد بعض القطاعات المُتشابكة على سابق عهدها، أو اتّصالاً بتداخُل الاختصاصات وتكامُلها بين إداراتٍ مُتشابهة تحت لافتاتٍ مُتمايزة.


ثمّة مسألةٌ شديدةُ الأهمية تقع على أطراف المُداولات؛ وإن لم تتقاطع معها بالمُباشرة.. ليس محلَّ شَكٍّ أنَّ البناء الدستورى يجعلُ تشكيلَ الحكومة حقًّا خالصًا للرئيس؛ شريطةَ أن تحوزَ ثِقةَ الأغلبية فى مجلس النواب. وانطلاقًا من هنا؛ فقد اشتملَ خطابُ التكليف على إيلاء الاهتمام لذوى الخبرة والكفاءة؛ لكنه لم يقطع الطريق على السياسة تمامًا، بل أناط بها تحفيز المُشاركة السياسية كأحد العناصر المحورية فى برنامجها المُنتظَر، وهى مهمّة يُفتَرَض أن يضطلعَ بها السياسيِّون ويُحسنوا أداءها أكثر من الفنِّيين. وبينما تحدَّث عددٌ زهيدٌ من أهل الطَّيف الحزبى عن الحاجة لتشكيلٍ لا تغيب عنه السياسة؛ ركَّز غالبُ الحزبيِّين على مسألة أن تكون التركيبةُ بكاملها من التكنوقراط. وبعيدًا من غياب المنطق الطبيعى عن حديث بعض الفاعلين الحزبيِّين، وكَون الأحزاب بطبيعتها بيئةً تكنوقراطيّة أصلاً، بمعنى أنها كيانٌ ينطلق من التخُصِّص فى أحد مسارات العمل العام، ويسعى لانتزاع السلطة سلميًّا بما يعنيه ذلك من مقدرة فنيّة عليها؛ فالمُلاحظة المُوجِبة للتوقُّف أنهم بحسب تعبيراتهم سالفة الإشارة، ربما يرون تعارُضًا بين التسييس والتخصُّص، أو أنه لا يصسحُّ أن يكون الشخصُ الواحدُ سياسيًّا وخبيرًا فى مجالٍ نوعىٍّ. وأكثر ما يُثير التساؤلات هنا أنَّ الأحزاب ربما ترى دورَها خارج الاختصاص الدقيق، ولعلَّها تُهمِلُ بناءَ الكوادر وترقيتها وصَقل معارفها انطلاقًا من هذا التصوُّر غير الدقيق.. ومَكمنُ الخطورة هنا أننا قد نظلُّ طوالَ الوقت إزاء خطاباتٍ حزبيّة عُموميّة تُغلِّفها العاطفةُ، ويغيبُ عنها العُمق والضَّبط المنهجىُّ؛ بما يتعذَّر معه أن تُقدِّم بدائلَ إقناعية قابلةً للتطبيق، أو أن تكون قادرةً على التصدِّى للإدارة حينما تُطلَب منها؛ بينما مهمّتها الأساسية أن تكون شريكًا فى الحُكم ومُنافسًا سِلميًّا عليه. ومن هنا يبدو أننا فى احتياجٍ مَاسٍّ لإعادة تأهيل البيئة السياسية الحزبيِّة، وترفيع إدراكها لذاتها، وطَبيعة عملها كجزءٍ أصيلٍ من النظام وجِسرٍ بين الفرد والدولة، على معنى المجتمع المدنى كما يطرحه جرامشى وكثيرون من الفلاسفة والمُنظِّرين السياسيِّين، وتلك ستكون من أدوار الحكومة نفسها وواجباتها فى ضوء التكليف.


لدينا غابةٌ من الأحزاب السياسية؛ وقد بلغت من ضخامة الحجم وانعدام الفاعلية؛ ما أوجبَ أن تكون موضوعًا للبحث فى أروقة الحوار الوطنى، وسِيقَت كثيرٌ من الأفكار المنطقية والاعتباطية فى مجال البحث عن أنجع الوسائل لجَبر عوارها وتفعيل أدوارها. تحدَّث البعضُ عن وجوب الإسناد المالىِّ من جانب الدولة، وذهب آخرون إلى اقتراحاتٍ تخصُّ دمج الكيانات ذات البرامج المُتشابهة؛ إنما لم يتحدَّث كثيرون عن الحاجة للتدريب والتأهيل، وابتكار وتفعيل مُنتدياتٍ سياسية تستكشف الذخيرةَ القاعديّةَ، وتُعيد توجيه طاقاتها لخدمة حواضنها والمجال العام. وإذا كان «الحوار» بطبيعته مُناسبةً لتحفيز التجارب الحزبيِّة بالتفاعل الحىّ، وإعانتها على بناء مجالها الحيوىِّ من داخلها، فإنَّ الحكومةَ الجديدة قد تكون فرصةً مُضافةً لأن ينظرَ الحزبيِّون لأنفسهم فى مرآة العمل التنفيذى؛ استكشافًا للقُدرات الكامنة والمُعطّلة، وما يحوزونه أو ينقصهم من مُتطلّبات العمل العام؛ لا سيِّما أنَّ بعض تجارب التكنوقراط والسياسيين فى حكوماتٍ سابقة لم تكن على المستوى المُتوقَّع منهم، ورأينا كيف أنهم اصطدموا بجدار التحدِّيات اليومية، وبدوا عاجزين عن التوفيق بين خطابات التنظير ومحكَّات التطبيق؛ حتى أن بعض ذوى الهوى اليسارى والقومى قدَّموا صِيغًا شديدة الارتباك؛ لناحية الاتساق بين أفكارهم ومُمارساتهم. وربما بالاحتكاك يُضفِى السياسيِّون مزيدًا من المُقترحات والبدائل المُعِينة للتنفيذيِّين، أو يكتشفوا عمليًّا أنَّ التنظير والجدلَ العقلىَّ غير الوقوف على رأس الحقل، وأنَّ عليهم الاستعانة بأدواتٍ أكثر ماديّة واشتباكًا مع الواقع عندما يُقاربون ملفات الحكومة وأداءها، بدلاً من تلمُّس التحدِّيات والحلول من أبراجٍ عاجيّة لا تنغمسُ فى لحم الظرف الراهن، ولا ترى مساحات الغموض العريضة بين المُمكن والمأمول.
ونعودُ للحكومة مُجدَّدًا؛ فالثابتُ أنّه لا إشارات يُعوَّل عليها إلى اللحظة فيما يخصُّ ترجيحات المُرشَّحين وطبيعة التشكيل الجديد. بينما لا يتوقَّف بعضُ المُغرمين بصورة العالم ببواطن الأمور عن تغذية ماكينة التكهُّنات، أو ترديد أسماء الراحلين والباقين والمُقتربين من المنصب، دون بَيّنةٍ أو معرفةٍ حقيقية. صحيح أنه من الشائع والمتواتر أنّ بعضَ الوزراء قدَّموا اعتذاراتٍ لأسبابٍ صِحّية، وأنَّ آخرين تبدو حظوظُهم مُرتفعةً فى ضوء سوابق الأعمال؛ إنما لم يطَّلع أحدٌ على ملفَّات مصطفى مدبولى وعناصر تقييمه، وقد رأينا خطابَ تكليفه؛ لكننا لم نحضر لقاءه مع الرئيس، وما يُقال عن طبيعة التكليف وعلى هامشه لا يقلُّ أهميّةً عن مُحدِّداته وأُطره العريضة. يُضاف لذلك أنَّ ثمّة مسائلَ عديدةً تحكُمها اعتباراتٌ مالية وتنظيمية؛ كأن يُصار إلى فَصلٍ ملفٍّ عن غيره بشكلٍ مُستقلٍّ، أو استحداث حقيبةٍ، أو دمج أكثر من واحدة، وكلُّها أمورٌ تٌوغل فى التفاصيل الفنّية والتنظيمية، ومدى توافُر الهياكل الإدارية ودرجاتها الوظيفية المطلوبة، والتواؤم المطلوبُ بين مُقتضيات التقشُّف الحكومىّ واحتمالات أن تُرتِّب بعضُ الأفكار أعباءً ماليّة إضافيّة على المُوازنة العامّة. وعليه؛ فإن أغلب ما يُثار منذ أسبوع ربما يقعُ فى حيِّز الآمال والتفضيلات، أو هى اقتراحاتٌ حَسنةُ النِيّة فى أحسن الظروف؛ إنما لا يقومُ عليها دليلٌ مادىٌّ، ولا يُمكن لأحدٍ الجزم بإمكانية تحقُّقها من عدمه، والأمر نفسُه بشأن بورصة الأسماء، والمُبشَّرِين بدخول ساحة العمل التنفيذى، أو من يُبادرون بتمرير أسمائهم من قنواتٍ صحفيّةٍ وإعلاميّة صديقة لهم، على أمل أن يُحقِّق الإلحاحُ ما لم تُحقِّقه الجدارة.


المسألةُ لن تنحصرَ فى تغيير الوجوه؛ والأرجحُ بل الواجب أن تُلازمها إعادةُ تكييفٍ للبرامج والسياسات.. ليس مناطَ اختلافٍ كبيرٍ هنا أن يبقى وزيرٌ أو يغادر، ولا أن يدخلَ وجهٌ جديدٌ من باب الحكومة الواسع؛ لأنها ليست خياراتٍ نهائيّةً مُؤبَّدةً ولا صكوكَ غفرانٍ على طريقة العصور الوسطى. بقدر ما هى انتدابٌ لمهمَّة مُحدَّدة بإطارٍ سياسى وتنفيذى، وبالتأكيد بإطارٍ زمنىٍّ أيضًا، وليس ثمّة ما يمنع أن تدخُلَ على التشكيل تحويراتٌ لاحقةٌ فى مدىً أقرب ممَّا يتوقَّعُ الجميع. وقد سبقَ أن شهدت وزارةُ مدبولى الأُولى ثلاثةَ تعديلاتٍ مُتفاوتة الحجم فى ستِّ سنوات. وهنا قد لا يكون عامل الحسم الوحيد فى كفاءة الشخوص وثراء سِيرهم الذاتية، بمقدار ما يتّصل بمدى تعاطيهم مع المهام المنوطة بهم، وقدرتهم على التجاوب مع الصيغة المُؤسَّسة وتقاطعاتها اليومية مع المجال العام. والمرحلةُ المقبلةُ ذاخرةٌ بالتحدِّيات؛ لدرجة أن الاختيار سيكون امتحانًا قاسيًا على داخليه، وليس فرصةً للوجاهة والترف على ما يتصوَّرُ الناظرون لمقرِّ الحكومة من بعيد.. والأهمُّ هنا أن يتحصَّن الوزراءُ الجُدد بوعىٍ عميق أنهم جنود على جبهة حرب، وأنَّ الإطار العام الذى يحكُمُ عملَهم لا يغنى عن الحاجة للأفكار الخلَّاقة والحلول الإبداعية، والأخذ بزمام المُبادرة بما يقود لإحراز نتائج سريعةٍ فى مُهلةٍ محدودة، على أن يكون ذلك مرهونًا بكفاءة المُزاوجة بين الحصافة السياسية والاقتدار الفنى.


أمَّا ما يتعيَّن أن يُراعيه رأسُ الحكومة فى حقبته الجديدة؛ بكلِّ ما فيها من مصاعب ومزالق وامتحانات، أن تكتمل القوَّةُ التنفيذية بكاملِ ذخيرتها المعرفيّة والإدراكيّة؛ إذ لا تغنى التكنوقراطيّة عن الصِّفَة السياسية، ولا تقوم إحداهما بدون الأُخرى. سيكون مُفيدًا الجَمع بين الاعتبارين فى الاختيار، وأن يستندَ الوزيرُ السياسىُّ إلى وكلاء ونوَّاب من ذوى الاختصاص الفنىِّ، ويتعاضد كَتفُ الوزير الخبير بفريقٍ من المُستشارين والمُعاونين السياسيين. ويتطلَّب الأمرُ أيضًا إعادة النظر فى منظومة المُتحدِّثين والمكاتب الإعلامية، ولم تكن تجاربُ بعضها مِثاليّةً خلال المرحلة السابقة. لقد قال الرئيسُ غيرَ مرَّةٍ إنَّ على الجهاز الإدارى أن يخرجَ للشارع، ويُخاطبَ الناس، ويشرحَ البرامج والسياسات بما ورائها من بواعث ومُستهدفات، والحال أن ما يَعزّ على الوزير لاعتبارات التخصُّص أو الانشغال أو الديناميكيات اليومية التى لا تتوقَّف، يتوجَّب أن يضطلع به جهازُ إعلامه والناطقون باسم وزارته.

وقد يحتاج ذلك لمُتحدِّثين من ذوى الاختصاص اللصيق، أو لإعادة تدريب وتأهيل بما يسدّ الفجوّةَ بين عقل المُؤسَّسة ولُغة الشارع، خروجًا من آليّة البيانات المُعلّبة غير المُحصّنة بمواكبة حيّة عالية الجدّية والإتقان. الحكومةُ الجديدةُ عليها أعباء تُرتِّبها المرحلة، تُضاف لأُمورٍ أُخرى موروثة، ولمُحرِّكاتٍ إقليمية ودولية لا يُعلَمُ مَداها إلى الآن، ولو صَحّ فى أوقات الرخاوة والرخاء أن تكون الاستجاباتُ بطيئةً وارتجاليّة؛ فلا يُقبَلُ فى الشِّدّة والمَلمّات أن نُقصِّر فى الاستعداد، والسيناريوهات الاستباقية، والتنبّؤ بالاحتمالات والمآلات، وكلّها مسائل يتعيّن أن تكون فى صُلب التشكيل بأصله وفروعه؛ بمعنى انتقاء الوزراء، والتوجيهات المُقدَّمة إليهم كمُحدِّداتٍ لانتقاء مُعاونيهم ودوائرهم اللصيقة. وأتصوّرُ أنَّ ما لدى «مدبولى» من خبراتٍ لستِّ سنواتٍ خَلَت؛ يضمنُ أن تَعبُرَ الحكومةُ الجديدةُ كثيرًا ممَّا تعثَّرت فيه سابقاتُها، وأن ترسُمَ لنفسها طريقًا أدقَّ وأكثر استقامةً، وأقدر على تلافى العوائق واستشراف الفُرَص، طالما انضبطت بمعيار السياسة المُحدَّثة، والوجوه المُنتقاة بعناية، والصلاحيات المُعينة على إتيان المهام من أيسر السبل وأكثرها إحكامًا وفاعليّة.. اقترب إطلاقُ الحكومة فى صورتها الجديدة، وبقدر ما تحتاجُ لتجديدٍ شامل فى مرافقها ولُغتها وسياستها وبرامجها وتعاطيها مع المسائل الراسخة والطارئة، يحتاجُ داعموها والمُشتبكون معها والمُعارضون لها كذلك إلى تجديد رُؤاهم. التغيير ليس فريضةً على دولاب الحُكم وحده؛ إنما على مَن يُريدون أن يأخذوا بيدِه أو يكونوا مُنافسين له أيضًا.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة