حازم الجندى

الذكاء الاصطناعي والثورة التكنولوجية.. تحديات وفرص ومحاذير

الثلاثاء، 11 يونيو 2024 11:24 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يعتبر الذكاء الاصطناعي من أكثر المجالات إثارة وتطورًا في العصر الحديث، ويوماً بعد يوم تتطور تقنياته وتطبيقاته ويتم استحداث أنظمة ذكاء اصطناعي تمتلك القدرة على محاكاة وتنفيذ المهام التي تتطلب التفكير واتخاذ القرارات الذكية بشكل مماثل للبشر أو أفضل منها، ولا عجب في ذلك في ظل التطور التكنولوجي الهائل وعصر التحول الرقمي، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي تحدى كبير أمام الأمم للحاق بركب التقدم والتطور التكنولوجي.

وأصبح الذكاء الاصطناعي يستخدم في كل المجالات ويساهم في إحداث التنمية الاقتصادية وتقديم الخدمات بل ويهدد العديد الوظائف البشرية، فهو يستخدم في مجموعة واسعة من المجالات مثل الطب؛ حيث يستخدم الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض، وتوجيه العلاج، وتطوير الأدوية الجديدة.

وكذلك في التعليم، حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير برامج تعليمية مخصصة لاحتياجات كل طالب، وتحليل أداء الطلاب، وتوجيه الدروس، وأيضاً يُستخدم الذكاء الاصطناعي في الصناعة لتحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف من خلال تحليل البيانات وتحسين العمليات، وكذلك يستخدم في مجال الزراعة والإنتاج الحيواني، إلى جانب مساهمة الذكاء الاصطناعي في إحداث تحولات إيجابية في مكافحة تغير المناخ، حيث إن تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) أصبحت قادرة على إحداث تحول في العديد من القطاعات الصناعية، والذكاء الاصطناعي يمكن أن يزيد من كفاءة استخدام الطاقة ويشجع على اعتماد الطاقة المتجددة؛ مما قد يؤدي إلى خفض انبعاثات الكربون وتحفيز النمو الاقتصادي.

باختصار، يُعتبر الذكاء الاصطناعي مجالًا حيويًا يشهد تطورات مستمرة، ومن المتوقع أن يستمر تأثيره على حياتنا بشكل متزايد في المستقبل، مما يتطلب ضرورة أن نستعد لذلك جيداً ويتم تهيئة البيئة والبنية التحتية الرقمية والمعلوماتية والتشريعية لنكون جاهزون للاستفادة من إيجابياته؛ فعلى الرغم من فوائد الذكاء الاصطناعي، فإنه يثير أيضًا بعض التحديات والقضايا المثيرة للجدل مثل الخصوصية، والأمان، وتأثيره على سوق العمل، وحماية حقوق الملكية الفكرية من السطو والسرقة والتزييف، وغيرها.

والدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تولى أهمية كبيرة لمجال الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، لذلك أنشأت في عام 2019 المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي، ثم أعلنت عن الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، والتي تهدف إلى استغلال تكنولوجيات الذكاء الاصطناعى لدعم تحقيق أهداف مصر للتنمية المستدامة، وقد ساهمت هذه الجهود فى تقدم ترتيب مصر مؤخراً 7 مراكز فى المؤشر العالمى للذكاء الاصطناعى.

وإذا علمنا أنه وفقا لدراسات وتحليلات لمؤسسات دولية فإنه من المتوقع بحلول عام 2030 أن يضيف الذكاء الاصطناعي 15 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي، كما أنه من المتوقع أن يصل سوق الذكاء الاصطناعي العالمي إلى 190.61 مليار دولار بحلول عام 2025، وبحلول عام 2025، سيعمل 100 مليون شخص في مجال الذكاء الاصطناعي، وتقدر بعض الدراسات أن الذكاء الاصطناعي سيخلق حوالي 9 ملايين وظيفة بحلول عام 2025.

ذلك يوجب علينا أن نسارع في تهيئة البيئة والظروف في مصر لتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي واستغلالها في تحقيق التنمية المستدامة ودفع عجلة الإنتاج والنمو الاقتصادي، ومن المهم أن تستثمر الحكومة في البنية التحتية الرقمية وتعزيز الاقتصاد الرقمي، والأهم أن يكون لدينا أجيال متعددة من المبتكرين والمطورين في مجال الذكاء الاصطناعي ونستفيد من التعاون مع الدول الرائدة في هذا المجال ومن جهود مصر في تطوير وتوطين صناعات البرمجة والإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات.
الأسبوع الجاري شهد مجلس الشيوخ الموقر الذي أشرف بعضويته مناقشات موسعة على مدار يومين لدراسة عن موضوع "الشباب والذكاء الاصطناعي.. الفرص والتحديات"، والحقيقة الجلسات شهدت طرح رؤى وتصورات ومقترحات وتوصيات أثرت النقاش؛ بجانب التقرير المفصل الوافي للجنة الشباب والرياضة عن هذه الدراسة، وأتمنى من الحكومة أن تنظر في تقرير المجلس وتوصياته وتأخذها بعين الاعتبار لأنها تحقق الصالح العام.

دعنا نذكر بعض التحديات التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي، لعل أبرزها نقص المهارات التكنولوجية، حيث يواجه بعض الشباب وقطاع كبير من المواطنين نقصًا في المهارات والخبرات المُتعلقة بالذكاء الاصطناعي، فضلاً عن الحاجة إلى تأهيل البنية التحتية الرقمية والتكنولوجية لتكون مهيئة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب المخاوف الأخلاقية؛ حيث تُثير تقنيات الذكاء الاصطناعي بعض المخاوف الأخلاقية، مثل: فقدان الوظائف، وتحيز الأنظمة، واستخدامها لأغراضٍ ضارة، والتزييف في المحتوى والصور والفيديوهات والتعدي على الخصوصية، وصعوبة حماية البيانات وحقوق الملكية الفكرية، وغيرها.

ولا تتوقف التحديات عند ذلك، حيث إن بعض الدراسات تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي سيُحْدِثُ تحولا في الاقتصاد العالمي، وسيؤثر على نحو 40% من الوظائف حول العالم، فيحل محل بعضها ويكمل بعضها الآخر، وضف إلى ذلك الخوف من تأثير الذكاء الاصطناعي على قيم وأخلاقيات المجتمع.

لذلك علينا أن نبني على الجهد الكبير المبذول من جانب الحكومة المصرية بتوجيهات من القيادة السياسية، والعمل على ضرورة توفير وتأهيل البنية التحتية الرقمية والقوى العاملة الماهرة اللازمة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وخلق حوافز تشريعية وتنظيمية وتشجيعية لدعم الإبداع والابتكار، وتعزيز آليات الاقتصاد الرقمي، وتشجيع الاستثمار الرقمي، وهناك ضرورة لإصدار تشريع للذكاء الاصطناعي في مصر؛ ينظم إنتاج وتطوير واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ لمواجهة التحديات القانونية التي تفرضها هذه التطبيقات، ويتضمن نصوص تنظم المسئوليات المدنية والجنائية الناشئة عن استخدام هذه التطبيقات، ويضع ضوابط لحماية قيم وأخلاقيات المجتمع والحفاظ عليها لحماية الأجيال القادمة.

ويجب أيضاً توفير برامج تعليميةٍ وتدريبيةٍ شاملةٍ للشباب في مجال الذكاء الاصطناعي، لتمكينهم من اكتساب المهارات والخبرات اللازمة، وتقديم الدعم المالي والفني للشباب لريادة الأعمال في مجال الذكاء الاصطناعي، وتشجيعهم على تأسيس شركاتٍ ناشئةٍ مُبتكرة، فضلاً عن تهيئة بيئةٍ داعمةٍ للابتكار والبحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي، وتشجيع إنشاء الشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في مجال تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، وفي مجال الثقافة والإبداع، لا بد من تعديل قانون حماية الملكية الفكرية بإضافة نصوص تنظم الحقوق الأدبية والمالية؛ الخاصة بمخرجات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

هناك ضرورة ملحة لتأهيل الكوادر البشرية وإنشاء قواعد للبيانات الخاصة بالمطورين والمستخدمين، ووضع ميثاق شرف أخلاقي للذكاء الاصطناعي يحدد المبادئ الأخلاقية لاستخدامات تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وقيام المؤسسات التعليمية والمراكز البحثية بإعداد الدراسات اللازمة بشأن آثار التوسع في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، وتطوير المناهج الدراسية في مرحلة التعليم الجامعي، والتوسع في إنشاء الكليات والمعاهد المتخصصة في الذكاء الاصطناعي وتشجيع الطلاب على الالتحاق بها، والاهتمام بالتوعية المجتمعية بمميزات الذكاء الاصطناعي ومحاذيره، ونشر ثقافة احترام حقوق الملكية الفكرية، وجذب الاستثمارات فى الاقتصاد الرقمي ومجال مراكز البيانات، والاهتمام بدعم الصناعات الإبداعية والثقافية.

ختاماً.. نحتاج إلى تحديث وتطوير مستمر للاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي؛ بما يلبي الاحتياجات ويراعي التطورات المتجددة والمتغيرة في هذا المجال، وأن يكون لدينا قاعدة بيانات المبتكرين والمطورين في مجال الذكاء الاصطناعي وتكون خطتنا مبنية على زيادة هذه الأعداد وتحفيزهم على البقاء في مصر، على أن تكون هناك خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى نستهدف من خلالها الوصول إلى مشاركة مصر في استحداث وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لتصبح دولة رائدة في المجال.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة