مقدمات الكتب.. ما يقوله دافيد س. لاندز في كتاب "بنوك وباشوات"

الثلاثاء، 11 يونيو 2024 09:00 ص
مقدمات الكتب.. ما يقوله دافيد س. لاندز في كتاب "بنوك وباشوات" غلاف الكتاب
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نواصل مقدمات الكتب ونتوقف مع كتاب "بنوك وباشوات" لـ دافيد س. لاندز، ترجمة عبد العظيم أنيس، فمال الذي يقوله في مقدمته؟

مقدمة المؤلف

بُنِيت القصة التالية على عدد كبير من الرسائل الخاصة التي تبادلها اثنان من رجال الأعمال في القرن التاسع عشر، أحدهما هو "ألفريد أندريه" أحد كبار رجال المال الدوليين، والآخر "إدوارد ديرفيو "أحد الممولين الخصوصيين لخديوي مصر" وقد وصل عدد تلك الرسائل التي تغطي الفترة ما بين عامي 1858م، 1868م، إلى ما ينوف على المائة رسالة، وكان نصيب أندريه منها أقل من النصف.

ولقد كان أندريه بدقته المنهجية يحتفظ بنسخ من الرسائل التي يرسلها، قبل اختراع الآلة الكاتبة بزمن بعيد. وهذه الرسائل طويلة، بحيث يصل طول الرسالة في بعض الأحيان إلى ست أو سبع صفحات، كما أنها كانت تتميز بالوضوح والصراحة التامة، ويمكن القول بوجه عام إن هذه الرسائل توحي بالحديث الشخصي المباشر الصريح أكثر مما توحي بالتبادل المدروس للأفكار على الورق.

وقد وُجِدت تلك الرسائل في إحدى حُجرات أرشيف بنك فرنسا حيث كانت محفوظة مع السجلات التجارية لبنك أندريه، وهو الآن بنك دي نيفليز شلومبرجر وشركاه.

بنوك وبشوات
بنوك وبشوات


وقد يكون من السهل تأليف كتاب عن تلك الرسائل، التي تمد المؤرخ بخيطٍ جاهز لقصة. ولكن من ناحية أخرى فإن وجود ذلك الخيط سلفًا يطرح مشاكل خاصة. فالكاتب يجد نفسه مضطرًّا إلى أن يتتبع هذا الخيط وينسج حوله، وبذلك يجد نفسه في بعض الأحيان في أماكن غريبة غير متوقعة، باحثًا عن موادَّ ربما كان يتجاهلها أو يُهملها لولا هذا الخيط. وفي الواقع تفرض الخطابات في حد ذاتها على المؤرخ البحث؛ إذ إن عليه أن يقدم المعلومات الضرورية حتى تصبح الرسائل مفهومة داخليًّا في تسلسُلها وفي محتوياتها الكلية.

وقد أثارت رسائل "أندريه-ديرفيو" صعوبات جدية، والواقع أن العلاقة بين الرجلين تصبح مفهومة من خلال الإطار الثلاثي الذي يربط بين مهنة البنوك، والعلاقات الاقتصادية، ومركز مصر عام 1860.

ومن المستحيل فهم أي الرجُلين إلا إذا عرفنا مركز كل منهما في شبكة الشئون المالية العالمية الواسعة النطاق، ويستحيل تقدير اهتمامهما بإحدى الدول — وهي في هذه الحالة إحدى دول الشرق الأدنى — دون الإلمام بازدهار الشركات في هذه السنوات، والتأثير المدمر لذلك على توازن مهنةٍ كانت في العادة متواضعة، وتزايد اهتمام رأس المال الأوروبي (خصوصًا البريطاني) بالاستثمار في الخارج. ويستحيل كذلك أن نفهم نجاح هذه الشركات وفشلها في مصر دون أن نأخذ في الاعتبار تأثير رواج القطن على الاقتصاد المصري ومركز الرجل الغربي في المجتمع المصري.

تلك الاحتياجات هي التي حددت تنظيم هذه الدراسة. وقد خصصتُ الفصول الثلاثة الأولى لإعداد المسرح، أي تقديم إطار للقارئ يمكن من خلاله أن تكون قصة ديرفيو وأندريه مفهومة. فإذا كان الفصلان الأولان على الخصوص طويلَين ومزدحمين إلى حدٍّ ما، فإن سبب ذلك يعود إلى أنه لا يوجد تحليل آخر مشابه، لا عن تركيب المالية الدولية ولا عن توسع رأس المال الأوروبي في فترة عام 1860م، ولقد كان من الممكن أن نبدأ بالقصة أولا ثم نقطعها بعد قليل ونخرج عن الموضوع من حين لآخر للدخول في شرح طويل، وهذا ما لم نستسِغْه. وقد حاولت هنا أن أقلد المصور السينمائي الذي يقدم أولًا منظرًا بانوراميًّا قبل أن يدخل في الموضوع الأساسي.

وبوجه عام فقد بُذلت مجهودات كبيرة لكي نزيل من هذه الفصول الأولى كل ما ليس له صلة مباشرة بالقصة. ولم يكن تحقيق ذلك من الممكن دائمًا، والسبب في ذلك يرجع إلى أن التعميمات المقدَّمة تتعارض إلى حد ما مع التفسير التقليدي للتاريخ الاقتصادي، وهذا ما يحتاج إلى تأييد — ولنأخذ على سبيل المثال تحليل الثورة المالية في الفترة 1850–1870م وتقييمها وتوقيت آثارها على الكيان المصرفي القائم — فالتركيز لا يمكن الحصول عليه أحيانًا إلا إذا ضحينا بالدقة والمنطق والجو العام، بعدم الخوض في الحديث عن الظروف والعوامل. والجو العام لهذه المرحلة هو الأهداف الأولية لهذه الفصول الأولى.

ويجب أن نوضح هنا أنه على الرغم من أن الفصول الأولى الخاصة بالشئون المالية قد سبقت، لأسباب تنظيمية، قصة ديرفيو، إلا أن المنطق يجعل هذا الفصل تطورًا طبيعيًّا لهذه المراسلات. فهي تمثل جهدًا في ذاته لدراسة بناء الأعمال المصرفية العالمية في منتصف القرن التاسع عشر. ولكنه يسترشد ويستلهم مواده من أرشيف بنك Neuflize وغيره من المصادر الأخرى الهامة المشابهة.

فوضع هذه الفصول إذن لا يعني الرغبة في تقديم قضية معينة في ضوء إطار عام سبق تصوره، بل إن الصورة العامة مأخوذة من هذه القضية وقضايا أخرى معينة، يمكن بسهولة أن تتقدم القصة أو تأتي في مؤخرتها، لو لم تكن هناك عقبات في فهم المراسلات.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة