حازم حسين

عجوز يُروّض ذئبا.. هل كتبت واشنطن قرارها لمجلس الأمن بدماء أطفال النصيرات؟

الأربعاء، 12 يونيو 2024 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تلعبُ الولاياتُ المُتّحدة فى فريق إسرائيل؛ لذا عندما تُحرز أهدافًا فإنها تكون لصالحها قطعًا. وأحدثُ اختراقاتها النجاح فى تمرير مشروع قرارها من قناة مجلس الأمن؛ لا ليدعو إلى مُقدِّماتٍ للهُدنة وتبادُل الرهائن فحسب، إنما ليُثبِّت واقعَ أن دولة الاحتلال تقبَّلت خطَّة الرئيس الأمريكى، أو شاركته فى صياغتها؛ وعليه فالمُطالبة بالتلقِّى الحَسِن صارت محصورةً فى حماس، وعلى التحديد يحيى السنوار ورجاله القابعين فى الأنفاق. أمَّا السعى لتلافى المُعوِّقات القديمة، وفَتح المسارات الكفيلة بإنفاذ المُقترح؛ فقد تطلَّب إنجاز مذبحةٍ كاملة الأوصاف. والفكرةُ أنْ يتوقَّف نتنياهو عند الذروة، ومن نُقطةٍ تُشبه النصر؛ ليصير آخر ما يتبقَّى فى الذاكرة أنه ارتجع عن قوَّةٍ لا عن عجز، واستدار على نفسه وكان فى مقدوره ألَّا يفعل.


كان السباقُ طوال الشهور الماضية على إحراز المُبادرة قبل إسكات البنادق. أراد كلُّ طرفٍ أن يبدو أمام حاضنته صُلبًا وثابتًا؛ وليس مدفوعًا إلى خيار الضرورة أو هاربًا من احتمالاتٍ أقسى. هكذا أصرَّت حكومةُ اليمين وجناحُها الحربىُّ طوال الوقت على أن يكون التفاوضُ تحت النار، وتمسّكت «حماس» بإطلاق الرصاصة الأخيرة قبل توقيع أوراق التهدئة؛ لذا ذهبت إلى مُغامرتها الأخيرة أوائل الشهر الماضى، عندما قصفت قاعدةً عسكرية على مَقربةٍ من معبر كرم أبو سالم، قبل ساعاتٍ من إعلان موافقتها على الورقة المصرية لوَقف النار ومُبادلة الأسرى. وبالمعنى نفسه؛ كانت عمليّةُ مُخيَّم النصيرات مطلعَ الأسبوع الجارى؛ لا لاستخلاص أربعة أسرى من جُملة مائةٍ وعشرين تحت أيدى عناصر القسَّام، كما أُرِيد تصويرُ المسألة من جانب ماكينة الدعاية الصهيونية الرسمية؛ إنما للتعبير عن أعلى صُوَر الكفاءة والهَيمنة الميدانية قبل الذهاب إلى الطاولة. وهكذا يُمكن النظرُ للهجمة بكل غُشومتها من زاوية بيت الشعر العربىِّ الشهير «ضاقت فلمَّا استحكمت حلقاتُها فُرِجَت».


حصيلةُ ما تردَّد أنَّ إسرائيل كانت تضعُ يدَها على تفاصيل دقيقة عن حال أسراها المُحرَّرين، وتتبَّعت مواقعَهم وتحديثاتها لأسابيع أو شهور سابقة على التحرُّك العملانى. والفكرةُ هنا أنَّ اختيار ميقات التنفيذ وطبيعته ليس اعتباطيًّا بالمرَّة، ولا كان بالمُصادفة أو التدرُّج المحكوم بالظروف والسياقات الأمنية والمعلوماتية فحسب. لقد أُرِيدَ أن تُدارَ العمليةُ بأعلى منسوبٍ من التبجُّح والمُخاطرة، وأن تتَّخذ طابعًا استعراضيًّا يُكثِّف رسائلَ الولاية الكاملة على جبهة الحرب، وأنَّ للاحتلال يدًا طُولَى فى عُقر دار الفصائل وأشدِّ مواقعهم أهميّةً وتحصينًا. وما أُثِير عن المُساندة الأمريكية من خلال أجهزة المعلومات، وعناصر الوحدات الخاصة الحاضرين على الأرض؛ إنما يُعبِّر فى جوهرة عن فلسفةٍ هوليودية حكمت صياغةَ حُدود العملية ووَضع معالمها، وابتغت من ورائها تحصيلَ القدر الأكبر من مشاعر الثقة والتعويض النفسى، ومَنح رئيس الحكومة الإسرائيلية ما يُرضى غرورَه أوَّلاً، ثمَّ يصلُب ظهرَه فى بيئته لناحيتين: أمام الحُلفاء القريبين فى ضغوطهم لإكمال الحرب وتهديدهم بنَسف الائتلاف، وأمام المُعارضة المُتمسِّكة باتّهامات الفشل والإخفاق، كمُبرِّرٍ دائمٍ لتصعيد الغضب الشعبى وإطاحة الليكود من السلطة.


وفق كلِّ الحسابات؛ فإنَّ الاندفاعَ لدخول منطقة شديدة الضِّيق والكثافة السكَّانية مثل النصيرات، وفى وَضَح النهار، ومن خلال عمليّة تمويهٍ واسعة المدى فى مسار الانتقال ونوعيّة العناصر القتالية؛ مُغامرةٌ تُلامس حدودَ الانتحار. فالميدان خارج السيطرة بالكامل، وقوَّةُ تأمينه مُتيقِّظةٌ فى ساعة ذُروة، والديموغرافيا تفرضُ قيودًا تُهدِّد الأسرى ومُحرِّريهم، وقد فَقَد قائدُ فرقة التنفيذ حياتَه بالفعل. لكنَّ الهدف الذى ابتغاه صاحبُ القرار كان يستحقُّ المُخاطرةَ من وجهة نظره؛ إذ لا يُمكن تبرير التصلُّب الرسمىِّ من دون آيةٍ على نجاعته واتِّساق منطقه، كما لا يُمكن الرجوع عنه إلَّا لو تحقَّقت فكرةُ «الفرصة البديلة»؛ رغم أيَّة تكاليف باهظة؛ فتصير التهدئةُ خيارَ القادر لا العاجز. وكالعادة طاوعت واشنطن نزوات بيبى نتنياهو، وحفّزتها، ووفَّرت لها الأجواءَ المُلائمة للاكتمال؛ ولو على جُثث قرابة ثلاثمائة شهيدٍ غَزّىٍّ بينهم نساءٌ وأطفال.


لا تنفصلُ العملية عن خطَّة بايدن. الفارق بينهما فى الزمن ثمانيةُ أيّام، ولا شىءَ تقريبًا فى الفلسفة والأثر. كأنَّ الحوارَ السالف على مُفردات ورقة التهدئة، اشتمل على بحث المخارج المُمكنة لتقليص أعباء زعيم الليكود، وإعطائه شيئًا قريبًا من «صورة النصر» التى طالما فتَّشَ عنها. أمَّا التزامُنُ اللاحقُ فلا يخلو من دلالاتٍ؛ كأن تُعطَى إشارةُ البدء قبل ساعاتٍ من موعد المُؤتمر المُبرمَج سَلفًا لعضو مجلس الحرب بينى جانتس، والمُتوقَّع بالضرورة أن يُعلنَ فيه الانسحاب من تحالُفِه الظرفىِّ الطارئ مع اليمين المُتطرِّف، تحت راية الإجماع الوطنىِّ فى امتحانٍ وجودىٍّ قاسٍ، ثمَّ يتبعه إعدادُ مشروع القرار المطروح على مجلس الأمن؛ وهكذا تتحقَّق باقةُ أهدافٍ ثُلاثية: إثبات كفاءة الحكومة وفاعليّة برنامجها العسكرى، وتحييد صوت المعارضة الداخلية قليلاً، والأهمّ صَرف أنظار العالم عن العمليّة وخُروقاتها؛ لصالح نصٍّ أكثر أُلفةً وحميميّة مع إسرائيل، ويدعو للتهدئة على قاعدة الشروط التى ارتضتها، أو بالأحرى أعدَّتها بإرادةٍ فردانيّة كاملة؛ على ما قال سيّدُ البيت الأبيض من مَنصّته؛ عندما مَنحَ الخطَّةَ صِفةً إسرائيليّةً كاملة. وبينما اضطُرّ جانتس لإرجاء استقالته يومًا واحدًا؛ فإنه عندما عاد إليها مُجدَّدًا كانت أقلَّ مُفاجأةً وتأثيرًا، ولم تمسّ صورةَ غريمه القابض على مقاليد السلطة بانفرادٍ ساحق؛ بل أظهرته فى حال الثبات أمام الخارج والداخل، وأنه يتنقَّل بين الاحتمالات المُمكنة والمستحيلة بثقةٍ ذاتيّةٍ وفَخرٍ وطنى، ويُملِى على الأمريكيين والمَرَافق الأُمَميَّة ما يراه فى صالحه، ثمَّ يخرجُ من الدائرة بربحٍ ظاهرٍ وخسائر زهيدة.


ما فات لا يعنى أنَّ الأمورَ على ما يُرام تمامًا بين واشنطن وتل أبيب. فالظاهرُ أنَّ الرُّؤى لم تعُد مُتطابقةً كما كانت فى السابق القريب؛ وإن ظلَّت ثوابتُ العلاقة أوثقَ من النزاعات الهامشية وهَبّات الريح العارضة. وإذا كان الرئيسُ الأمريكىُّ مُخلصًا فى صهيونيّته؛ فإنه يُحبّ نفسَه أكثر ممَّا يهيمُ فى الصهيونية وصقورها، ولا يكبتُ شعورَه بالابتزاز على أبواب انتخابات صعبة، ولا أن الحليف الذى يتفانى فى خدمته ينحازُ لغريمه الجمهورىِّ بصراحةٍ وعَنَت. لقد ملأت صورةُ «ترامب» فضاءَ أكبر شوارع العاصمة العبرية، وتبدَّى بوجهٍ سافرٍ أنَّ نتنياهو يُراهن على عودته وينتظرها. وإن كانت الإدارةُ الأمريكيّة تُناور رغبات الليكود وزعيمه؛ فإنها تفعلُ من زاوية استعجال الامتحان، وتَرك الحكومة اليمينيّة عاريةً أمام الشارع؛ لتبدو من ناحيةٍ أنها لم تتخلّ عن التزامها تجاه دولة اليهود، وتُراهن من الثانية على تفاعلات الهُدنة وأثرها المُخلخِل للبيئة الداخلية، وما قد ينتج عنه من تغيُّرٍ للتوازنات وتركيبة الفاعلين السياسيِّين، أو اضطرارٍ للذهاب إلى انتخاباتٍ مُبكّرة قبل موعدها بأكثر من سنتين. وإزاء ذلك فإنها لا تُعادِى المُتمرِّدين عليها من الائتلاف وزعيمه، كما لا تُفرِّط فى ورقة البدائل المُتاحة؛ سواء كان «جانتس» المُنقلِب بعد وفاقٍ، أو «لابيد» القابض على عهد الخصومة منذ البداية، أو «جالانت» الأقرب لصيغة العدوِّ من داخل البيت؛ باعتباره واحدًا من ألمع وجوه الليكود، ولديه حاضنة داخل الحزب وخارجه، وبين الجنرالات والشارع خلال الحرب الطويلة، ومنذ تصاعُد أسهمه فى أزمة «الإصلاح القضائى» أوائل العام الماضى.


أدارت أمريكا عمليَّة النصيرات، أو أقرّتها وشاركت فيها معنويًّا، وربما ماديًّا؛ لإصابة أكثر من عصفورٍ برصاصةٍ واحدة. لقد سمحت بالشىء الذى تتصوَّر أنه قد يُروِّض جنونَ نتنياهو ويُليِّن مواقفَه، وصلَّبَت ظهرَه أمام فريقه التوراتىِّ والمُتردِّدين من جموع الشارع الغاضبة؛ حتى لا يكون الذهابُ إلى الصفقة المأمولة مُرعبًا لدرجة رَفضها.. وفى المُقابل؛ فإنها مارست بالعمليّة ضَغطًا قاسيًا على «حماس» وفصائلها الرديفة، محوره أنهم مكشوفون تمامًا على العدو ورُعاته الخارجيِّين، وأوراق قوَّتهم يصحُّ أن تصير فجأةً أوراقَ ضعفٍ أيضًا، أمَّا الأخطر فأن يُصبح الاستمرارُ فى الحرب تهديدًا وجوديًّا بمُواصلة الإفناء الغاشم، مع نَزحِ خزَّان الأسرى. وقد تكشَّف أنها اعتمدت آليّةً خداعيّة بسيطةً وشديدة الهشاشة فى مسألة المخطوفين، محورها أن تعهَدَ بهم لعائلات المُقاتلين؛ فيتوزَّعوا بين السكان دون حاجاتٍ نوعيّة فى مسائل الإخفاء والتأمين واحتياطات النقل وعدم التركيز فى أماكن مُحدَّدة، والحال أنهم لم يعودوا قادرين على الاحتفاظ بالاستراتيجية نفسها فعّالةً ومُثمرة، ولا فى الإمكان تغييرُها بكفاءةٍ وإتقان داخل ميدان الحرب وتحت ظروفه القاهرة. ومن هنا؛ فرُبّما تصيرُ الهُدنة احتياجًا مُلحًّا لأسبابٍ عِدَّة: مُراجعة الخطط الأمنية وتطويرها، والتقاط الأنفاس، وتحسين أساليب المُناورة والقتال، والأهمّ عدم المُخاطرة بفقدان مزيدٍ من بطاقات المُقايضة، موتًا أو بالتحرير المُباغت. أى أنَّ الإرادةَ الأمريكيَّةَ انصرفت لضَبط كيمياء القوَّة والغضب فى غُدَد الحليف، واستثارة هرمونات الضعف والهلع فى جسد الغريم.


ليس بالضرورة أن يُؤتىَ التصوُّر الوِصائىُّ من «بايدن» وفريقه أثرًا مُثمرًا على الناحيتين. لقد التصق ظهر «حماس» بالجدار وانسحقت بطنُها، وليس فى وِسعها أن تُقدِمَ على تنازلاتٍ فوق سَقف إنهاء الحرب، وقَطع الطريق على الاحتلال والسيطرة الأمنية الدائمة فى القطاع. أمَّا «نتنياهو» فما زال مُتمسِّكًا بأهدافه الثلاثة، وكلُّها تتصادمُ مع بقاء الحركة على أطلالٍ باردة، كما أنَّ هجمةَ النصيرات الدامية من حيث أرادت ترويضَه؛ فإنها على العكس قد تكون عزَّزت إيمانَه برُؤيته وشجَّعته على الإيغال فيها. وكل ما يتواترُ منهما يحملُ معنى الشىء وضدّه، فكلاهُما يُبدى مرونةً ظاهرةً بشأن مُفردات الخطَّة، ثمّ يعودُ لإبداء التصلُّب بشأن شروطه وثوابته الأساسية. وإذا كانت بعثةُ واشنطن بالأُمَم المُتّحدة قالت إن إسرائيل ترضخُ للمشروع المعروض على مجلس الأمن، وامتدح ممثل دبلوماسيّتها «بلينكن» ردَّ الفعل الحماسىِّ على القرار الأُمَمىّ؛ فإنه لا يأمَنُ أن تسيرَ الأُمور مُنضبطةً بالوتيرة المُتخيَّلة. المشهدُ أقربُ إلى لُعبة التباديل والتوافيق، والأمريكيون فى كلِّ المُقاربات يَعُون أنَّ الرغبة الصهيونية لا تنصرفُ لتبريد الجبهة؛ لكنهم يُجرِّبون كلَّ الأفكار والمسارات، ويَفردون الخيارات على الطاولة أمام ذئب تل أبيب المُختلّ؛ على أمل أن يُوافق أحدُها هوىً منه أو اقتناعًا. والمعنى أنهم لا يُقرّون ما آلت إليه الأحوال، ويرتدعون عن التبرُّم عَلنًا بأثر الالتزام السياسى، ومخافة جماعات الضغط، ويعرفون أنها محاولةٌ على حَرفٍ من الإصابة أو الإخفاق؛ وإن كان الغالب والأكثر اعتيادًا أن يشقُّ نتنياهو عصا الطاعة عليهم فى اللحظة الأخيرة. وتتضاعُف ثِقتُه حاليًا مع اقترابه من الخطابة أمام الكونجرس بمجلسيه آخر الشهر المُقبل، وستكون الانتخاباتُ الرئاسيّة قد دخلت نِطاقَ الاحتدام والخشونة والأوقات التى لا تُعوَّض، و«بايدن» فى وقتِها قد يكونُ أضعفَ فى الموقف والجاهزية وفائض الطاقة ممَّا هو عليه اليوم.


سَلّة القِيّم الأمريكية فضفاضةٌ كقوّتها الغاشمة. والسوابقُ أنهم كثيرًا ما غَزلوا قمصانَ السلام من أمعاء ضحاياهم، ويستحِلّونَ القتلَ على نِيّة الوصول للعدل بمفهومه الامبراطورى. هكذا استُبِيح العراقُ طَلبًا لرقبةِ صدَّام حسين، وأُعِيدت أفغانستان لعِصمة طالبان بعدما ترسّخت عودتها للعصر الحجرى؛ كما لو أنها كانت فى رقصةٍ عابرة مع الموت لعشرين سنةً أو يزيد. والأمثلةُ لها وَهجٌ حارقٌ من اليابان لفيتنام وكمبوديا وكوبا والكوريتين والسودان وسوريا، وكلِّ أرضٍ وطأها الوحشُ الأنجلوساكسونى بانفلاتٍ براجماتىٍّ أو تحت لافتةٍ أخلاقية. والحال أنهم منذ طوفان الأقصى ما قصّروا فى تدقيق أظفارهم وإطالتها، ودفعوا بالبوارج والطائرات والمقاتلين ومنصّات الصواريخ؛ كأنهم مُنتدبون فى مهمة الإفناء بجانب الشقيق الصهيونى المأزوم. والعودة الآن إنما تُترجم تبدُّلاً فى المصالح؛ بأكثر مما تُعبّر عن استفاقة ضميريّة أو استقامةٍ كانت ضائعةً فى لوثة الحريق الأوّل. وعلى معنى من المعانى؛ فإنهم مثلما يُرسلون الذخائر فى صناديق جميلة الصورة؛ يُدبّجون القرارات الأُمَميّة بإتقانٍ ووجوهٍ بسّامة؛ ولكليهما أثر التجبُّر والانحياز وترتيب البشر بحسب ألوانهم وصلة قرابتهم بالمنظومة الغربية وتمثُّلاتها الثقافية.


وصلنا إلى المرحلة التى يُقبَلُ فيها كلُّ مسارٍ قد يُفضِى إلى تهدئةٍ. ولا مُبرِّر إطلاقًا لإبقاء كُرة النار هائجةً فى أنحاء غزّة؛ ولو أراد الحُلفاء والرُّعاة فى «محور المُمانعة» ألَّا تُغلِقَ المقابرُ أفواهها. وإذا كانت نوايا «حماس» المُعلَنَة مُقدِّمةً إيجابيّة للخروج من النَّفَق المُظلِم؛ فالمُهمّ أن تتجاوزَ الحناجرَ إلى غُرف التفاوض والتسوية، وأن تعتصمَ الحركة وجَمهرتها المُعاونة بالحاضنة العربية اللصيقة/ الصديقة الأمينة، وأن تتساندَ للقرار الأُمَمىِّ استنادَ الجريح المُضطرّ إلى جدار المَشفَى ونقّالة المُصابين. ولا يلغى ذلك أن نعرفَ كيف أُديرَت الأمورُ، ولا أن نُعلِّق الأجراسَ الصاخبةَ فى رقاب أصحابها.. لقد لَعِبَ الأمريكيِّون واحدًا من أحطّ أدوارهم فى التاريخ، وما زالوا على خشبة المسرح يُبدّلون الأصواتَ والأقنعة؛ ولا ينحرفون شِبرًا عن هواهم القديم بالطغيان والطغاة؛ وما فى أقواسنا من سِهامٍ، ولا فى وِسعنا إلَّا أن نقبلَ الصفقات الظالمة؛ لا لشىءٍ سوى أنها تزدادُ ظُلمًا كلَّما تأخَّر إبرامُها.. مرَّ القرارُ من قناة مجلس الأمن؛ إنما على جُثث الذين انتُهِك أمنُهم وأرواحهم فى النصيرات؛ ولا عُذرَ لقائدة العالم والعجوزِ الذى ينوبُ عنها على المِقْوَد، لو رُئيَت القسمةُ عادلةً فى ترويض ذئبٍ واحدٍ، بأن يُنحَرَ عِدّةُ مئاتٍ إضافيِّين تحت قدميه؛ لكنها الفلسفةُ الأمريكية المُعتادة دومًا فى التمهيد للعبارات الجميلة بأردأ الطرق وأغزر الدماء.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة