عصام محمد عبد القادر

أهل عرفات الله.. تقبل الرحمن منكم

السبت، 15 يونيو 2024 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تتوق النفس فى ضوء طبيعتها لأن تعيش مفردات الطاعة وتتنعم فى فيض مغفرة الله تعالى فى شعائرٍ ومشاعرٍ تحدث أثرًا محمودًا فى الوجدان وتشعر الإنسان بالرضا والصفاء؛ فيقبل على الحياة ساعيًا لتحقيق الخير سالكًا ضروب العمل والجد والاجتهاد مليئًا بالطاقة والتفاؤل؛ ليحقق ماهية حكمة الله تعالى فى خلق الإنسان على البسيطة؛ فيناله النصب مقابل أن يجنى ثمرة الدارين ويفوز بهما.

وفى فريضة حج بيت الله الحرام والوقوف على عرفة حيث الركن الأعظم والمشهد المهول والمؤثر؛ إذ يقف العبد بين يدى الله تعالى طالبًا وراجيًا المغفرة والقبول؛ ففى هذا اليوم ومنسكه العطر يوقن الإنسان فى شمولية رحمات الله التى تتجلى على الجميع فيطمح أن تختتم بالغفران بعدما بات الأمل منعقدًا على نيل الرضا والسماح من كل ما بدر فى الحياة وما تحويه مواقفها وقضاياها الشائكة والمعقدة.

إن عرفات الله تسهم فى ترقية الوجدان؛ ليصبح الإنسان مهيأً للعطاء من خلال مسالك وضروب الخير التى تشملها مفردات الحياة القاسية؛ فمن يشهد هذا اليوم المهيب وتجمعه المبهر، يتحقق لديه أن الدنيا دار ممرٍ وأن الآخرة هى المستقر، ومن ثم يستقم سلوكه، ولا يترك الباب مواربًا لفتنٍ زائفةٍ؛ فجمال الحياة مرهونٌ بفعل الخيرات وترك المنكرات والسعى الدؤوب فى خدمة البشرية؛ فتلك والله هى الغاية والمنشود والمراد.

ومن يسعى لأن يجتمع مع القاصدين لبيت الله الحرام من مشارق الأرض ومغاربها ليؤدى مناسكًا حددها الشارع الحكيم؛ فإن مقصده لا ريب مقترنٌ بإنسانيةٍ تسمو فيها الروح عن الجسد؛ فتتجلى وجدانياته وترقى وتسمو به تاركًا ما تشتهيه النفس وتذهب إليه الطبيعية المادية؛ ليحاول أن يقوى رباط جأش النفس؛ فيسلم بنائها، ومن ثم تضحى موجهًا له فى أن يستثمر كل ما يمتلكه من طاقاتٍ وملكاتٍ فى خدمة البشرية قاطبةً، وعليه يصبح محبًا لنفسه وللآخرين.

إن الهجران المبنى على قناعةٍ تتأتى من توبةٍ نصوحةٍ جراء ما يقترفه الإنسان فى خضم مجريات أحداث الحياة الضاغطة لشرطٍ معلومٍ ومعيار مصداقيةٍ يدركه بنى البشر ويتأصل لدى الجميع؛ فبات تجديد العهد مع رب العرش العظيم يقوم على تأهيلٍ مسبقٍ ومسارٍ يخرج منه الفرد من ظلام المعاصى إلى ضياء الطاعة والهداية؛ فينعم بالرضا والراحة النفسية، وتلكما ثمرةٌ لا يعادلها أو يقابلها منشودٌ.

فلينعم من كتب لهم عرفات الله ليخرجوا منها بنفوسٍ تحمل فيض المحبة والمودة ومشاعر تجعل الوجدان يستقر، ونوايا تضمر فى جنابتها الخير الوفير للقريب والبعيد، ومخططاتٍ مستقبليةٍ تستهدف غرس الخير وتعضيد مقوماته، وهمةٍ عاليةٍ فى الجد والاجتهاد، وترك كل ما من شأنه أن يشين الأعمال ويحد من تحقيق غاية العمران والإعمار؛ فأضحت الشراكة فى تحقيق سعادة الآخرين أمرًا لا مناص عنه ولا تحول؛ فهى من مقاصد الفضيلة التى تأهل المناسك القائمين بها وعليها.

هنيأً لمن طلب العفو والمغفرة فى يوم عرفات الله حاجًا كان، أم داعيًا ومشتاقًا لزيارة البيت العتيق؛ فالعاطفة فياضةٌ لدى الجميع، والمشاعر جياشةٌ، والأمل قائمٌ، وهذا مجتمعٌ يؤكد على أن المحبة والتواد والرحمة لهى صفات بنى البشر لمن أدرك رسالة الإعمار وفقه نهاية المآل؛ فالعقيدة السماوية تؤكد علينا وجوبية التآخى والتعاون، التى بهما نصل لمنشود الطريق القويم، ومن خلاله نتجاوز دواعى الخلاف والاختلاف؛ ففى الأرض متسعٌ للجميع، وفى باطنها يكمن الخير للجميع، وعلى سطحها متاح العمل للجميع.

ندعو الله العلى العظيم أن تغدو حياة بنى البشر حاملةً للمحبة والألفة والترابط داعمة لسبل الخير مقاومة لغى الشيطان ومآربه، ونرجوه جل فى علاه أن يعم السلم والسلام والأمن والأمان والاستقرار؛ ليزيد الأمل الممزوج بالطموح تجاه مزيدٍ من الإعمار ونهضة الإنسان والبنيان على السواء؛ فمغانم الدنيا ومسارها المحمود ما هى إلا سبيلٌ لدار المستقر يكافئ من يعمل الصالحات ويجازى من يقترف الآثام.

نبتهل إلى الله تعالى فى أيامنا الفضلى هذه أن يستجيب لكل دعاءٍ يحمل الخير، وأن يقوى منابع العطاء الحسن فينا، وأن يرزقنا أحسن الخُلق، وأن يهدينا لمسالك الحق، وأن يقهر بجبروته وقدرته الباطل وأهل الظلم والعدوان والفساد والإفساد فى مشارق الأرض ومغاربها؛ إنه على كل شيءٍ قديرٍ.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.
الحج، منسك الحج، عرفة، عصام محمد عبد القادر










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة