الحجاج يختتمون الفريضة اليوم، ويستعدون للعودة أو الذهاب إلى المدينة المنورة لزيارة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن بدأ الرحلة بالمدينة يطوف طواف الإفاضة ويكون قد أتم الفريضة، التى صاغها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وأهله الذين نذكرهم فى التشهد بكل صلاة، إبراهيم هو نبى الأسئلة، ومعلم العقيدة عبورا بين التساؤلات والشكوك، فى خطاب ممتد على مدى عمره وهجراته وتحركاته، التى منها تمت صياغة الحج كفريضة، ودعوة إبراهيم هى التى تحمل رسالة التوحيد والآيات التى ترسم وحدة البشر وتنوعهم إلى أمم وقبائل وآراء ومذاهب وأديان للتعارف والتآلف.
الحج رسالة إبراهيم إلى العالم، بكل ما فيه من عقائد وأديان، يطوف الحجاج ويسعون ويقفون على عرفات ليذكروا الله، ويقال إن عرفات هو الجبل الذى نزل عليه آدم وحواء، هو جبل التعارف والمعرفة، يأتون إلى عرفات من المزدلفة ثم يعودون إليها ليجمعوا الجمرات ويعودون إلى منى حيث ينطلقون إلى أيام التشريق الجمرات الكبرى الصغرى، ويمكن للحاج أن يرمى اليوم الأول ويتعجل فى يومين ويكون أنهى الفريضة.
ويبقى الحج نموذجا لفريضة جامعة لكل الفرائض، ثم أنها رسالة فى الوحدة والتنوع والتآلف، هى فريضة فردية يبدو كل واحد فيها منشغلا بنفسه، لكن الجموع تتحرك معا بالملايين من بلاد وفئات وألوان ومذاهب وثقافات وطبقات من كل أركان الدنيا، رجل وامرأة، غنى وفقير، سنويا على مدى قرون يستعيدون تجربة هاجر وهى تبحث عن الماء، وإبراهيم يضحى لله، يولد الحج وعيد الأضحى، وسط دعوات الملايين تتوحد قلوب الحجاج مع تنوعهم، المساواة والتسامح وكون الاختلافات بين البشر لا تعنى العداء بين أنصار العقيدة الواحدة، أو العقائد الأخرى، والدليل أن أصحاب كل المذاهب والنساء والرجال يكونون معا، ينفرون معا يدعون ويصلون ويضحون ضمن سياق جماعى لا يلتفت أى منهم إلى غيره ولا إلى مدى ثرائه وسلطته، وهو درس يفترض على أصحاب المذاهب المتنوعة أن يستوعبوه ويحاولوا التعلم منه باعتبار أن الناس جميعا خلقوا ليكملوا رسالة البشر على الأرض، وأن الله هو رب الجميع بصرف النظر عن أشكالهم وإنما بنيّاتهم، وهو درس يحتاج الكثير من المسلمين لاستيعابه وتفهمه حتى يمكنهم استعادة رسالة الله فى خلقه ورسالة إبراهيم وأبنائه من الأنبياء وصولا إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
رسالة للسلام والوحدة والقلوب، دعوة إبراهيم ورسالته لكل الأنبياء، ومحمد فى العالمين.
كل حاج واحد من ملايين، من دول وبلاد وثقافات وفئات وطبقات من كل أركان الدنيا، لا يمكن التفرقة بين رجل وامرأة أو غنى وفقير أو عالم وجاهل، يقف المسلمون فى ثوب بسيط غير مخيط، وبلا أى زخرف أو علامات، يستعيدون تجربة هاجر أم إسماعيل، فى الصبر والسعى والأمل وعدم اليأس، وفى الحج تختفى المظاهر والمذاهب والفوارق ويظهر سؤال: إذا كان المسلمون قادرين على أن يجتمعوا معا فى كل عام، فلماذا ينشقون وينشطرون؟
رسالة الحج أن الناس متساوون كأسنان المشط وأنهم جميعا يلجأون إلى الله بلا وسيط، كما ولدتهم أمهاتهم، وهو ما يحتاجه المسلمون بمذاهبهم وتنوعهم، هم بحاجة لأن يتعلموا من الدرس، أن الدنيا تتسع للجميع، وأن التقوى فى التسامح والاستيعاب، وأن السعادة لا تتوفر بأن يكون هناك متخمون وإخوتهم فى الإنسانية جائعين.
الحج انتصار للبشر ووحدتهم مع تنوعهم، والذى لا يعنى أن يوضعوا فى قالب واحد، بعيدا عن رغبة بعض البشر فى وضع الآخرين فى قالب محدد، أو دفعهم إلى نموذج واحد من الحياة، بينما العالم يتسع للجميع، لكل أصحاب العقائد، مع الاعتراف بالاختلافات والتنوع بين البشر، وهو درس أبو الأنبياء إبراهيم، الذى حمله الرسول محمد للعالم، فى استعادة سنوية لهذا الدرس لعله ينفع الجميع ويصلح العلاقات والنوايا.
هى الرسالة السنوية التى يبدو أن كثيرين لا يستوعبونها، مثلما يستوعبها هؤلاء الذين يذهبون للحج بالفطرة، بحثا عن الغفران والتطهر، بعيدا عن أى ادعاءات بالتميز أو التعالى، العقائد نزلت لراحة وسعادة البشر، ولم تنزل لإشاعة الصراع والحروب والصراعات والأنانية، ويفترض أن يلتزم كل من يذهب إلى الحج أن يعود وقد غيّر حياته وسلوكه ومطامعه، لأن الغفران هنا مشروط بالنوايا، وليس فقط بالرغبة، وهنا درس يبقى للبشر حتى يكونوا أكثر تسامحا وامتثالا.