كانت ورقةُ الاتفاق جاهزةً؛ عندما قرَّر نتنياهو بإرادةٍ فرديّة أن يُضحِّى بحصيلة ثلاثة أشهر من المفاوضات، بين باريس والقاهرة والدوحة وتل أبيب. واليوم يُخرِج من قُبّعته مُقترَحًا جديدًا، ثمّ يستعينُ بالراعى الأمريكى ليُسوِّقه عَلنًا قبل أن ينضُج على طاولة الحوار. والحال أنَّ تغيير التكتيك يكشفُ عن قطبةٍ مخفيّة فى ثنايا الورقة، أو عدم ثقةٍ فى أنها تُلبِّى شروطَ الطرف الآخر، وتتوافر فيها العناصر اللازمة لإبرام الصفقة. كأنه يهربُ من ضغوط الداخل والخارج، بتمرير مُعالجةٍ مُكلَّلةٍ بالفشل الاستباقى؛ لا لشىءٍ إلَّا أنه لا يُريد التفاهُمَ فعلاً، أو فى أفضل الظروف يسعى للخروج رابحًا بمفرده، بعدما تعقَّدت اللعبةُ ولم يعُد مُتاحًا إلَّا أن يتقبّل كلُّ طرفٍ حَظَّه الكاملَ من الخسارة.
كان المُعتاد أن تُبحَثَ الأفكارُ وراء الجدران؛ فيتسرَّب بعضُها وتظلُّ البقيّة محلَّ جدلٍ. وإلى أن أُفشِلَت الجولةُ الأخيرة، لم تكن كلُّ بنودِها معلومةً للجميع. وهنا ما يُثير الريبةَ والتحفُّظ إزاء التصريح بمضمون الخطَّة الإسرائيلية، بعد أيّامٍ معدودةٍ من الإعلان عن إرسالها إلى الوسطاء، وقبل أن تأخُذَ مداها الواجبَ من التداول وتسجيل الملاحظات فى القنوات الخلفيّة.
لم يسبِقْ أن تحدَّث «بايدن» عن تفاصيل أىِّ مُقترَح للتهدئة، ولا خصَّص له وقتًا عريضًا للعرض الشامل، ناهيك عن أن يُقدِّمه باعتباره فُرصةً يتعيَّن على «حماس» اغتنامها، ثمّ يُلوِّح بتهديدٍ ضمنىٍّ من باب أنه الرئيسُ الأكثر التزامًا تجاه إسرائيل، والمعنى أنه إمَّا أن تشترى الفصائلُ الغزِّية بضاعتَه، أو تتحمَّل كُلفةَ انحيازه للاحتلال إلى أبعد مدىً مُمكن، وهكذا يبدو كأنه يُبشِّر بحوارٍ يُشبه الاستسلام، وبصيغة تفاوضٍ أقرب ما تكون إلى عَقد إذعان.
ظاهرُ الورقة لا يختلف كثيرًا عن سوابقها؛ إنما يكمُن الشيطانُ فى التفاصيل. يتوزَّع المُخطَّط الزمنى على ثلاث مراحل مثل نسخة باريس: تنصُّ الأُولى على وقف الحرب وتبادُل مجموعات من الأسرى والرهائن خلال ستة أسابيع، مع الانسحاب من المناطق المأهولة وتكثيف المساعدات، تليها الثانية فى ضوء التفاهمات ومُخرجات النقاش، لتُتَمِّمَ تحرير بقيّة الرهائن الأحياء وإكمال الانسحاب من القطاع، والثالثة تشمل بدء مسار الإعمار مع الشركاء الدوليين. يرى التصوُّر أنَّ الاتفاق على مُفردات كلِّ مرحلة تالية قد يستغرق أكثر من ستة أسابيع، ويُعلِّق مسألةَ استمرار التهدئة على انتظام الحوار والتزام حماس. والفخُّ أنّه لا يُرتِّب أيّة ضمانات عملية لوقف النار المُستدَام، ولا الانسحاب الكامل؛ بل الأمر أشبه بخطاب النوايا وحُسن الظنّ، مع ما يُتيحه من إمكانية انفلات الاحتلال من قيود الورقة، وإعادة تنشيط الحرب فى أيّة لحظة.
يُعزِّز من منسوب التوجُّس والارتياب؛ أنّ مكتب نتنياهو جدَّد تمسُّكَه بالحرب مُعلنًا فى وقت مُتزامنٍ أنها لم تنتهِ، ولا سبيلَ لإغلاق دفترها تمامًا إلَّا أن تُحقِّق أهدافَها المُعلنة، من تحرير الرهائن إلى إفناء حماس عسكريًّا وتنفيذيًّا. وأوّل التناقضات أنَّ التفاوض مع الحركة فيه إقرارٌ ضمنىٌّ ببقائها؛ ما يعنى أنَّ ثمّة أهدافًا خفيّة وراء الطرح المُعلَن، وأنه أقرب إلى جولةٍ خافتة من الصراع، وليس سعيًا حقيقيًّا إلى تهدئته. ولعلّ المقصود من إتاحة بنوده على الملأ أن يرفُضه الفلسطينيون، فلا يعود نتنياهو وحكومته مُتّهمين بتعطيل إعادة الأسرى، أو التشدُّد فى إبقاء الميدان مُشتعلاً لأغراضٍ شخصية وسُلطويّة. فكأنَّ الرئيسَ الأمريكى يلعب راضيًا دور البيدق على رقعة الحكومة الصهيونية المُتطرّفة؛ فإمَّا يُنجِز لهم اتّفاقًا يُؤمِّن مصالحهم كاملةً بمعزلٍ عن مصالح الآخرين، أو يغسل أياديهم من ذنب الانسداد واستمرار المقتلة.
قال بيان تل أبيب المُشار إليه، إنَّ الخطوط العريضة للورقة المُحدَّثة، بما فيها الانتقال المشروط من مرحلةٍ لأخرى، تضمن لها الحفاظ على مبادئها الأساسية بشأن الحرب، وجدَّدت الحكومة طرحَها أمس بتأكيد أنها لم تتراجع عن الأهداف السابقة. وإذا كان أحد المبادئ والأهداف أن تُهزَم «حماس» هزيمةً مُنكَرة؛ فلا أملَ فى ذلك إلَّا بإقرارها بالانكسار، أو باستمرار المواجهة الخشنة. وسبق أن تردَّد فى أروقة كابينت الحرب، ومن المحسوبين نظريًّا على الاعتدال بين تيّار الوسط والجنرالات المتقاعدين، أنّ بإمكانهم العودة للقتال فى أيّة لحظة؛ حال فرضت الضرورةُ ذلك، وقد يبدأ الاضطرار من رصاصةٍ طائشة تُطلقها إحدى الفصائل، أو من ظهور فِرَق حماس الإدارية فى الأسواق والشوارع. والخلاصةُ أنَّ الصهاينة سيذهبون للاتفاق على نِيّة نَقضِه، ولهم سوابق عديدة تفوقُ الحصرَ فى إفشال الصفقات والإخلال بالعهود. والحلّ أنْ تتكفَّل واشنطن بمهام الضامن؛ لكن «بايدن» بالطريقة التى أعلن بها البنودَ مساء الجمعة، وضع نفسه فى موضع الشريك المُتضامن مع الاحتلال، بأكثر من كونه ضامنًا أو وسيطًا نزيهًا.
ثغرةٌ أُخرى فى الورقة المقترحة؛ إذ يتضمَّن الاتفاقُ تكثيفَ دخول المساعدات لكلِّ أنحاء القطاع، بواقع 600 شاحنةٍ يوميًّا. ومع العطب الذى أصاب الرصيف البحرى الأمريكى، واستمرار إسرائيل فى إغلاق معابرها المُباشرة؛ فالأرجحُ أن يكون الرهان على معبر رفح. لكنّ القاهرة كانت واضحةً فى موقفها منذ التوغل جنوبًا مطلع مايو الماضى، وأكَّدت أنها لن تُنسِّق مع الاحتلال حالَ استمرار سيطرته على الجانب الفلسطينى من المعبر. والورقة إمَّا تستهدفُ الضغط إنسانيًّا وأخلاقيًّا على مصر، أو غسل أيدى الصهاينة من جريمة تجويع الغزِّيين. والواجب أن تتضمَّن فى نصوصها تفاصيل واضحة بشأن إعادة تموضع القوات المُنتشرة فى أنحاء رفح، وإخلاء طريق المساعدات لتتولّاه فِرَقٌ مصرية فلسطينية، أو يعود الاتحاد الأوروبى بموجب اتفاقية العام 2005 بعد «فكّ الارتباط». على أن يعى الجميع أنَّ منطقَ وَضع العصا فى العجلة، الذى يحترفه نتنياهو ويشجعه البيت الأبيض عليه، يقع عِبئُه بالضرورة على الطرفين، وليس على أىِّ فريقٍ آخر فى غزَّة أو خارجها.
عبَّرت «حماس» عن تلقِّيها الإيجابى لِمَا طرحه بايدن؛ لكنها سجَّلت مُلاحظاتها على التفاصيل العملية وما يخصُّ ضمانات الانسحاب والانتقال بين المراحل. ومهما كانت الأضرارُ التى طالت الحركة ومرافقها؛ فإنها قد تقبلُ اقتسامَ النصر أو الهزيمة مع الاحتلال، بينما لن توافق تحت أىِّ ظرفٍ على أن تخرُج خاسرةً بمُفردها. والحال أنَّ تبريد الجبهة صار احتياجًا مُلحًّا للطرفين، وللولايات المُتّحدة قبلهما؛ وبالتبعية يتعيَّن أن يُسدِّد كلُّ طرفٍ حِصّته من تكاليف الخروج من الأزمة. وإذا افترضنا أنَّ ثمّة خَطًّا حَرِجًا تتساوى عنده نتائج التهدئة والتسخين؛ فقد تجاوزته الفصائلُ الغزّيةُ بالفعل منذ اجتياح رفح على الأقل، بينما تتواصل خسائر الاحتلال وراعيه الأمريكى مع كلِّ يومٍ جديد؛ لا سيّما بالنظر إلى أعباء الصورة والضرر الأخلاقى والسياسى المُتصاعد، وأثر التحوُّلات الدولية وفى الداخل. باختصار؛ لن يثور الغزِّيون المُنهَكون على حماس، بينما تتأجَّج الأوضاع فى الشارعين العبرى والغربى، وتتآكل السردية الصهيونية؛ لدرجةٍ لن تعود معها صالحةً للاستهلاك فى أيّة جولة جديدة.
عرض «بايدن» الفكرة باعتبارها ورقةَ إسرائيل الجديدة للتهدئة؛ لكنّ الأخيرة حين علَّقت عليها قالت إنه بالنظر لمُقترَح الرئيس الأمريكى فإنَّ شُروطَها لم تتغيّر، وأردفت بأنَّ «المُوافقة على وقفٍ دائم لإطلاق النار قبل استيفاء الشروط فكرة غير مقبولة».. والأوَّل يُغازل المنكوبين فى غزّة بأنها فُرصةٌ لا تُفَوَّت، وحان وقت إنهاء الحرب، بحسب تعبيره، والثانية ترقص على حبلٍ أوّله مربوطٌ فى فوّهة دبابة وآخره فى قنبلةٍ أمريكية مُعدّة لتذخير طائرة أمريكية أيضًا.. والمشهد أقرب إلى توزيع أدوارٍ فى مسرحية مُجهَّزة سَلفًا؛ إذ لا يتجاسر سيّدُ البيت الأبيض على التبنِّى الصريح للخطّة حتى مع عوارها الذى يصب لصالح حليفته، بينما يغسل فوهرر تل أبيب يدَه منها قبل أن يجفَّ حِبرُها، والمقصود أن يدفعَ الآخرون السعرَ كاملاً مُقابل لا شىء، وأن تُهنْدَس جولةُ التفاوض على شرط الرجوع عنها وقتما يَعِنّ لنتنياهو، ومن دون التزاماتٍ يتقيّد بها أمام الخصوم والوسطاء، بل وحتى جمهوره المباشر. وهو من ناحيةٍ يسعى لامتصاص غضبة بينى جانتس والإفلات من مُهلته المشروطة بحدود الأسبوع المقبل، ويتحسَّب من استثارة شُركائه التوراتيِّين فى الائتلاف، ويُراوغهما معًا ليُفلِت برقبته، ويستبقى قيودَه المفروضة على اللعبة السياسية فى تل أبيب.
سيكونُ بمقدور الاحتلال أن ينخرطَ فى ورشةِ التهدئة وفقَ المُحدِّدات التى أعلنها بايدن، على أن يُنكِرَ التزامَه بها لاحقًا.. لقد منحها صِفةً أمريكيّة بمُجرَّد إعلانها من منصَّة البيت الأبيض؛ فكأنها صارت خيارَ الإدارة الديمقراطية وإسهامَها فى مبحث الهُدنة وصفقة التبادُل. وهكذا يبدو كما لو أنه يسعى لتطويق الفصائل، وإحراج الوسيطين العربيين، ووضع الثلاثة فى مواجهةٍ مع واشنطن. وفى الأخير؛ سيتقبَّل بعض البنود التى صاغها بنفسه وتُمثّل مصالحَه كيفما يراها، وسيتفلَّت من غيرها أو ما قد تفرضُه المُداولات المُرتقبة، على أن يقع عبءُ الإخفاق تلك المرَّة على كاهل الأمريكيين؛ فإمَّا أن يتقبَّلوا الفشلَ بكلِّ ما يُلقيه من تداعياتٍ على صورة الإمبراطورية الغاشمة واحتدام سباقها الرئاسى، أو أن يُفعّلوا ضغوطَهم على الجميع لتمرير الصفقة المُعتلّة حِفظًا لماء الوجه. باختصار؛ سيفشل بايدن، أو يربح نتنياهو، وفى الحالين لن تجنى غزَّة ما تحتاجه بعد ثمانية أشهر من القوَّة العارية والموت المُنفلت. صحيح أن حماس أحوج ما يكون للهدنة، لكنها ستجدُ نفسَها مُضطرّة لإفشال المُخطَّط الجديد، وملاقاة غريمها الليكودى عند غايته المُضمرَة كما جرت العادة؛ إذ لن يعنى نجاحُه إلّا أنها ستبتلعُ مرارةَ الحرب كاملةً، دون أن تحجز كُرسيًّا مع المُحتفلين بإخماد النار.
علينا التفريق بين مسألتين مُهمّتين: احتياج التهدئة، والرغبة الصادقة فى الوصول إليها. لقد آل المشهدُ لمُعضلةٍ تفرضُ تفكيكَ المتاريس بأسرع ما يكون، وفى ضوء ذلك تصلُح الورقُة الجديدة؛ رغم ثغراتها، فى تحصيل المطلوب، بالضبط كما كانت الأفكارُ السابقة كلُّها صالحةً للنفاذ من ثُقب الإبرة باتجاه براح التسوية بعقلٍ بارد. وما حدث؛ أن نتنياهو لا يُريد تصفية الحرب الآن، ويُخفى قوميّته الجارحة وراء نسخةٍ توراتيّة أشدّ تطرُّفًا، يتبرَّع فيها بن جفير وسموتريتش بتعكير الأجواء، وعليه فالعِلّة أصلاً أنه يرفض الانسحابَ من الميدان قبل أن يُرتِّب الأوضاع فى بيئته الداخلية، وهى آخذةٌ فى التصاعُد بدلاً من الخفوت؛ لهذا فإنَّ أىَّ مُقترَحٍ مهما بدا منطقيًّا ومُقنعًا للجميع، لن يجد مسارًا إلى التطبيق وفق التركيبة القائمة حاليًا فى تل أبيب. سيطرحون أفكارَهم ويتداولون فى أفكار الآخرين، وسيزيدُ رئيسُ الحكومة صلاحيات وفد التفاوض ثمَّ يُقلِّصها، أو يظل مُحتفظًا بالتوقيع النهائى و»حق الفيتو» كما كانت الحال طوال الشهور الماضية. وهو إذ يُعيد إنتاجَ اللعبة نفسها مرارًا وتكرارًا؛ فقد احتاج فى تلك المرَّة أن يُخرج الأرنبَ من قبّعة السيد بايدن، كتغييرٍ لشخص المُهرِّج عِوضًا عن رتابة الفقرة، وثبات تفاصيلها التى لم تعُد صالحة للإقناع أو الإضحاك.
يبدو «بايدن» عاجزًا تمامًا عن إحداث أىِّ أثرٍ مُثمر. إنه من ناحيةٍ يلتزمُ بأهداف إسرائيل العُليا كصهيونىٍّ مُخلص، حسبما يُعرِّف نفسه دائمًا، ورغم حاجته لتطويع نتنياهو، وترويض جنونه المُهدِّد بإنزال هزائم ثقيلة بالفكرة الصهيونية نفسها، مع مخاطر ذلك على حظوظه الانتخابية فى غضون خمسة أشهر؛ فإنه أضعفُ عاطفيًّا وماديًّا من إملاء شروطه، حتى لو كانت اضطراريّةً وفى صالح تل أبيب. ومع استيعاب تركيبة الضغوط الواقعة عليه من داخل إدارته وخارجها؛ فلا مُبرِّرَ لأن يتخلَّى عن مزايا الوجه الامبراطورى القادر على إنفاذ إرادته؛ ليصير مُجرَّد رصاصة تحت الطلب فى بندقية نتنياهو. ولا أن يتعامى عن الكُلفة الباهظة لإعادة تموضعه فى سياق المشهد؛ فيتحوَّل من حَكَمٍ مُراوغ إلى لاعبٍ صريح؛ إذ الإخفاقُ المُؤكَّدُ سيمسُّ جدارةَ موقعه كسُلطةٍ عُليا للنظام الدولى الذى دشّنته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية، وسيُظهِره على صورة المُقصِّر فى إنقاذ الصهاينة من أنفسهم، وتجنيبهم ارتدادات الاستفاقة العالمية المُتمدِّدة فى شرايين الحكومات والمرافق الأُمَميّة. كان المُعتاد أن تفرض واشنطن شروطَها على أيّة لعبةٍ تخوضها؛ أمَّا اليوم فيبدو سيِّدُها خاضعًا لإملاءات الحليف الصغير، أو أُلعوبةً فى يده، وكلَّما تفانى فى تأكيد إخلاصه، أُجبِرَ على المزيد.
أبدت مصرُ انفتاحًا على المُقترح الجديد، وتحتضنُ اليومَ اجتماعًا لبحث المسائل المُتعلّقة بتشغيل معبر رفح؛ على شرطِها السابق فى أنه لن يكون بالتنسيق مع إسرائيل، وإمَّا أن يجرى باتّفاقٍ مصرى فلسطينى محض، أو من خلال صيغةٍ دولية؛ المهمّ هنا أن يتنحّى الاحتلال، وينسحب من جانبه الآخر بشكلٍ كامل.. كما أكَّدت القاهرةُ تكثيف جهودها من أجل العودة للمفاوضات فى ضوء الطرح الأخير، والواقع أنها لن تدوسَ اللغمَ المخبوء فى الورقة، ولن تمنح الصهاينة المُتطرِّفين ما يُلصقون به الإفشالَ المُتكرِّر بأىِّ طرفٍ غير نتنياهو وحُلفائه.
وسيكون على «حماس» أن تتجاوب بآليّةٍ فعّالة، وألَّا تُطلق الطلقةَ الأُولى؛ إذ فى كلِّ الأحوال لن تصمُدَ الأفكارُ الليكودية طويلاً؛ بالنظر لعُمق الخلافات داخل الكابينت ومجلس الحرب، واقتراب مُهلة «معسكر الدولة» من النفاد، وتصعيد لُغة لابيد وبقيّة المعارضة، بل احتدام الدراما بالإعلان عن مشروع قانون لحلّ الحكومة، بينما يقف التوراتيّون على حافة نقض الائتلاف بمجرّد أن تسكت البنادق؛ ولو على شروطهم.. الأغلبُ أنّ الجولة لن تُفضى لشىءٍ ملموس؛ إنما سيأخذها العرب بحقِّها إلى النهاية، بينما سيكون الخاسرُ الأكبر فيها «بايدن»، وقد صار نائبًا عن نتنياهو فى جنونه، ومُلزَمًا وحده بالاختيار بين فاتورتين: عار العجز عن لَجم الذئاب الهائجة فى تل أبيب، أو شَنار الاستئساد على الحِملان النازفة فى غزّة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة