سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 يونيو 1896 .. الخديو عباس الثانى يتلقى تقريرا عن ثورة طلاب رواق الشام بالأزهر لرفضهم نقل زميلهم المصاب بالكوليرا إلى المستشفى

الأحد، 02 يونيو 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 يونيو 1896 .. الخديو عباس الثانى يتلقى تقريرا عن ثورة طلاب رواق الشام بالأزهر لرفضهم نقل زميلهم المصاب بالكوليرا إلى المستشفى الخديوى عباس الثانى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كانت الساعة التاسعة وأربعين ودقيقة صباح يوم 1 يونيو 1896 حين تلقى معاون بوليس قسم الدرب الأحمر بوجود إصابة فى أحد طلبة الأزهر برواق الشام بوباء الكوليرا، فأخطر طبيب الصحة الدكتور رضوان زيور، وانتقل معه إلى مكان المصاب بالرواق نحو الساعة العاشرة، ولم يكد الطبيب يجرى الكشف على الطالب حتى اتضح أن الإصابة من النوع الوبائى الخطير، وأنه يجب نقله حالا إلى المستشفى وعزله عن باقى زملائه منعا لتفشى العدوى بينهم، وكان الطلبة وقتذاك قد تجمعوا حول المكان الذى وقف فيه الطبيب المعاون ورفضوا بحجة أن مصابا قبله نقل أيضا ولقى حتفه، وعلى أثر ذلك وقعت اشتباكات بين الطلاب والبوليس، حسبما يذكر محمود كامل «المحامى بالنقض والإبرام» فى كتابه «أشهر القضايا المصرية».


اشتهرت هذه الحادثة بوصف «ثورة طلاب رواق الشام فى الأزهر»، وجرت وقائعها أثناء إصابة مصر بوباء الكوليرا الذى انتقل إليها من بعض الأقطار الشرقية، ويصف محمود كامل ما جرى فى مصر بسببه، قائلا: «فتكت بالأهالى فتكا ذريعا حتى بلغت الوفيات نسبة لم يكن لمصر عهدا بها من قبل، لذلك اضطرت مصلحة الصحة إلى اتخاذ تدابير سريعة قاسية للمحافظة على الأهالى الأصحاء من عدوى الذين ماتوا فريسة الوباء، وازدحمت المقابر بجثث الموتى فضاقت بها على رحبها وعجز «الحانوتية» عن غسل الموتى، فكانوا يدفنونهم بدون الغسل المعتاد، واحتج بعض المسلمين على ذلك، فأفتى فضيلة شيخ الجامع الأزهر بوجوب إتمام الإجراءات الشرعية قبل الدفن».


يستكمل محمود كامل ماجرى من طلبة رواق الشام، قائلا، إن الطلبة رفضوا قرار الطبيب بنقل زميلهم إلى المستشفى، وعرضوا استعدادهم للعناية به حتى يشفى، وصاح أحدهم ويدعى إبراهيم الدباغ بصوت عال «لن نسمح لكم بنقل المريض من هنا مهما وصلت الدرجة ولو ذهبت أرواحنا جميعا»، وصاح طالب آخر: لا يمكن نقل المريض مهما وصلت الدرجة، وألقى هذه الكلمة فى لهجة حماسية، فصفق له الطلبة الباقون تصفيقا شديدا، وبدأت تظهر على الطلبة المحتشدين أمارات التمرد.


كان الخديو عباس الثانى فى الإسكندرية، وبرفقته أحمد شفيق باشا رئيس ديوانه الذى يذكر هذه الأحداث فى الجزء الثانى من مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»، قائلا، إنه فى 2 يونيو، مثل هذا اليوم، 1896، ورد على السراى من ناظر الداخلية نبأ خطير خلاصته: أن أحد طلبة رواق الشام فى الأزهر، أصيب بالكوليرا، وأراد رجال الصحة نقله من الرواق فأبى رفاقه تسليمه، واستمروا فى المقاومة والصخب حتى توجه المحافظ ماهر باشا والد السياسيين الشهيرين على ماهر باشا وأحمد ماهر باشا، وبعض رجاله، فاعتدوا عليهم ورموهم بالحجارة، فأصيب المحافظ ووكيل الحكمدار وبعض ضباط البوليس بإصابات مختلفة، وتوجه الحكمدار بقوة، وأمر بإطلاق الرصاص على الطلبة داخل الجامع فقتل واحدا وجرح أربعة.


يضيف «شفيق»، أن ناظر الداخلية كلف المحافظ وشيخ الأزهر بتقديم تقرير عن الحادثة، فكان أهم ما جاء فى تقرير المحافظ: «أنه بعد ضرب الطلبة له وللبوليس بشكل شنيع والاستمرار فى إلقاء الأحجار لم يعد هناك مجال لاستعمال اللين، لأنه يعتبر فى هذه الحالة ضعفا، وتكون نتيجته ضارة بالأحوال الصحية والأمن العام»، وقال شيخ الأزهر فى تقريره، إن الأمر لم يبلغه إلا بعد هياج الطلبة فذهب إلى المحافظة لإخبار المحافظ، إذ أنه يعرف أن المجاورين فى مثل هذه الظروف لا يوقرون أحدا، فلم يستطع التدخل، ولما ذهب للمحافظة وجد المحافظ قد سبقه إلى الأزهر فعاد ليجد الحادثة انتهت بإطلاق الرصاص.


اجتمع مجلس النظار، ودرس التقريرين المشار إليهما وقرر الإنعام بالنيشان العثمانى على المحافظ ماهر باشا، وتعطيل رواق الشام سنة كاملة، ونفى ستين طالبا منه، ويذكر محمود كامل أن النيابة العامة قررت محاكمة 14 طالبا، وفى 11 يونيو عام 1896 عرضت القضية على محكمة السيدة زينب، فقضت ببراءة اثنين، وحبس ثلاثة طلاب فارين سنتين، وستة أشهر لإبراهيم الدباغ، ومحمد رفوت، بتهمة قذف وسب المحافظ علنا، وستة أشهر حبس لسبعة آخرين بتهمتىّ قذف المحافظ ومعاون البوليس.


فى تناوله لهذه الحادثة، يرى الدكتور يونان لبيب رزق، فى القسم الأول بالمجلد الثالث من «الأهرام ديوان الحياة المعاصرة»: «الأشد من الحكم الذى صدر فى حق أبناء رواق الشام كان الحكم على دور الأزهر فى العالم الإسلامي، فلعله من المرات القليلة جدا فى تاريخ الجامعة العتيدة التى تقوم خلالها السلطة المركزية بتعطيل دور الجامع المعمور فى هذا العالم، حتى لو كان تعطيلا موقوتا، ويقينا فإن هذا الإجراء أزعج كثيرا ممن يحرصون على هذا الدور، والتمسوا من الخديو أن يعفو عن الطلاب الذين نفوا.


يذكر شفيق باشا، أنه فى أول أبريل 1897 صدر الأمر بإعادة فتح رواق الشام والسماح بعودة من كانوا قد نفوا إلى خارج القطر، وكذلك بالعفو عن المحكوم عليهم بالسجن.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة