الانحياز الأمريكى لإسرائيل واضح حتى فى الشراكة لتهديد المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية، لإثنائهما عن نظر القضايا والاتهامات الموجهة للاحتلال، ويبدو نوعا من المفارقة أن إسرائيل التى تتلبسها حالة من غرور القوة، وترفض الانصياع إلى القانون الدولى، أو الأعراف والإنسانية أنها تخشى من الحملات السلمية المتواصلة والتى تتزايد فى العالم ضد الاحتلال والعمليات الهمجية والإبادة وجرائم الحرب فى غزة، وهو خوف لا يتماشى مع تهديد إسبانيا، والدول التى تعترف بالدولة الفلسطينية، أو توجيه تهديدات إلى المحكمة الجنائية الدولية فى الوقت الذى تعلن فيه استهانتها بهذه الاتهامات أو المحاكمات، وفى الوقت ذاته تعلن خوفها وتهدد وتتجسس على المحكمة الجنائية، وهو ما تعتبره المحكمة الدولية جرائم ضد العدالة تستلزم المحاسبة.
وفى الوقت نفسه، كشفت الدعوى المرفوعة أمام «العدل الدولية» أو «الجنائية الدولية» مدى الازدواجية والانحياز الأمريكى فى كل المجالات، فالولايات المتحدة التى صفقت وأيدت أحكاما وقرارات سابقة لـ«الجنائية الدولية» هى نفسها ترفض وتعارض المحكمة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وحرب الإبادة التى تشنها على غزة، وأعلن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن أنه سيعمل مع المشرعين الأمريكيين لبحث إمكانية فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، بعد إعلان إصدار أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبار، ومن حماس، أيضا بالرغم من أن أمريكا أيدت قرارات المحكمة ضد روسيا مثلا، وهذه هى المفارقات التى تكشف ضعف الحجج الأمريكية وتضر بقضايا حقوق الإنسان لأنها تتحول الى قضايا يمكن توظيفها وتفصيلها ضد الخصوم فقط، أما إسرائيل فهى محكمة بكل الطرق وهو أمر يصل إلى حد أن إسرائيل تبتز الولايات المتحدة ومرشحيها كل لحظة لتجبرهم على تأييد حروبها وجرائمها ضد الأطفال والنساء.
فقد استخدمت الولايات المتحدة الفيتو مرات لوقف أى قرار يوقف الحرب، ومع هذا فقد بدا الرئيس الأمريكى جو بايدن مرات رافضا لتحركات نتنياهو، وحذره من اجتياح رفح، بل وصف رئيس وزراء الاحتلال بأنه خطر على إسرائيل، وتلقى بايدن تحذيرات ومطالب من نواب ديموقراطيين يحذرون من استمرار مساعدة نتنياهو وآلة الحرب على غزة، لكن نتنياهو رفض بل ودخل فى سياق ابتزاز لبايدن مستغلا الانتخابات القادمة والتى عادة ما تمثل مجالا للابتزاز السياسى، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب، والواقع أن الديموقراطيين والجمهوريين كلاهما يدعم إسرائيل ويساندها فى حروبها، خاصة فى هذه المواسم التى ينشط فيها اللوبى الصهيونى داخل الولايات المتحدة، لهذا يبدو الرئيس بايدن مترددا بين التحذيرات التى يوجهها لنتنياهو تارة، والصمت وتأكيد أن الولايات المتحدة تساند إسرائيل طوال الوقت وتحمى أمنها.
ولم تكن إسرائيل تستطيع مواصلة حربها العدوانية لأكثر من أسبوع لو لم تتدفق عليها الأموال والأسلحة الأمريكية طوال هذه الشهور، وبالرغم من ذلك فإن الاقتصاد الإسرائيلى واجه انهيارا تاما، يستدعى المحاسبة.
ولعل السياسة والانتخابات هى التى دفعت الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى إعادة تقديم المشروع وقف إطلاق النار الذى سبق وقدمته مصر وتم التوافق عليه وأفسده نتنياهو، فقد أعاد بايدن طرحه من جديد والسبب هو اقتراب الانتخابات وطموح بايدن والديموقراطيين فى فترة رئاسية جديدة فى مواجهة غريمه الرئيس السابق دونالد ترامب، الذى واجه 34 تهمة أمام «المحاكم الجنائية»، لن تمنعه من خوض الانتخابات، وينافس بايدن فى إعلان تأييد إسرائيل.
بايدن واجه تراجعا فى استطلاعات الرأى بسبب مواقفه المترددة وعجزه عن التوصل لحل، وهو ما دفعه للسعى الى إنجاز صفقة تنتهى بوقف الحرب، رهانا على ربح بعض النقاط، المشروع الذى يقدمه بايدن ينتهى بوقف الحرب وانسحاب الاحتلال وتبادل المحتجزين والأسرى، وهو نفس المشروع المصرى، الذى زعم الاحتلال بأنه تم تغييره، ويعيد الرئيس الأمريكى بايدن طرحه، كاشفا عن تهافت الموقف الإسرائيلى، وتردد الموقف الأمريكى، وكان يمكن اختصار أسابيع من حرب لم تسفر عن نتائج أو مكاسب لنتنياهو، لكنها تضاعف من أزمته فى حرب بل أفق ولا انتصارات فى حرب المأزومين، بايدن يسابق فى الانتخابات، ونتنياهو أيضا يواجه انتخابات يعرف أنه سوف يخسر فيها ويحاكم.
عدد اليوم السابع