كلما طال أمد الحرب فى غزة، ابتعد نتنياهو عن تحقيق انتصارات، ومع هذا يستمر فى الحرب انتظارا لنتائج لم تتحقق لأكثر من 8 أشهر، كل ما يتحقق فى الواقع هو قتل المزيد من الأطفال والنساء وتدمير المنازل وما تبقى من مستشفيات وأخيرا إعلان تدمير معبر رفح من الجهة الفلسطينية، وهو دليل جديد على حرب الإبادة والتطهير العرقى والتجويع التى يشنها نتنياهو رهانا على المزيد من الدمار.
التحركات العسكرية تنفى أى نية فى إدخال المساعدات والمواد الإنسانية، بالرغم من تزايد الانقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية وأيضاً داخل المجتمع الإسرائيلى.
هذه الانقسامات تشير إلى تغيير منتظر فى سياق الصراع بعد سنوات من الجمود، وينتظر أن يكون عاكسا للتحولات والتغييرات بشكل يتجاوز ما كان قبل 7 أكتوبر، حتى فيما يتعلق بالعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل أو بشكل أدق مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته ومن سيأتى بعده فى حال خروجه ومغادرة السياسة، العلاقة بين إدارة الرئيس بايدن والاحتلال شهدت تغيرات على مدى الشهور صعودا وهبوطا، من دعم كامل إلى خلافات بعضها علنى والآخر مكتوم، وصولا إلى حالة من الارتباك ورهان نتنياهو على الانتخابات لفرض شروطه .
فى البداية أعلنت إدارة الرئيس بايدن دعمها لحرب نتنياهو، وواجه ضغوطا ومطالب من داخل إدارته وأيضا من الديمقراطيين للتدخل وخفض استهداف المدنيين، ثم حديث عن هدنة أو وقف لإطلاق النار، تعثر مرات بعد رفض نتنياهو، وأخيرا مشروع بايدن لتبادل المحتجزين وإنهاء الحرب والذى رفضه نتنياهو، واضطر بايدن لإرساله إلى مجلس الأمن ولا يزال بالرغم من صدور قرار من المجلس بعيدا عن التنفيذ.
وخلال الشهور المتتالية واجه الرئيس الأمريكى مواقف مختلفة كشفت عن تردد أحيانا وارتباك فى أحيان أخرى، حيث تظهر أحيانا الاختلافات فى المواقف بين الادارة الأمريكية وحكومة نتنياهو، لكنها تبقى فى سياق التحالف، على العكس من بعض التغير فى مواقف دول كانت تدعم الاحتلال وأصبحت تتردد فى استمرار الدعم أو تشهد تحركات ومظاهرات تدفعها إلى مواقف أقل تطرفا، بجانب ظهور قرائن ووقائع تنفى ادعاءات إسرائيل أنها مستهدفة بلا سبب حيث مارس الاحتلال على مدى الشهور الثمانية أشكالا من العنف والإبادة نقلتها الصور والفيديوهات إلى العالم وغيرت حجم وشكل التعاطف فى المجتمعات الغربية مع القضية الفلسطينية، كما أنها كشفت عن فروق بين الأطراف المختلفة حتى فى الجانب الفلسطينى.
هذه التفاصيل تكشفت فى دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية والتى تتهم فيها إسرائيل بشن حرب إبادة وتصفية عرقية.
ومثلت دعوى العدل الدولية وقرارات المحكمة الجنائية الدولية تطورا مهما فى شكل التعامل مع القضية الفلسطينية، باتجاه وجود طرق وسياقات جديدة من شأنها أن تمثل نوافذ جديدة لشرح وتوضيح وإن كانت تطورات كمية لم تنتج تحولا كيفيا بعد فى السياق، وربما يكون من نتائج هذه الحرب أنها يفترض أن تقود لعدم تكرار هذه الحرب العدوانية التى يشنها الاحتلال متجاوزا كل القوانين والأعراف الدولية بل ورفض تنفيذ عدد من قرارات دولية بشأن وقف الحرب التى طالت ومثلت أحد أكثر حروب الإبادة عنفا وعنصرية.
الحرب بقدر ما كشفت عن ارتفاع حجم وشكل التيارات المتطرفة داخل الاحتلال ، فهى أيضا كشفت عن إمكانية تطوير العمل الفلسطينى فى مواجهة الاحتلال، وهو تحول يستدعى تغييرا فى تكتيكات واستراتيجيات العمل الفلسطينى، بما يتناسب مع التحولات التى يشهدها العالم الآن، مع الاستفادة من التعاطف من دول ومجتمعات غربية بجانب الدول المتعاطفة طبيعيا وإنسانيا مع القضية الفلسطينية.
وهذه التحركات الفلسطينية تتطلب إعادة التقارب وبناء العلاقات الفلسطينية/الفلسطينية، والاستماع إلى الأصوات التى تدعو للمصالحة بين الفصائل، وهو جهد قامت به مصر ولا تزال تدعمه، وهو السبيل الأفضل لعودة الوحدة الفلسطينية التى كانت أكثر أدوات مواجهة الاحتلال نجاحا، وهى التى ضمنت الخطوات المهمة فى تحقيق بذرة الدولة الفلسطينية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة