أدى زخم الإقبال على مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف ألوانها إلى سعي كثير من مستخدميها في الحصول على معلوماتهم بغض النظر عن نوعيتها، بل واكتساب الخبرات وما ترتبط بها من معارف ووجدانيات تغير من سلوك الأفراد والمجتمع، وهذا ما جعلها هدفًا في تحقيق مآرب لذوي الأجندات البغيضة؛ حيث يسهل بث سمومهم عبر منابر تلك المواقع بصورة عديدة، سواءً أكانت مرئية أم مسموعة أم مكتوبة.
ونظرًا لدور منصات التواصل الاجتماعي الفاعل في إقناع روادها بطرائق واستراتيجيات متغيرة تجاه بعض القضية محل الاهتمام والتناول، بل إن هناك مهارات تقنية نوعية تساعد في استهداف شرائح مجتمعية بالملايين؛ بغرض خلق حالة من الارتباك، أو إعادة تشكيل للرأي العام، أو بث الفتن لتفكيك لحمة مجتمع ما بما يحدث النزاع الذي يصل في كثير من الأحيان لحد الاقتتال، أو بغرض هدم النسق القيمي الذي تقوم عليه المجتمعات، أو بسبب خصومات سياسية ترقى لحد التناحر ومحاولات التفرقة كي تنفصل الشعوب عن حكوماتها وحكامها.
ومن المؤسف أن تتبنى جماعات، أو مؤسسات، أو دول فكرة التشوية باستخدام ما يسمى بالكتائب الإلكترونية؛ حيث تدشن حسابات وهمية يديرها مجموعة منظمة تعمل على بث أفكار أو تناول أخبار ومعلومات بطريقة تشغل الرأي العام وتحدث نوع من جذب الانتباه لدى الكثيرين، وتكمن الغاية الرئيسة من إنشاء هذه الكتائب في تحقيق أهداف سياسية على وجه التحديد، قد يتلوها تغيرات في المجالات الأخرى خاصة الاقتصادية والاجتماعية منها، وقد يؤثر على النسق القيمي للمجتمع ويحدد مسارات تفكيره.
ويستخدم المستعبدون من منتسبي اللجان أو الكتائب الإلكترونية حسابات آلية مبرمجة تساعد في إعادة نشر المحتوى المستهدف في أوقات متعددة ومختلفة؛ لضمان شيوعها بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن فلسفة إعادة النشر لأكاذيب وافتراءات ومحتوى مزيف تربك تفكير المتلقي؛ فمع مرور الوقت وكثرة المشاهدة يحدث تقبلًا لها؛ بالإضافة لانتشارها ونقلها عبر كافة مواقع التواصل الاجتماعي وتعددية تناولها.
ونشير إلى أن الكتائب الإلكترونية لا تتورع عن النيل من أي شخص مهما علا قدره ومقداره، واستيضاح عطاءه وكفاحه من أجل خدمة الآخرين، ومن ثم فاحت سيرته العطرة؛ فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، والمقدرة على تلفيق التهم والتشهير عالية الكفاءة، ولقد عانينا في فترة منصرمة بعد زوال حكم الجماعة المحظورة من تفاقهم الممارسات غير السوية من خلال التشويه الممنهج عبر مواقع التواصل الاجتماعي لكثير من رموز الدولة الشرفاء وعلى القلب منهم قائد المسيرة، وهذه المنهجية مازالت قيد العمل بكل أسف ليس من خلال قنواتهم الممولة وإعلاميهم غير المهنيين فقط؛ لكن بثقل عمل تلك الكتائب لما تحدثه من أثر فعال على مواقع التواصل الاجتماعي المفتوحة.
وحري بالكر أن موجهات قطيع الكتائب الإلكترونية تأتي من منابع أصحاب الغايات الكبرى، وفي مقدمتهم من يسمون أنفسهم بالمناهضين، أو الباحثين عن حرية البلاد والعباد، وهم في الأصل يستخدمون كافة الأدوات والمسارات غير الأخلاقية في الوصول لمخططاتهم؛ فلا ضير أن يتعامل مع العدو اليوم ضد وطنه من أجل الحيازة والسيطرة، ولا مانع من أن يفرط في مقدرات الدولة مقابل تبوأه كرسي الحكم؛ لذا أضحت الرسائل التي يبثها المستعبدون لبنة تلك الكتائب لا تحمل إلا خطاب تعضيد الكراهية، ومحالات فت العضد، وسياسة فقد الثقة في الدولة ومن يقومون على إدارة شئونها، بل ومؤسساتها الوطنية.
ومن ممارساتهم غير الحميدة انتهاج سياسة الاستمالة حتى تستقطب مناصرين لأفكارهم المشوهة، ثم يتلو ذلك منهجية التحذير والسب والقذف والتخويف والتهديد، وهذه بالطبع أساليب رخيصة، لا يتبعها من يمتلك الخلق الكريم؛ فقد غاب عن هذه الكتائب ضمير ووازع القيم النبيلة التي تحض على حسن القول وطيب الكلم والحوار البناء الذي يقوم على الإيجابية فيظهر مواطن الضعف ثم يقترح لها علاجًا، ويعلن نقاط القوة فيقدم التعزيز.
ورسالة نوجهها للمستعبدين، نقولها بلسان مبين: إن حرية التعبير يتوجب أن تكون على قدر المسئولية؛ فالكلمة أمانة، وفكر العقل القويم يؤسس على أن نمتلك مقدمات صحيحة وفرضيات مدروسة لنصل لنتائج سليمة؛ فمن يسعى لتنمية الوعي في صورته الصحيحة التي تجعل الإنسان إيجابيًا معطاءً متفاعلًا محبًا للعمل راغبًا في الشراكة، ليس كمن يهرول ليشوه وعي شعوب وأمم بغرض مكاسب مقيتة؛ فما تقدموه من أفكار ومحتوى هابط يثير في النفس الاشمئزاز ويجعل البعض يصاب بالإحباط ولا يرغب في مشاركة أو إنتاجية؛ فهذا عين الفساد ومكنونه.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.