بالرغم من أن المواجهة بين إسرائيل وحزب الله ظلت طوال الأشهر التسعة فى الإطار المحكوم برغبة فى عدم توسيع الصراع، فإن الأمر يتخذ فى كل فترة خطوات تنذر باحتمالات قوية لاتساع النزاع وبدء حرب تعرض المنطقة لتهديدات إضافية، التصعيد فى الواقع بدأ مع تصريحات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو فى الخامس من يونيو من مستوطنة كريات شمونة المحاذية للحدود اللبنانية «بالأمس احترقت الأرض هنا.. لكن الأرض احترقت فى لبنان أيضا»، وأضاف: «نحن مستعدون لعملية قوية جدا فى الشمال».
مع هذا بقيت العمليات متبادلة تقصف إسرائيل مناطق فى الجنوب ويرد حزب الله بالقذائف والصواريخ، فى مناطق بشمال إسرائيل، ثم إن حزب الله نشر مشاهد مصورة من استطلاع جوى لمناطق فى شمال إسرائيل، وعادت بها طائرات «الهدهد» المسيرة، وتضمنت مشاهد جوية لمدينة حيفا تُظهر مجمع الصناعات العسكرية - شركة «رافائيل»، ومنطقة ميناء حيفا التى تضم قاعدة حيفا العسكرية، وهى القاعدة البحرية الأساسية فى الجيش الإسرائيلى، وميناء حيفا المدنى، ومحطة كهرباء حيفا، ومطار حيفا، وخزانات نفط، ومنشآت بتروكيميائية.
وهو ما اعتبره وزير الدفاع الأمريكى الأسبق مارك إسبر تهديدا لإسرائيل، حيث قال إسبر فى مقابلة مع شبكة «سى إن إن»: «أنا قلق جدا حيال ذلك، حيث نشهد تصعيدا حقيقيا من الناحية الخطابية، وأن إرسال حزب الله الطائرات المسيرة على إسرائيل ومحيط مدينة حيفا، كان تهديدا وإنذارا واضحا بأنهم يمكنهم مراقبتنا، وبناء عليه استهدافنا، من المهم وضع ذلك فى عين الاعتبار، خصوصا أننا نعلم أن حزب الله صنع أكثر 150 ألف صاروخ وقذيفة، ويمكنه إحداث ضرر لكل إسرائيل تقريبا».
ومع ثبات تبادل الضربات، فقد تصاعدت احتمالات التصعيد واشتعال الحرب، بالرغم من استمرار مساع لدول غربية وإقليمية تسعى لوقف التصعيد، بجانب تحذيرات من داخل إسرائيل، لجنرالات سابقين، يرون خطر توسيع الصراع، أو إشعال حرب مع حزب الله، بينما صدرت إعلانات من داخل الجيش الإسرائيلى حول تصديقات على خطط هجومية أو استعدادات لهجوم أوسع، ومع هذا فقد استبعد محللون أن تكون هناك جدية، خاصة أن هذه التحركات قد لا تكون مأمونة الجوانب والنتائج، وأنها أقرب إلى استعراضات للقوة، يحاول فيها نتنياهو الإيحاء بأنه يخوض حروبا على جبهات متعددة بينما هو عاجز عن تحقيق نتائج واضحة باستثناء قتل المدنيين فى غزة.
ويرى محللون دليلا على أن التصعيد من جهة نتنياهو هو نوع من الضغط على الولايات المتحدة للحصول على مزيد من الأسلحة وبالفعل فقد قال نتنياهو فى تصريحات إن إعاقة إرسال الأسلحة لإسرائيل لن يؤدى إلا إلى تقريب الحرب الشاملة مع «حزب الله»، فى حين حذرت الإدارة والخارجية الأمريكية، لكن بقيت المواقف الأمريكية أيضا واقعة فى مستوى من الارتباك أو الازدواجية، ففى حين صرح بايدن أن الولايات المتحدة تدعم حرب إسرائيل فى لبنان فقد تم إرسال مبعوث الرئيس الأمريكى عاموس هوكشتاين إلى إسرائيل، من بيروت، حيث عقد اجتماعا مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وأطلعه على تفاصيل اجتماعاته مع كبار المسؤولين فى لبنان، والرامية إلى خفض التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، ومنع تحول الاشتباكات المُتصاعدة إلى حرب، لكن المبعوث الأمريكى لم يصل إلى حل، ونفس الأمر فيما يتعلق بجولات واتصالات وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن.
ويرى محللون أن تردد الإدارة الأمريكية بين تأكيد دعم إسرائيل والدعوة إلى عدم انزلاق جبهة لبنان إلى حرب، هو تردد متواصل طوال شهور بالحرب على غزة، بل وربما ساهم فى إطالة أمد الحرب، وشجع الاحتلال على التصعيد، وهو أمر يتعلق بموسم الانتخابات الذى يجيد اليمين الإسرائيلى توظيفه، بل وربما يكون هو أحد الأسباب التى ساهمت فى تراجع أسهم بايدن فى مواجهة خصمه ترامب، والذى يدعم هو الآخر إسرائيل، لكنه يقدم نفسه فى صورة أكثر حسما وتماسكا.
لكن هذه المواقف المترددة والمتناقضة لإدارة الرئيس جو بايدن، تساهم فى إطالة الحرب على غزة، ولا تمنع اتساع الصراع، حيث تبقى احتمالات الحرب قائمة وأيضا احتمالات استمرار المناوشات والمناورات التى تحمل أهدافا سياسية أكثر منها عسكرية.