عادت بي الذاكرة في إحدي الندوات الثقافية وكنت أتحدث عن أهمية التربية الإعلامية… فقال لي أحد الحضور " تربية ؟ هل نحن ينقصنا تربية لا سمح الله " ؟! صدمني السؤال الاستنكاري رغم افتراضي حسن نيته ، ولكنه كشف علي إن العقل المصري في أزمة حقيقية وهو مريض يحتاج علاج وأول هذه الازمات هو عدم اعترافنا بالمرض ، حيث لا زال البعض لا يعلم أن التعامل مع الإعلام الرقمي له مهارات إجبارية يجب الوعي بها وتعليمها والتدرب عليها والتربية علي مفهومها والا وضع نفسه في كوارث كبري قد تمس بعضها الأمن القومي للبلاد وحماية الوطن وتحصينه من آية أخبار مضللة وشائعات كاذبة متعمدة الاضرار به يتم انتشارها مثل النار في الهشيم وتمس المجتمع كله.
و أتحدث هنا عن مفهوم التربية الإعلامية بمعناه المبسط بمعني أن الفرد يتعلم كيف يتعامل مع وسائل الاعلام والرقمية منها خاصة من خلال امتلاك مهارات لكيفية هذا التعامل بوعي ونقد بدلا من أن يتورط في مشاكل إجتماعية أو شخصية أو سياسية او أسرية وكل يوم تطالعنا الاخبار بكوارث من هذه النوعية. التي ترتبط بعدم الوعي او الفهم لأسس التعامل الصحيح بوسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وهي المسيطرة على بيوتنا الآن حيث يشهد المجتمع المصري والعربي كل لحظة أمام خطورة الدور الذي تقـوم بـه تكنولوجيـا الإعـلام والاتصال صدمات تؤثر في تشكيل عقول الأفراد وسلوكياتها وتضر بهم ومجتمعاتهم من خلال نشر الشائعات والاخبار المغلوطة عمدا او بدون عمد فكلاهما مر وخطير علي أمن المجتمع .
ونحن في عصـر يمتليء بالمتناقضات، عصر يلهث فيه قادمه ليلحق سابقه، عصر يجاور ما بين أقصى درجات التقـدم وأقصى مظاهر التخلف ويجمع ما بين أعلى درجات التسامح وأعنف درجات التعصب، عصـر يشعر الناس فيه أنهم عطشي للحكمة والمعرفة وهم في بحور المعلومـات والبيانـات.
وأمام هذا التناقض السلوكي والذي زاد منه سهولة الوصول للشبكة المعلوماتية واستخدامها بكل يسر، وكذلك سهولة التواصل مع أي فرد في أي مكان بالعـالم، فقد أصبحنا نجد أنفسنا محاصرين برسائل إعلامية موجهة من جميع الوسائل الإعلامية قد لا تتفق في كثير من مضامينها مع قيم الإنسان وأخلاقياته وثقافته، حيث نلاحظ في كثير من وسائل الإعلام تشويهًا متعمدًا للعديد من الدول والثقافات والأديان، مما يؤدي إلى استقبال معلومات مضللة، يضاف على ذلك البرامج الإباحية التي تساهم في تقويض منظومة القيم التربوية والأخلاقية للأطفال والشباب. لذلك أصبح موضوع التربية الإعلامية ضرورة ملحة، حتى يعرف أفراد المجتمع أسس التعامل مع مختلف مضامين الرسائل الإعلامية الوافدة إليهم من وسائل الإعلام المختلفة، وكيف يتعاملون معها، وكيف يستفيدون منها، وكيف يسخّرونها لتنمية وتطوير معارفهم وثقافتهم، أو يتجنبونها في بعض الأحيان إذا لزم الأمر.
ومن هنا يأتي أهمية تعزيز الوعى بالمضمون المقدم فى الإعلام الذى يتعرض له المشاهد وتدريب مهاراته فى معرفة الفارق بين الأخبار الصادقة والمزيفة من خلال أدوات التفكير النقدى والتحليل الموضوعى والمعلومات الموثقة.
ويطرح، المصطلح " التربية الإعلامية " عددا من المفاهيم المرتبطة مثل التوازن الإعلامى والمواطن الناقد والمناعة الإعلامية المرتبطة بفهم المشاهد الصحيحة للرسالة الإعلامية.
حيث تعتبر التربية الإعلامية هي وسيلة لإعداد وتمكين أفراد المجتمع لفهم وسائل الإعلام والمحتوى الذي تقدمه ومساعدتهم في كيفية التعامل مع هذا المحتوى والمشاركة فيه والتفاعل معه والتمييز بين ما هو إيجابي وسلبي ومعرفة كيفية انتقاء واختيار المعلومات.
وتأتي أهميتها من. السيطرة الواسعة الان لوسائل الاعلام وبصفة خاصة الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي والتي أصبحت تملك سلطات واسعة على أفراد المجتمع وتؤثر بصورة كبيرة في عمليات التنشئة الاجتماعية والثقافية لكثير من الناس، لذا فإنه من الضروري أن يكتسب أفراد المجتمع مهارة الوعي الإعلامي ومهارة التعامل مع وسائل الإعلام التي تترصد ضعفاء الوعي والفكر والثقافة لتسيطر على أفكارهم وعقولهم وبالتالي على سلوكهم من خلال نشر الإشاعات المغرضة واستهداف الامن القومي للبلاد . فمن خلال إمتلاك أدوات التربية الإعلامية يمكن للمواطن من تحصين نفسه من المحتوى الإعلامي الذي يتلقاه بكافة أشكاله المقروءة والمسموعة والمرئية والاعلام الرقمي مع تمكينه من إنتاج محتوى مضاد أو مختلف من خلال خاصية التفاعلية التي تعد واحدة من أبرز سيمات الاعلام الرقمي . ومن أهم مميزات التربية الإعلامية والمعلوماتية أنها تعزز دافعية الأفراد للتعلم وتنمي مهارات التفكير لدى الإنسان كمهارة حل المشكلات عن طريق الفهم والتفسير والتحليل ومهارة التفكير الناقد ومهارة التفكير الإبداعي ومهارة اتخاذ القرار كما أنها تعزز الثقة بالنفس. وبحسب اليونسكو تُعد التربية الإعلامية والمعلوماتية جزءاً من الحقوق الأساسية لكل مواطن، وأوصت المنظمة بلدان العالم بضرورة إدخالها ضمن المناهج التربوية وأنظمة التعليم مدى الحياة.
وهو ما يتواجد الان في مقررات كليات الاعلام في مصر والدول العربية.
ويتم بناء شخصية المواطن الناقد الواعي من خلال ما توفره التربية الإعلامية من مهارات القدرة على تحليل الرسائل الإعلامية وتفسيرها وبناء المعنى الشخصي منها، والمقدرة على الاختيار بين المضامين الإعلامية المختلفة، والوعي بما يجري حول الفرد بدلا من أن يكون سلبيًا، ومعرضًا للاختراق.
أن هدف التربية الإعلامية بالأساس هو بناء حس نقدي لدى المتلقي وجعله واعيًا لما يتلقاه، مدرك لدلالات المضامين وأبعادها وعارفًا لماذا وكيف يتلقاها، أي أنها تسلح المستخدم والقارئ والمستمع والمشاهد بالمفاتيح التي تسمح له بالتعامل النقدي مع مضامين الوسائل الإعلامية والاتصالية.
ومن هنا تأتي الدعوة إلي ضرورة تدريس مقررات التربية الإعلامية في كافة مراحل العملية التعليمية بدءا من المدرسة الابتدائية وتعليم الأطفال كيفية التعامل مع الإعلام وبصفة خاصة الإعلام الجديد لحماية أنفسهم وخاصة أمام ما نراه من مضامين هدامة وتولد العنف عند الأطفال من خلال الأفلام الكارتونية الأجنبية
وكذلك تدريسه في كافة مراحل العملية التعليمية بدءا من المدرسة حتي الجامعة بل يمكن إضافته من مهارات التعلم مدي الحياة .
لحماية الفرد والمجتمع من أضرار الإعلام، وتدريبهم على التفكير النقدي والتحليلي في تعاملهم مع المنتجات الاعلامية المختلفة، وتنمية مهارات واستراتيجيات تحليل ومناقشة الرسائل الإعلامية لديهم، إضافة إلى إدراك وفهم وتقدير المحتوى الإعلامي كعنصر يمد ويزود الأفراد ببعدهم الثقافي وانتمائهم الحضاري.
فالملاحظ ان هناك تلك الحالة الجدلية التي نشاهدها كل يوم على وسائل الإعلام الرقمية بصفة خاصة لتقييم المواقف والاشخاص والسياسات حتي من غير المتخصصين ، بين مؤيد ومعارض وناقد فاهم وغير فاهم، لدرجة التعصب والفساد الاخلاقي المتنوع .
اليوم أصبح الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي “السوشال ميديا” جزءً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، مما يعني أن الكثير من الأفكار والصور ومقاطع الفيديو والمعلومات التي نستقبلها من هذه الوسائل هي من يرسم لنا خارطة طريقنا وهي من يحدد لنا في غالب الأحيان معالم حياتنا المستقبلية او التي نتمنى أن تكون عليه حياتنا، حتى في بعض الأحيان وصلت بنا الأمور أننا نحكم على الآخرين من خلال محتواهم الذي ينشره على منصات التواصل الاجتماعي أو من عدد المتابعين لهم على تلك المنصات.
وفي عصر السنوات المفتوحة الذي أصبح من الصعب فيه الغلق والمنع ، فإنه علينا تربية المواطن إعلاميًا ليكون هو القائم بعمل حارس البوابة وهي عملية تقوم على فلترة كم كبير من المعلومات التي يستقبلها المتلقي وإعادة إرسالها وفق ما يتناسب مع واقعه ومحيطه الذي يعيش به، من خلال تنمية رقابة ذاتية منبعها امتلاكه مهارات التربية الاعلامية وتوفر الوعي المناسب لذلك .
اذن لماذا لا نتعلم الطرق الصحيحة للتعامل مع وسائل الاعلام ونصبح قادرين على مواجهة هذا المحتوي الهابط بأسلوب منهجي منظم ومدروس وحماية انفسنا ومجتمعنا بكفاءة وحوكمة ذاتية .
إن التربية الإعلامية تعتبر السلاح القوي ومنصة الحماية للمجتمع ضد أخطر أنواع الأسلحة الفكرية، لأنها قد تبني جيل أو تدمر جيل بأكمله..
وهنا هي دعوة مفتوحة لنشر الوعي بأهمية التربية الإعلامية والعمل علي تدعيمها وامتلاك المهارات والفهم والوعي الكامل للتعامل مع وسائل الإعلام المختلفة بوعي وذكاء ومسؤولية، فالإعلام اليوم ليس وسيلة إخبارية أو معرفية أو ترفيهية فقط، بل أصبح أداة فاعلة في تشكيل المجتمعات وسلوكيات الجمهور لما يقدمه من مضامين فكرية وثقافية تهدف إلى التغيير في البنية الاجتماعية والسياسية والفكرية للجمهور، فالإعلام سلاح ذو حدين لقدرته على تشكيل الرأي العام وصناعة الأحداث من جهة وقدرته علي حماية المجتمع وأمنه من جهة أخري وهو ما يجب أن نصطف جميعا من أجله وهو حماية أمن المجتمع وهويته من أي اخطار تحيط به من خلال تحصين المواطن بالعقل الناقد والرؤية الصحيحة .
حمي الله الوطن الغالي ..،،،
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة