«إنه العام الأكثر حرارة»، هذه المقولة أصبحت تتردد مع كل صيف، بل وربما تشير إلى أن العالم يودع سنوات المناخ العادى، ويدفع ثمن القسوة والتعامل غير المسؤول مع الأرض ومواردها، وهذه الحرارة التى تخطت الخمسين درجة مئوية وأكثر بجانب تداعيات تصل إلى حرائق وفيضانات وجفاف، أصبحت إحدى علامات تغير المناخ الحاد الذى ظل يتردد ضمن تحذيرات العلماء على مدى عقود وأصبح أمرا واقعا.
وحتى السّجال السنوى بين محبى الصيف وعشاق الشتاء لم يعد كما كان فى السابق، لأن المناخ تغير فلم يعد من السهل التمييز بين الصيف والشتاء والربيع والخريف، اختفت فصول وانتهى الاعتدال ليحل مكانه تطرف مناخى قاسٍ، يطيح بتصورات البشر وتوقعاتهم وينهى جدلا بين من يتبارون فى إثبات أفضلية البرد عن الحر، كأن كل منهم لديهم اختيار.
الفصول تتبدل والتغيرات المناخية تتواصل، والعالم يتابع نشاطه بالمزيد من الانبعاثات، ورجال الصناعة والدول الكبرى غير مبالية بأى انبعاثات أو تحذيرات، أو جفاف وفيضانات وحرائق، بل إن تغير المناخ يفجر أزمات فى أمريكا اللاتينية، حيث يواجه نهر الأمازون أكبر أنهار العالم تهديدا بالجفاف، ووصل نهر الأمازون، والعديد من روافده، إلى أدنى مستوياته فى 120 عاما من السجلات العام الماضى، ويتدفق خمس المياه العذبة فى العالم عبر هذه الغابات المطيرة.
هناك توقعات باختفاء جزر فى الكاريبى، وتضاعف الوفيات فى دول أمريكا اللاتينية، وعلى رأسها المكسيك، وموجات الحر الشديدة التى أوت بحياة العشرات، بالإضافة إلى موجات الجفاف فى بعض الدول، وفيضانات فى أخرى.
التقارير صارت طقسا سنويا مع كل صيف وعلى مدى ثلاثة عقود منذ التسعينيات من القرن العشرين، ورغم أن وكالات الأنباء تنقل عن مراكز وعلماء أن هذا الصيف هو الأعنف، فإن مراجعة تقارير السنوات السبع الأخيرة تشير إلى أن كل عام فى التقارير هو الأعلى حرارة، ويتعرّض عشرات الملايين من البشر لموجة حر شديدة تستمر فى نصف الكرة الشمالى مع حرائق عنيفة فى ولايات أمريكية، وتشهد آسيا أحوالا جوية سيئة فى تجلٍّ جديد لظاهرة الاحتباس الحرارى.
كل الطرق تقول إن هذا الصيف سوف تتبعه فصول صيف أخرى بنفس الحرارة، ومن التقارير الدولية ومراكز المناخ فإن الموجة الحارة الحالية والسنوات السابقة تشير إلى استمرار الصيف بهذه القوة والعنف، والحر هذا العام والأعوام الماضية لا يفرق بين قارة وأخرى، من أفريقيا إلى آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية، مع مخاطر نشوب حرائق، وجفاف وفيضانات وأمطار.
التحولات المناخية أصبحت واقعا يفرض نفسه على العالم، رغم أن التحذيرات والتقارير عن التغير المناخى متواصلة منذ ثمانينيات القرن العشرين، هناك تحذيرات من علماء المناخ والبيئة بأن ارتفاع درجات الحرارة والانبعاثات الكربونية تسبب اختلالات فى ثوابت الطقس بالعالم، حيث تذوب جبال الجليد فى القطبين الشمالى والجنوبى، بما يرفع مناسيب المياه فى البحار والمحيطات.
وحسب ما نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، فإن مليارات البشر على مستوى العالم شعروا بالشدة القاتلة لموجات الحرارة التى يغذيها تغير المناخ، وهذه الحرارة الحارقة سجلت عبر القارات الخمس 1400 رقم قياسى جديد خلال أسبوع واحد فقط، وأظهرت موجات الحرارة الشديدة كيف أن ظاهرة الاحتباس الحرارى التى يسببها الإنسان جعلت درجات الحرارة الكارثية أمرا شائعا.
وقد عثر على عشرات الجثث فى مدينة دلهى الهندية، وتوفى سياح أو فقدوا بسبب ارتفاع درجات الحرارة فى اليونان، كما توفى عدد من الحجاج من ضربات الشمس، وسقط المئات فى الولايات المتحدة، حيث يعانى عشرات الملايين من الأشخاص عبر الغرب الأوسط والساحل الشرقى من الحرارة الشديدة وسط واحدة من أسوأ موجات الحر فى بداية الفصل التى شهدتها الأجيال الحالية.
الموجات الحارة اضطرت دول أوروبا إلى تغيير نمط استهلاكها من الكهرباء لمواجهة الحرارة، ولم تكن جاهزة للحرارة، فى حالة استمرار هذه التحولات المناخية سوف يحتاج الأمر تغييرا فى أنظمة التكييف والتهوية وانقطاعات الكهرباء وخروج محطات توليد كهرباء عن الخدمة فى عدة دول بأوروبا وآسيا.
كل هذا يدفع البشر للتفكير فى التعامل مع التحولات المناخية، التى تتجاوز مناقشات محبى الفصول والباحثين عن نسمة هواء وسط حر قاتل.