ليست المرة الأولى التى تنطلق فيها دعوة لوقف الحرب على غزة، والحروب التى تلتهم المنطقة، إلا أن هذه الدعوة تحديدا تحمل اتهاما صريحا لتجار الحرب فى المنطقة والعالم، ونقصد بها دعوة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، فقد دعا أثناء استقبال أعضاء من تجمع مؤسسات مساعدة الكنائس الشرقية إلى ضرورة «وقف إطلاق النار» فى الشرق الأوسط، وقال: «كفاكم»، ووجه البابا كلامه إلى أولئك الذين يغذون دوامة الصراعات ويجنون الأرباح والفوائد: «توقفوا.. كفوا، لأن العنف المستمر لا يجلب السلام أبدا».
وقال البابا فرانسيس: «إن الحرب مغامرة عابثة وغير حاسمة، لن ينتصر أحد، والجميع سيكونون خاسرين»، وأضاف: «دعونا نستمع لأولئك الذين يعانون من العواقب، كالضحايا والمحتاجين، بل دعونا نصغى أيضا لصرخة الشباب وعامة الناس والشعوب، الذين سئموا الخطاب العدائى، العبارات العقيمة التى تلوم الآخرين دائما، وتقسم العالم إلى صالح وطالح، وكذلك من القادة الذين يجدون صعوبة فى الالتفاف حول طاولة البحث عن الوساطة وتشجيع الحلول.
الواقع أن البابا كان يتحدث تحديدا على الحرب فى غزة، لكنه مد حديثه إلى الحروب فى منطقة الشرق الأوسط، حيث لا تزال الدول تعانى من ويلات الحروب التى يدفع ثمنها الشعوب والأبرياء والمدنيون، فى غزة يقترب عدد الضحايا من 38 ألف شهيد، أغلبهم من الأطفال، (أكثر من النصف)، والنساء والشيوخ، فضلا عن عشرات الآلاف من الجرحى، ولا يزال الاحتلال الإسرائيلى يواصل عمليات القتل والإبادة، فضلا عن الحصار والتجويع لدرجة أن عشرات التقارير من منظمات ومؤسسات دولية، رصدت المجاعة التى تعيشها غزة فى مناطق مختلفة، بسبب نقص شديد فى الغذاء والدواء.
ومن هنا، فإن النداء الذى يوجهه بابا الفاتيكان، يضاف إلى نداءات أطلقتها المؤسسات الدولية والدينية والإنسانية ترصد وتحذر، لكن رسالة بابا الفاتيكان تتوجه إلى تجار الحروب فى كل اتجاه، وهنا يفترض بالفعل أن نلتفت إلى أن هذه الحرب على غزة، وأيضا الحروب فى المنطقة، هى تجارة رائجة لتجار الصراعات والحروب، وهم من يغذون الصراعات لتعمل آلات الحرب ومصانع السلاح، وهى النقطة الفارقة فى كل الحروب لأن هناك معسكرات تغذى النزاعات والصراعات والحروب، بهدف استمرار تدفق إنتاج صناعات السلام فى العالم، والتى تضاعف من أرباح صناعات الأسلحة فى الدول الكبرى.
وعلى مدار أكثر من 40 عاما، هناك حروب وصراعات فى مناطق كثيرة من العالم، بعضها أهلى، والآخر بين دول وأخرى، وهى حروب وصراعات تشهد تدفقات للسلاح والموت، بشكل مستمر، والسلاح تنتجه وتصدره مباشرة أو عن طريق وسطاء، دول ترفع شعارات التحضر، وتبذل جهودا مضنية للدعوة إلى السلام، وهو ما يطرح سؤالا جوهريا عن سبب استمرار الحروب والصراعات، ولماذا لا يتم توجيه تكاليف تلك الحروب لمواجهة الفقر وتداعيات المناخ؟ السؤال بسيط، لكن إجابته تشير إلى أن توقف الحرب يعنى إفلاس تجار الخوف والسلاح فى العالم، ومن المفارقات أن دولا أفريقية تشهد صراعات أهلية وبينية، وتمتلك أطراف النزاعات أسلحة، بينما يصعب عليهم امتلاك طعام أو كساء، ومواطنوهم لا يجدون قوتهم، لكن يمكنهم أن يجدوا بنادق وطلقات ليقتلوا بعضهم البعض.
ومن هنا يفترض النظر إلى هذه الحروب فى الشمال والجنوب على أنها تجارة رابحة لهؤلاء الذين يصدرون الموت ويغذون الصراعات، وهم المتطرفون فى كل مكان، وأبرزهم نتنياهو وحكومته، ومجلس الحرب، ومثل كل من يسهم فى صناعة الموت والحرب.
مقال أكرم القصاص فى العدد اليومي