للمرة الأولى، خاض كل من الرئيس الأمريكى جو بايدن، والرئيس السابق دونالد ترامب، فجر الجمعة، أول مواجهة بينهما فى انتخابات 2024، فى مناظرة نظمتها CNN، وليس لجنة المناظرات الرئاسية التى كانت تنظم هذه الفعاليات منذ عام 1988، وهى أول مناظرة فى التاريخ الأمريكى بين رئيس فى السلطة ورئيس سابق. والمناظرة معركة تحمل ملامح توجهات مستقبلية مهمة للسياسة الأمريكية، وتلعب دورا فى تحديد مسار السياسة الأمريكية ومكانتها فى المشهد العالمى، وهى واحدة من مناظرتين متفق عليهما فى إطار الحملات الانتخابية فى السباق الرئاسى.
واللافت للنظر فى هذه المناظرة، أنها تكشف عن إصرار كبير لدى الرئيس السابق دونالد ترامب، الذى خاض المناظرة مع كل هذه الاتهامات التى وجهتها إليه المحكمة، بجانب أنه ابتعد عن السلطة وواجه انحيازات وجهودا كبيرة من الإعلام والمؤسسات، وتمسك بالسعى والإصرار ليصل إلى محطة المناظرات، بل إن ترامب حسب شهادات مراقبين أبلى حسنا، بينما بدا الرئيس جو بايدن أضعف فى المناظرة، لكن نفس المراقبين لاحظوا تماسك الرئيس بايدن وعدم دخوله فى حالات توهان أو غياب مثلما جرى من قبل وهو أمر لافت بالفعل.
ثم إن استطلاعات الرأى فيما قبل المناظرة رصدت تقدم ترامب بنسبة 49%، مقابل 47%، لصالح الرئيس بايدن، ومع هذا فقد بقيت تفاصيل هذه المنافسة كاشفة ومثيرة وقادرة على استقطاب الجمهور، وكانت هناك أسئلة حول نقاط خلافية بين الجمهوريين عموما والديمقراطيين، بجانب طرح قضايا مثل الحرب فى أوكرانيا، والتى يرى ترامب أنها ما كانت لتحدث لو كان رئيسا، وفى نفس الوقت قال إنه يرفض خطة بوتين لوقف الحرب، بينما يرى أن إدارة بايدن السيئة هى التى أوصلت الأمور إلى الحرب التى تمثل خسارة، ويرى ترامب أن بايدن قاد أمريكا إلى التراجع فى العالم، بينما رد بايدن أنه الذى حشد العالم ضد إيران عندما هاجمت إسرائيل بالصواريخ والمسيرات.
بقيت الحرب فى غزة مجال تنافس واتفاق، بل ومزايدات بين كل من جو بايدن ودونالد ترامب، حيث اتفقا على دعم إسرائيل واختلفا فى الدرجة والموقف من الدولة الفسطينية، فقد قال ترامب إن هجمات 7 أكتوبر ما كانت تحدث لو كان هو فى الرئاسة، بينما أكد بايدن أن أمريكا «أكبر مصدر لدعم إسرائيل فى العالم، وسوف نواصل إرسال خبرائنا ورجال استخباراتنا لمعرفة كيف يمكنهم القضاء على حماس كما فعلنا مع بن لادن»، ولكنه ألقى مسؤولية استمرار الحرب على حماس، بل زعم أن نتنياهو وافق على مبادرة إيقاف القتال وتجاهل بايدن رفض إسرائيل وعجزه عن إقناعه بالمبادرة التى قال بايدن إنها مدعومة من مجلس الأمن والدول السبع الكبار، وحرص بايدن على تأكيد دعمه لإسرائيل وقال «نحن نزود إسرائيل بكل الأسلحة التى تحتاجه».
وفى حين وصف ترامب منافسه بايدن بأنه «أسوأ رئيس فى تاريخ بلادنا، وأنه إذا فاز فى هذه الانتخابات فلن يكون لبلادنا فرصة للخروج من المأزق، ورد بايدن فى المقابل بالإشارة إلى «استطلاع رأى للمؤرخين ذكروا فيه أن ترامب كان «أسوأ رئيس فى التاريخ».
تضمنت المناظرة اتهامات متبادلة بمسؤولية كل من ترامب وبايدن عن الاقتصاد وتمسك ترامب بأن عهده شهد رواجا اقتصاديا كبيرا بالرغم من كوفيد، وأنه وفر وظائف وتدفقات من قبل الدول المنافسة، فى حين رد بايدن متهما ترامب بالفشل فى إدارة أزمة كورونا والتى تسببت فى خسائر اقتصادية، وقال ترامب إن البورصة كانت فى قمة ازدهارها فى عهده، بالرغم من كورونا، وأن أعداد ضحايا كورونا كانت أضعافا مع بايدن، وبقيت كورونا من بين أهم النقاط التى تسببت فى خسارة ترامب، لكنها أيضا استمرت فى عهد بايدن من دون تغيير، لكنها مثلت جزءا من المناظرة.
كانت قضية الإجهاض، من بين القضايا الخلافية بين الجمهوريين الرافضين للتوسع فيها والديمقراطيين الداعمين لها، لكن ترامب قال إنه سوف يترك حكم المحكمة العليا الذى يبيح الإجهاض إلى الولايات، بجانب أنه جدد التأكيد لرفض قتل الطفل فى ظل أى ظروف، وبقيت قضية المهاجرين من بين أ كثر القضايا التى يتشدد فيها ترامب ويدعو لوقف تدفق المهاجرين من الحدود، ويتهم المهاجرين بالمسؤولية عن ارتفاع الجرائم والاغتصاب، بينما يرد ترامب بأن الجرائم قائمة بشكل مستمر بصرف النظر عن الهجرة.
المناظرة خطوة فى طريق ينتهى فى صناديق التصويت شهر نوفمبر المقبل، لكنه كاشفة عن فرادة النظام الأمريكى، وقدرة المال والنفوذ على رسم خرائط السياسة المعقدة للولايات المتحدة، نجح ترامب فى الاحتفاظ بلياقته السياسية، وحظى بتأييد الجمهوريين، بالرغم من حملات وحروب إعلامية ودعائية، وانعكست تقديرات الجمهور بين جمهوريين يرون تقدما لترامب البالغ 78عاما، فى مواجهة بايدن البالغ 83 عاما، والذى ينهى مدته الأولى، بعد أحد أكثر الانتخابات إثارة للجدل والتى هاجم ترامب نتائجها.
مقال أكرم القصاص فى العدد اليومي