<< يحيى الكيالى: قوات الاحتلال عذبتنا خلال نزوحنا بأحد منازل بمجمع الشفاء وسرقوا ذهب زوجتي
<< الفنانة الفلسطينية أمية جحا: تأقلمنا مع قلة الطعام فصارت أجسادنا أضعف وزنا
<< محمد ياسين: معاناة لتوفير الطعام والشراب وقضاء حاجتنا ونطهى طعامنا عبر إشعال الحطب
<< رئيس بلدية رفح: النازحون اتجهوا إلى العراء والأرض القاحلة الجرداء
<< رئيس بلدية دير البلح: لم يعد هناك مكان فارغ لحط رحال النازحين
<< الإحصاء الفلسطيني: 33 مليار دولار خسائر أولية مباشرة لحرب الإبادة على قطاع غزة
ينظر "ياسر"، إلى المنشور الذي ألقاه الاحتلال في المناطق الواقعة شرق مدينة رفح يطالب فيها السكان بالنزوح وإخلاء المنطقة تمهيدا لعملية عسكرية في المدينة، تلك العملية التي حذر منها العالم أجمع، إلا أن إسرائيل مارست عادتها بضرب بكل القرارات والتحذيرات الدولية عرض الحائط، يقرأ "ياسر" المنشور ثم ينظر إلى شقيقه "كمال" من ذوي الهمم الذي يجلس على كرسي متحرك أهلكته كثرة النزوح والتنقل من مكان لأخر بسبب غارات الاحتلال، ينادي "ياسر" على شقيقه "كمال" ووالدته - وهما من بقيا من أسرة مكونة من 6 أفراد بعد أن فقد والده وشقيقتاه خلال القصف- ، ويطلب منهما الاستعداد للنزوح للمرة الثالثة إلى خيمة في المنطقة الوسطى بغزة، ويبدأ معها رحلة العذاب والمعاناة من جر كرسي شقيقه المعاق لمئات الكيلو مترات سيرا على الأقدام.
حال النازحين في غزة
هذا حال أسرة فلسطينية بسيطة عاشت خلال الشهور الماضية في مدينة رفح التي استقبلت مليون و400 ألف نازح وفقا للإحصائيات الرسمية، يعيشون في مساحة لا تزيد عن 64 كيلو متر مربع، بعضهم نزح للمرة الأولى والبعض نزح مرتين وثلاث وأربع، مع استهداف الاحتلال لكل مدن غزة، فلسطينيون وجدوا القدر قد حكم عليهم أن يعيشون مشردين في بلادهم، تركوا منازلهم تعسفيا إما تحد تهديدات قوات الاحتلال بالاقتحام أو بقصف صاروخي دمر منازلهم، يبحثون عن خيم تأوى أفراد الأسرة وتحميهم من الأمطار والعواصف في الشتاء وأشعة الشمس الحارقة في الصيف، ولكن حتى حياة المخيمات لم يهنؤا بها مع استهداف الاحتلال للعديد من مراكز الإيواء وتجمعات الخيام.
تكدس النازحين في دير البلح
"رحلة النجاة من الموت" هي أصعب رحلة يعيشها سكان قطاع غزة، والتي زادت صعوبتها مع بداية العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح في 6 مايو الماضي، بإلقاء منشورات على مناطق شرق غزة تطالب السكان بضرورة الإخلاء الفوري، "عائلة محمد"، التي نزحت في بداية العدوان من مدينة بيت حانون في الشمال بعد تحول منزل العائلة لأنقاض إلى خان يونس، ثم اضطرت إلى النزوح من خان يونس إلى رفح مع اقتحام الاحتلال للمدينة الأولى، لتجد نفسها مضطرة للنزوح للمرة الثالثة، ولكن تعلم متى سيكتب القدر الاستقرار على تلك العائلة وغيرها من مئات الآلاف من العائلات النازحة.
نسب ارتفاع الأسعار في غزة خلال شهر مارس
"البعض قد لا يستطيع أن يأخذ معه أيا من عفش منزله خلال عملية الانتقال من مكان لأخر، فالقصف قد يكون على بعد دقائق من مدينته فيضطر مسرعا لأخذ عائلته والفرار لأقرب مركز إيواء أو تجمع خيم، البعض الأخر قد يكون سعيد الحزن ويمهله الوقت لساعات قليلة كي يأخذ معه بعض الفرشات والقليلة التي يمكن أن ينقلها معه من مكان لأخر، ثم تبدأ رحلة المعاناة، فلا سيارات تستطيع نقل العفش والآثاث بسبب نقص الوقود، فيصبح رب الأسرة بين أمرين إما البحث عن "عربية كارو" كي ينتقل إلى مركز الإيواء أو أن يترك العفش والفرشات ويضطر للسير هو الأسرة لمئات الكيلو مترات مشيا على الأقدام خوفا من أن يصل القصف إلى مكان تواجدهم، وذلك حال عدم توافر أي وسيلة تنقل.
إحصائيات رسمية حول النازحين ونسب المنازل المدمرة في غزة
وفقا لتقرير رسمي صادر من وزارة الصحة الفلسطينية في 9 مايو الماضي، أكدت فيه أنه يتم تهجير ما يقدر بنحو 85 % من سكان غزة أي حوالي 1,93 مليون فرد قسريا، ويبحث ما يقرب من 1,4 مليون نازح عن ملجأ في مرافق الأونروا المكتظة مما يؤدى إلى تفاقم معاناتهم وفي 6 مايو الماضي أمر جيش الاحتلال سكان تسع مناطق في شرق رفح بالانتقال لمناطق أخرى في المواصي، حيث يمتد أمر الإخلاء لحوالي 31 كيلو متر ، مما يؤثر على 64 ألف فلسطيني، فيما أعلنت وكالة الأونروا، في تقريرصادر عنها خلال 28 مايو الماضي، أن حوالي مليون شخص فروا من رفح بجنوب غزة على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، فيما أعلن المكتب الإعلامى الحكومى في غزة خلال شهر مايو أيضا، أن هناك 86 ألف وحدة سكنية دمرها الاحتلال كلياً، و294 ألف وحدة سكنية دمرها الاحتلال جزئيا، معلنا تدمير أكثر من 75% من منازل المواطنين في القطاع.
بيان وزارة الصحة الفلسطينية
هنا في هذا التقرير، نعرض شهادات حية من نازحين عاشوا أهوال تركوا منازلهم وذكرياتهم وحياة كاملة عاشوها، فالقصة بدأت بمحاولة الاتصال بالنازحة والإعلامية الفلسطينية فاطمة أبو نادي، النازحة بمدينة رفح بعد شن الاحتلال عملية عسكريا بالمدينة، والتي كانت أولى تصريحاتها لنا " أنا محتارة لا أعرف أين أذهب؟ نحن مضغوطين كيف ننزح من رفح والتي هي أخر نقطة في الجنوب، والوضع معقد ولا استطيع الكلام".
كانت هذه تصريحات للإعلامية الفلسطينية، والتي فتحت لنا الحديث عن الأهوال التي يلاقيها النازحين في غزة، لنستعرض 4 قصص حية لنازحين عانوا من ويلات الحرب وصعوبة التنقل من مكان لآخر.
فلسطينيون ينزحون في غزة
النازح محمد ياسين.. تجربة مرار النزوح وآلام الحياة اليومية
"محمد ياسين"، نازح فلسطيني في مدينة رفح، ممن اضطروا مؤخرا للنزوح من شرق رفح مع بداية العملية العسكرية الإسرائيلية، عاش مرارة النزوح وعذاب الانتقال من خيمة لأخرى، لم يكتف الاحتلال من حرمانه وأسرته من الطعام والمياه الصالحة للشرب والمأوى الآمن، بل استكثر عليه خيمة 3 متر × 3 متر، ليطلب منه حاله كحال عشرات الآلاف من النازحين ترك المنطقة فورا والبحث عن منطقة نزوح جديدة، ليجد نفسه مضطرا لنقل كل عائلته واحتياجاتهم المعيشية والانتقال للآلاف الكيلو مترات لمنطقة أخرى، وتجربة مرارة النزوح وعذاب رحلة النجاة من الموت من جديد بعد أن مكثوا في رفح لعدة أشهر.
الفلسطينيون ينزحون في غزة
يحكى "محمد ياسين" في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" من غزة، رحلة العذاب خلال النزوح قائلا، إن النزوح رحلة من المعاناة والألم متواصلة ومتصلة، حيث إن النزوح عملية اضطرارية قسرية دون رغبة أو استعداد مسبق تأتى بشكل مفاجئ وسريع، وتتطلب الإجابة على أسئلة دون امتلاك إجابات واضحة لها، إلى أين تذهب؟ وهذا سؤال واجه كل من نزح عندما ينتقل من مكان لأخر يحتار في تحديد الوجهة؟ وهل هذه الوحدة آمنة أم غير آمنة وواسعة أم لا؟ وهل تتسع لأسرته؟ وما متطلبات عملية النزوح ؟ وهل يمتلك خيمة أم لا يمتلك؟ والمكان الذي سينزح له هل متاح فيه مياه صالحة للشرب أو قريب من مصدر مياه يمكنه من توفير ما يحتاجه من مياه غير المياه الصالحة للاستخدام للاغتسال وأمور النظافة؟
نزوح الفلسطينيين في غزة
ويصف النازح الفلسطيني، تفاصيل الحياة عند وصول الأسرة لمكان النزوح قائلا :"الخيمة نفسها صغيرة بكل تفاصيلها، فأنت محظوظ إذا توافرت لك خيمة، وفقدنا الخصوصية بسبب التزاحم في المخيمات وأماكن النزوح وبالتالي قد يسمع جارك حديثك مع زوجتك وقد تسمع أنت مشاجرته مع أطفاله، وهذا أمر صعب للغاية، وبعد الوصول تواجه مشقة في نصب الخيام، وتأمين مستلزماتك من المياه ورحلة البحث عن المياه تتكرر بشكل يومي وتقطع مسافات طويلة لتأمين متطلباتك من المياه الصالحة للشرب والمياه الخاصة بالنظافة والاغتسال، بجانب بالبحث عن مصدر قريب لشحن الهاتف لكى تبقى على اتصال وتواصل مع من يستطيع أن يسعفك في بعض الاحتياجات والمستلزمات أو تبقى على تواصل مع ذويك وأهلك الذين تشتتوا في أماكن نزوح مختلفة بعد أن كنتم في مكان واحد أو مدينة واحدة، لكن فرضت عليكم ظروف العدوان التشتت والتفرق بين أماكن النزوح".
كما يكشف محمد ياسين أهوال أخرى يلاقيها النازحين خلال حياتهم اليومية داخل الخيام، مشيرا إلى أن قرار النزوح مصيرى، وهو قرار يواجه مصيرك والمكان الذي تنزح إليه قد لا يكون آمن ولكن قد يكون أقل استهدافا من الجانب الإسرائيلي وفي العدوان البرى الذي يحمل مخاطر كبيرة، ومن الأمور بالغة الأهمية أن يتوفر لك مكان مناسب لقضاء الحاجة، ودورة مياه وحمام، متابعا :"امتعنت عن دخول الحمام لأكثر من يوم ونصف، لحين ما انجزنا دورة مياه بما تيسر سريعا ، وهي أرض خلاء في منطقة مواصى وهي منطقة رمال وأشبه بالصحراء لكنها قريبة من البحر، وهناك معاناة للنساء والفتيات والأطفال في هذا الأمر، بعد جهد كبير وعمل على مدار يومين انجزنا شيء أشبه بدورة مياه من خلال حفرة وبرميل في الأرض، وما تيسر من كرسي أفرنجي ونحن محظوظين بذلك، ويتم ستر دورة المياه بما تيسر من شوادر".
إحصائيات حول حجم الدمار في غزة حسبما كشفها الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطيني
معاناة أخرى يعيشها النازح الفلسطيني من أجل إعداد الطعام، بسبب نقص غاز الطهي، ففي 20 أبريل الماضي، كشف المكتب الإعلامى الحكومى في غزة حجم معاناة القطاع من نقص غاز الطهي، محذرا في بيانه، أن منع إدخال غاز الطهي والوقود إلى القطاع ينذر بتفاقم الأزمة الإنسانية، نتيجة اعتماد المواطنين منذ شهور عديدة على الوسائل البدائية البديلة بإشعال النار من الحطب والفحم ومخلفات ركام المباني، ما تسبب بإصابة المئات بأمراض الجهاز التنفسي بفعل استخدام مواد بلاستيكية وكيماوية في إيقاد النيران، والتي تنبعث منها الغازات السامة، كما تم تسجيل مئات الحالات الجديدة التي أصيبت بأمراض الجهاز التنفسي المختلفة، نتيجة اعتماد المواطنين على إشعال النيران بالوسائل المذكورة لساعات طويلة يوميا على مدار الأشهر الماضية، سواء لإعداد الطعام أو لتسخين المياه وحتى للإنارة في بعض الأحيان، ما ينذر بازدياد خطورة هذه الأزمة وإصابة المواطنين بسرطان الرئة والجهاز التنفسي، جراء الغازات السامة المنبعثة من هذه الوسائل.
هنا يتحدث النازح الفلسطيني عن أزمة غاز الطهي التي يعيشها النازحين يوميا، قائلا :"ما يتعلق باستخدام الغاز، نلجأ لاستخدام الحطب لإشعال النيران والمخاطر التي يتسبب فيها هذا الأمر والأدخنة الضارة التي تنبحث من الحطب والنيران، معاناة في أدق تفاصيل الحياة في هذا الجانب".
الخيمة صغيرة للغاية، لا تسع عدد أفراد الأسرة الواحدة، كما أن تزايد أعداد النازحين في المنطقة الواحدة يضطرهم إلى تقليل مساحة الخيمة كي تسمع كل تلك الأعداد التي تأتى لمنطقة النزوح، وهو ما يؤكد "محمد ياسين"، الذي قال إن الخيمة التي قد تكون متاحة لك قد تتسع 5 لـ7 أفراد، يتواجد فيها أكثر من 12 شخص، النساء وتضطر لفصل النساء عن الرجال، على مدار فترة النزوح لأكثر من 6 أشهر في مدينة رفح، كنت أنا وأخوتى في قسم وزوجاتنا ونسائنا في قسم أخر، لا خصوصية ولا التئام شمل الأسرة، ونزحنا من رفح مؤخرا ولمحدودية الخيام المتاحة والأرض المتاحة للخيم، كل لحظة نجد خيام وعائلات تأتى من رفح وتأخذ مساحة من الأرض لعمل خيام مما يقلص من مساحة الخيم بشكل مستمر".
نزوح الفلسطينيين
صعوبات أخرى يسردها النازح الفلسطيني، خلال حديثه عن معاناته في رحلة النزوح والتي تمتزج مع أصوات قذائف الاحتلال، قائلا :"هناك صعوبة أخرى متعلقة بتوفر إضاءة مناسبة من خلال استخدام بعض البطاريات الصغيرة ومولدات إنارة، وقد تحتاج طفلة الدخول إلى دورة المياه وقد عم الظلام وساد سواد الليل، وتضطر لاستخدام إضاءة الهاتف حتى لا تتعثر في الطريق، ولا تعرف قد تكون البيئة المحيطة بها كلاب ضالة الحشرات المؤذية ونحو ذلك، كما أن الحياة في النهار قاسية للغاية، حيث يجتمع عليك العطش وشدة الحر ومشقة الذهاب لإحضار المياه وتأمين مستلزمات الكعام والشراب بالحد الأدني، وبعد فترة العصر وفي الفترة المسائية تهب النسائم التي تهون عليك مشقة النهار، بجانب أننا نحتاج لنظافة الملاس والاستحمام بعد مشقة وعمل وجهد لعدة ساعات تحت أشعة الشمس، والذهاب لمشاوير لقضاء مستلزمات الحياة، والمياه قد تتوفر وقد لا تتوفر، ثم نبحث عن ما إذا كان هناك مكان مناسب للاستحمام وهي تفاصيل معاناة في كل ما يتعلق بحياة الإنسان من الألف إلى الياء، وكل ذلك في كفة وصوت القصف والاشتباكات والغارات الإسرائيلية التي تكاد لا تتوقف أمر أخر، في أي لحظة قد يكون نصيبك قصف أو قذيفة أو صاروخ إسرائيل، وحدث في كثير من الأحيان قصف إسرائيل على خيام وقصف أماكن نزوح للنازحين، وهناك أكذوبة متعلقة بمتعلقة بمكان آمن".
رئيس بلدية رفح: حركة نزوح كبيرة من المدينة إلى خان يونس والاحتلال حكم عليهم بالموت عطشا وجوعا
معاناة النازحين في غزة، وبالتحديد في رفح تفاقمت بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، خاصة مع العدد الكبير من النازحين في رفح الذين سيضطرون إلى النزوح من جديد لمكان أخر وسط غزة، ليحدث تكدس كبير للنازحين في المناطق الجديدة التي سيذهبون لها وبالتحديد في منطقة خان يونس، والتي دمرها الاحتلال خلال اقتحامه الأخير لها، وهو ما كشفته صور فضائية حللها مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة في مارس الماضي التي أكدت أن الضرر الأكبر في الدمار بقطاع غزة كان في مدينة خان يونس حيث تم تدمير 6663 مبنى إضافيا، كما أكد المكتب الإعلامى الحكومي بغزة في ذات الشهر أن حجم الدمار الحقيقي الذي لحق بخان يونس يقدر بنحو 144 ألف مبنى بصورة كلية و175 ألفاً أخرى تضررت بصورة جزئية. وهذا ما يعادل 85 % من مباني المدينة.
هنا يكشف الدكتور أحمد الصوفى رئيس بلدية رفح الفلسطينية، مصير النازحين الذين اضطروا مؤخرا لترك رفح والاتجاه نحو مدن وسط القطاع، حيث يؤكد أن رفح استقبلت 1,4 مليون نازح علي مدار عدة أشهر وتم تنظيم مراكز الإيواء وتقديم خدمات الغذاء والماء والدواء علي قلة ما كان يدخل من مساعدات، ولكن اضطروا إلى التهجير القسري تحت القصف الجوي والمدفعي خلال ساعات يتم ترك كل شئ للنجاة بالنفس والأولاد .
غزة
ويضيف رئيس بلدية رفح الفلسطينية، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن النازحين في رفح اضطروا للنزوح إلى منطقة مواصي في خان يونس، حيث لا يوجد بها أي مقومات للحياة، ولا يوجد مراكز للإيواء ولا يوجد بنية تحتية ولا مرافق صحية في المدينة التي اقتحمها الاحتلال مسبقا، وها ما يعني النزوح إلى العراء والأرض القاحلة الجرداء، وبالتالي الحكم علي النازحين بالموت عطشا وجوعا .
لؤى الغول: هربنا بملابسنا واحتياجاتنا الأساسية فقط وأولادى أصيبوا بأمراض الكبد الوبائي والذبحة الصدرية
قصة أخرى لنازح أخر، وهذه المرة من الصحفى الفلسطيني، لؤى الغول، مدير مكتب نقابة الصحفيين الفلسطينيين في مدينة غزة، والذي اضطر مؤخرا لإخراج أسرته خارج قطاع غزة ة التى عانت معه كثيرا مع تكرار النزوح، لينزح هو بمفرده من شرق رفح للمنطقة الوسطى بالقطاع، وتتجمع حوله ألم فراق الزوجة والأبناء وبداية معاناة جديدة في مكان نزوح جديد لا يتوافر فيه أدنى مقومات الحياة.
يقول لؤي الغول في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إن قصة النزوح معاناة وقصة ألم ووجع وقهر وخوف ورعب وتشرد ودمار، حيث تترك منزلك في البداية ثم تتوجه إلى مراكز الإيواء في مدينة غزة ومدارس الأونروا والعيادات والمستشفيات وتأخذ جزء بسيط على أمل أن تعود في القريب العاجل.
مخيمات النزوح في غزة
"كنا نتوقع في البداية أن الحرب ستستمر يوما أو يومين أو أسبوعا أو أسبوعين لكن للأسف طالت المدة والعذاب والقهر والألم"، هكذا يكشف مدير نقابة الصحفيين الفلسطينيين في غزة عن الأمل الذي كانت تعيش عليه أسرته لكن سرعان ما تبخر هذا الأمل سريعا مع استمرار العدوان، حيث يواصل سرد قصة معاناته وأسرته مع النزوح قائلا :"هربنا بملابسنا واحتياجاتنا الأساسية فقط لا شيء من الاحتياجات سوى القلة القليلة جلبناها معنا في قصة نزوح لمدارس الأونروا ثم وسط قطاع غزة ثم دير البلح ومخيم النصيرات لكن العدو الإسرائيلي المجرم الحقير استهدفنا هناك وطلب من الأهالى والنازحين بالنزوح من مدينة غزة، فحملنا بعض الاحتياجات القلة القليلة وتوجهنا لوسط غزة ثم طلب الاحتلال الغاشم منا النزوح إلى النواصي بمدينة رفح بالقرب من الوكالة وأنشأنا خيمة هناك في ظروف سيئة وقاسية حيث لا حمامات ولا مياه ولا طعام ولا أساسيات ولا شيء ، وبدأنا نتأقلم ونتعود على هذا الظلم والقهر والمعاناة والكابوس الذي نتمنى أن ينتهى ويزول هو ألم".
صور نشرها صحفيين فلسطينيين عن نازحين في غزة
الألم لم يتوقف عند هذا الحد، بل تطور إلى إصابة أطفاله بأمراض معدية، خاصة من انتشار الأمراض الفيروسية بشكل كبير بين النازحين، حيث وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية غطى الفترة من بداية العدوان حتى 20 أبريل، أكد أن ما بين 16 و25% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر و59 شهرا في شمال غزة يعانون من سوء التغذية الحاد، ويعاني ما بين 2 إلى 4% منهم من سوء التغذية الحاد الشديد، ما بين 3 إلى 7% من الأطفال في جنوب غزة يعانون من سوء التغذية الحاد، فيما كشفت وزارة الصحة الفلسطينية في 25 أبريل الماضي، أنه تم رصد عدة حالات من الحمى الشوكية ومرض الكبد الوبائي بين المواطنين، محذرة من انتشار العديد من الأمراض والأوبئة نتيجة طفح مياه الصرف الصحي في الشوارع وبين خيام النازحين وعدم توفر المياه الصالحة للشرب بالقدر الكافي، مما ينذر بحدوث كارثة صحية خاصة بين الأطفال.
نسب أمراض سوء التغذية في غزة
تحذيرات من انتشار الأمراض والأوبئة بين النازحين
كما حذرت وكالة الأونروا في 6 مايو الماضي من انتشار الأمراض والأوبئة بين النازحين في قطاع غزة بسبب تراكم النفايات، في ظل ارتفاع درجات الحرارة مع قرب حلول فصل الصيف، موضحة أن النفايات تتراكم في كل أنحاء قطاع غزة وينتشر البعوض والذباب والفئران ومعها الأمراض والأوبئة، كما تؤكد منظمات الإغاثة في غزة تفشي الإسهال والالتهاب الكبدي الوبائي A بين النازحين مع تدهور خدمات المياه والصرف الصحي.
الهلال الأحمر الفلسطيني: انتشار كبير للأمراض المعدية بين النازحين بسبب سوء التغذية وانخفاض المناعة
سوق في رفح يتحول لشارع فارغ بعد نزوح المواطنين
وأكمل لؤى الغول حديثه عن معاناة أطفاله من عدة أمراض خلال نزوحهم بإحدى الخيم قائلا :"بعد فترة من النزوح أصيب الأولاد بالأمراض مثل الكبد الوبائي والذبحة الصدرية والجدري لأننا في مكان صغير وأرض قحلاء، ومنطقة صحراء وبدأنا نتعود على هذا المكان السئ لنحمى أطفالنا من هول القصف والمتفجرات وهول الموت والدمار وبدأنا نشترى بعض احتياجاتنا الأساسية كالفراش وشغلات ضرورية كي تمكنا من الاستمرار في العيش في تلك الخيمة الكئيبة، ثم عملنا على شراء الحطب لأنه لا يوجد غاز ولا كهرباء، ولا يوجد ماء صحى ونظيف، واشترينا أدوات لتعبئة المياه النظيفة وتعبئة المياه المالحة أيضا للحمام، وفي تلك الظروف الصعبة ليست حياة طبيعية مثل باقى البشر بل لا تصلح أيضا للحيوانات في دول أوروبا ودول العالم المدعية الديمقراطية ومدعي حقوق الإنسان، ولا يوجد حمام للاستحمام وقضاء حاجتنا، وقلة قليلة من المياه كي تتمكن من الوضوء للصلاة، وهو ما يزيد من معدلات انتشار المرض بين النازحين".
يتحدث لؤى الغول باستفاضة عن أوضاع الخيمة السيئة التي كانت يعيش فيها هو أسرته قبل أن تغادر الأسرة ويبقى هو في الخيمة، قائلا :" الخيم لا تقينا البرد أو حرارة الشمس في الصيف ولا تحمينا من مطر الشتاء، فهناك خيم من النيلون وخيم من القماش، إذا كان هناك حيوان لا يستطيع العيش في تلك الخيمة التي يصل طولها 2 متر أو 3 متر على الأكثر ، يختلف كل خيمة عن الأخرى، أسرة من 5 أفراد تعيش في هذه المأساه، وتحمل بشكل مستمر أمتعتها على ظهرها من أجل الانتقال من مكان نزوح لأخر، وتوقفت المدارس والتعليم، وشنط المدارس التي كان يحمل فيها أطفالى الكتب أصبحوا يملئونها بملابسهم لحملونها على ظهروهم وبدلا من أن يذهبون إلى المدرسة مثلهم مثل باقى أطفال العالم، يذهبون بها إلى الخيمة ومكان النزوح والمرار والعذاب".
رئيس بلدية دير البلح: تدفق كبير للنازحين على المدينة ولم يعد هناك مكان لإنشاء الخيم
الفترة الأخيرة بدأ الكثر من النازحين في رفح النزوح مرة أخرى إلى دير البلح، التي تكتظ من الأساس بالنازحين، وهو ما يؤكده دياب الجرو رئيس بلدية دير البلح، الذي يؤكد أن بلدية دير البلح من اللحظات الأولى التي طلب فيها الاحتلال من أهالى غزة والشمال ترك منازلهم على اعتبار أن منطقة غزة والشمال هي منطقة عمليات لقوات الاحتلال، طلب منهم الاحتلال النزوح تجاه الجنوب وكان دير البلح من المناطق الآمنة التي يمكن الاتجاه إليها، ومنذ تلك اللحظة من بدايات الحرب، ودير البلح تعج بالنازحين، ويزيد فيها الأعداد كلما زادت تهديدات الاحتلال للناس المتواجدين في غزة والشمال وكل ما يتم تدمير منطقة، يطلب منهم النزوح لمدينة دير البلح.
أسرة نازحة في غزة
ويضيف رئيس بلدية دير البلح، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن البلدية عملت منذ بداية الحرب على فتح مراكز إيواء بمدارس وكالة الغوث وعددها 8 مدارس ومع زيادة الأعداد اضطررنا لفتح مدارس الحكومة في دير البلح وعددهم 21 مدرسة، متابعا :"مع تزايد الأعداد فكرنا في الأماكن الخاصة بصالات الأفراح والأندية والمؤسسات وغيرها من المرافق الخاصة والعامة، لاستيعاب النازحين، ومع تزايد الأعداد ومع تهديدات المتزايدة للاحتلال بدخول رفح ارتفعت أعداد مراكز الإيواء وبدأنا نبحث عن الأراضي الفارغة في دير البلح حتى لم يعد هناك مكان فارغ ليتواجد النازحين فيها ويضعون فيها خيمهم".
ويوضح دياب الجرو، أن عدد مراكز الإيواء في دير البلح تجاوز الـ100 مركز بتعداد سكاني فاق 600 ألف نازح في دير البلح، وهذه الأعداد الكبيرة للنازحين تشكل عبئا كبيرا على مقدرات المدينة في كل الجوانب، وعلى كافة الأصعدة، سواء على صعيد البنى التحتية للبلديات وصرف صحي ومياه ونظافة ومستشفيات وقدرتها على استيعاب المرضى وكل شيء والحركة التجارية والبضائع، متابعا :"أثرت هذا العدد الكبيرة من النازحين على كل مناحي الحياة وأصبح الناس لا يطيقون هذه الأعداد الكبيرة واليوم نعمل بـ7 أضعاف سكان دير البلح وبأعداد مهولة من النازحين حيث لا تجد مكانا فارغا تحط به رحالك".
تحليل الأمم المتحدة لصور جوية للتخريب الذى لحق بالحيازات الزراعية في قطاع غزة
"هناك بعض العائلات نزحت أربعة وخمس وستة مرات، وكلما ذهبت عائلة لمنطقة، طلب منهم النزوح لمنطقة أخرى"، هكذا يشرح رئيس بلدية دير البلح المآسي التي يتعرض لها النازحين في غزة، حيث يواصل :"هناك من نزح إلى مخيم جباليا ثم مدينة غزة ثم دير البلح ثم نزح إلى خان يونس وبعد الاعتداء نزح إلى رفح ثم الآن ينزح من رفح لدير البلح، وهذا العدد من النزوح كبيرة للغاية في فترة زمنية محدودة وما يرافقه من معاناة شديدة في نقل الأمتعة وغيرها من المستلزمات التي يحتجونها، وقد لا يجد مكان من أجل أن يضع خيمته وقد لا يجد خيمة وربما يترك الخيمة مع كثافة النيران الصهيونية تجاه المكان الذي ينزح فيه، وهذه معاناة كبيرة يعيشها الفلسطينيون تبدأ بترك منازلهم وبعض الأحيان لا يستطيع أن يأخذ من أمتعته سوى الملابس التي عليه فقط، وحينها ينزح لمكان أخر ويقيم خيمته لتقيه حر الصيف وبرد والشتاء وقد يضطر لترك الخيمة خلفه وما رتب بها لنفسه من مستلزمات لينزح لمنطقة أخرى، فهذه معاناة كبيرة للناس، ويجدون معاناة وصعوبة شديدة في كل حالة تنقل ونزوح، ولكن كما عساهم أن يفعلوا تجاه هذه الهجمة الصهيونية البشعة وهذا الاعتداء الظالم عليهم".
761 ألف مريض بأمراض الجهاز التنفسي الحاد بين النازحين
الدكتور عائد ياغي مدير جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية في غزة، ومنسق القطاع الصحي في شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، يكشف نسب انتشار الأوبئة والأمراض بين النازحين في غزة، حيث يؤكد أنه لا توجد احصائية رسمية دقيقة، ولكن يمكن الاستدلال على انتشار الأمراض عبر رصد الحالات التي تتم من قبل مقدمي الخدمات الصحية ، حيث تجمع منظمة الصحة العالمية أرقام وإحصائيات التي يزودها بها مقدمي الخدمات الصحية.
ويؤكد مدير جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية في غزة، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن هناك 761 ألف مريض بأمراض الجهاز التنفسي الحاد بين النازحين، بجانب 415 ألف حالة إسهال، و61 ألف حالة كبد وبائي النوع أ، و144 ألف أمراض جلدية، لافتا إلى أن هذه الأرقام تعكس ما يتم التعامل معه وعلاجه ومن استطاع الوصول من المرضى لمقدمي الخدمات، متابعا :"من خبرتي ومتابعتي للأحداث اعتقد أن الأرقام اعلى من ذلك بكثير وخاصة أن هناك العديد من المرضى لا يستطيعون الوصول لمقدمي الخدمات الصحية لذلك لا يتم تسجيلهم.
شارع بغزة خالى إلا من عدد قليل من الناس بعد نزوح المواطنين
ويشير عائد ياغي، إلى أن هناك 2000 مريض يتم اكتشاف وتشخيصهم بالسرطان منهم 120 طفلا، بجانب أكثر من 220 ألف مريض بأمراض الضغط، و70 ألف مريض بمرض السكر منهم أكثر من 1200 مريض سكر النوع الأول ، و1100 مريض يحتاجون جلسات غسيل كلى بمعدل 3 جلسات أسبوعياً منهم 30 طفل.
رسم توضيحى لعدد الإصابات بين النازحين في غزة
رسامة الكاريكاتير الفلسطينية أمية جحا: نزحت 8 مرات وصنعت الخبز من علف الحيوانات
قصة معاناة ثالثة، هذه المرة للفنانة ورسامة كاريكاتير الفلسطينية، أمية جحا، والتي سجلت رقما كبيرا في عدد النزوح داخل قطاع غزة منذ بداية العدوان وحتى الآن، وصل العدد إلى 8 مرات، في كل مرة رحلة معاناة وألم شديد، وهو ما تحكيه باستضافة خلال شهادتها حول حجم الصعوبات التي تلاقيها نتيجة النزوح المستمر من مدينة لأخرى داخل القطاع.
وتقول أمية جحا، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إنها نزحت ثمانية أماكن بعد قصف بيتها، حيث انتقلت في البداية لمنزل أهلها ثم إلى بيت شقيقها، ثم إلى عيادة تابعة لوكالة الأونروا، ومنها إلى مستشفى الشفاء الطبي ثم مدرسة تابعة لوكالة الأونروا ثم بيت لأقارب ثم إلى جامعة الأقصى بغزة ثم إلى بيت أقارب أخرين، موضحة أن كثرة التنقل كان بسبب وجود خطر القصف الاسرائيلي في كل مكان كانت هي وأسرتها تنزح إليه.
"لم أحمل أي متاع من بيتي لأن سقف البيت انطبق على كل ما يحتويه، فلم أحصل على أي من أغراضي"، هنا تتحدث أمية جحا عن معاناة أسرتها بعد قصف المنزل، واضطرارهم ترك كل الأمتعة والفرشات والآثاث الذي دمر، لينتقلون بملابسهم فقط لأماكن النزوح، حتى أرشيفها الفن دمر بالكامل، قائلة: هذا حال معظم بيوت القطاع التي تعرضت في الغالب للتدمير الكلي، حتى ارشيف أعمالي الفنية كله الآن تحت الركام منذ أكثر من سبعة أشهر".
فنانة فلسطينية قتل الاحتلال مظاهر الحب والجمال داخل قلبها، هذا القلب الذي كان يوحى للعقل لمشاهد جمال ترسمها عبر لوحاتها الفنية لتخرج روائع، إلا أن هذا تحول فاجأة إلى بؤس وتعاسة وحزن في ظل حياة صعبة تعيشها أمية جحا يوميا من أجل أن تواجه تحديات قاسية لم تتعود عليها من قبل إلا أن الاحتلال فرضه عليها وعلى أسرتها، وتنتظر فرج قريب ينهي تلك المعاناة.
وحول ظروف معاناة النازحين والحياة القاسية التي يتعرضون لها، تقول الفنانة الفلسطينية :" بالطبع عانيت كغيري من ظروف النزوح فالحرب بدأت في الصيف وحرارة الشمس وما صاحب ذلك من أمراض نهشت الأجساد في ظل تدني الخدمات الصحية بسبب استهداف الاحتلال للمستشفيات والكوادر الطبية، ثم جاء الشتاء ببرده القارس والمطر والحاجة للدفء وهو أمر كان صعب المنال في ظل تكدس النازحين في المشفى أو المدرسة أو الجامعة أو الخيام، والطبع تفشت الأمراض كالسعال والإنفلونزا، وها هو الصيف يعود من جديد بعدما طالت شهور الحرب وحرب التجويع التي يمارسها الاحتلال فيمنع دخول المساعدات الإنسانية فضلا عن سوء الأوضاع المادية بسبب إغلاق البنوك والمصارف".
نازحون في خان يونس
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل أيضا هناك نقص اطعام الذي أثر على الحالة الصحية لأمية جحا، حيث تقول :"تأقلمنا مع قلة الطعام فصارت أجسادنا أضعف وزنا، صنعنا الخبز من علف الحيوانات، ولم نتناول اللحوم منذ شهور فقط كانت المساعدات القليلة للغاية، والتي كان يبيعها من يتمكن من الوصول إليها، وقبل فترة قليلة صار الاحتلال يسمح بدخول بعض شاحنات المساعدات بالدخول إلى شمال قطاع غزة، وعربات المياه شبه صالحة للشرب تتنقل في الشوارع بين البيوت ، ويتم الحصول عليها من بعض آبار المياه القليلة التي سلمت من القصف".
كما تتحدث الفنانة الفلسطينية عن أزمة انقطاع الكهرباء والاتصالات وكيف استطاع النازحين التغلب على تلك المشكلة، قائلة :" انقطاع الكهرباء مشكلة كبيرة، ولكن تمكن الغالبية من استصلاح ألواح الطاقة الشمسية واستخدامها لأغراض شتى كالتبريد وشحن الهواتف والبطاريات، أما الإنترنت فقد تمكن كثير من الشباب المهتم والدارس لعلوم التكنولوجيا من استغلال الشرائح الإلكترونية الخاصة بهواتف الأيفون وعمل نقاط انترنت في مواقع متعددة يتجمع الناس حولها ويشتركون بمقابل مادي "خمسة شواكل لساعة انترنت واحدة"، وهو ما يعني أن شعب غزة شعب مبتكر جبار، جدير بالحياة بكرامة وحرية ويأبى أن يهزمه محتل جبان لا يعرف إلا لغة الإبادة والدمار".
مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية: 90 % من سكان غزة نازحين من بيوتهم التي دمرها الاحتلال
أمجد الشوا مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، يستعرض حجم الكوارث التي يعيشها النازحين في غزة، مؤكدا تزايد حلقات الكارثة صعوبة وتعقيد في ظل النزوح الجديد مرة أخرى من مدينة رفح مع العملية العسكرية الإسرائيلية، خاصة أن هناك عائلات نزحت للمرة الرابعة أو الخامسة.
ويضيف مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن هذه المرة هي الأسوأ في عمليات النزوح، حيث هناك نزوح من الجنوب تجاه منطقة المواصى غرب خان يونس أو باتجاه المنطقة الوسطى وهي المناطق مزدحمة من الأساس بالنازحين وتفتقد للبنى التحتية والخدمات الأساسية خاصة خدمات الإيواء الخيام وغيرها من الاحتياجات ، لافتا إلى أن هناك يوميا الآلاف بل عشرات الآلاف من الأسر التي يتم نزوحها من رفح، التي كانت تستقبل ما يقرب من مليون و400 ألف من النازحين، وهناك في الوقت الراهن خروج كبير لهذه الأسر في ظل الاستهداف المستمر للاحتلال ومخاوف من اجتياح كامل لمدينة رفح وتدمير الاحتلال ببنى ومقومات الحياة.
ويوضح الشوا، أن الاحتلال استهدف عمارات سكنية وأبراج وتم إخلاء المنطقة، بجانب مستشفى أبو يوسف النجار وهي المستشفى الرئيسي من رفح، ومستوصف الزهراء الخاص بمرضى السرطان، بجانب نقص الوقود الذي يتسبب في كارثة كبيرة جدا، والوقود مرتبط بقضية المياه والصرف الصحي وخدامات المستشفيات، والمستشفيات قد تتوقف خلال الساعات المقبلة .
وفي 8 مايو الماضي، أعلنت وسائل إعلام فلسطينية، خروج مستشفى أبو يوسف النجار من الخدمة بعد هجوم قوات الاحتلال الإسرائيلي على المناطق الشرقية من رفح الفلسطينية.
ويشير مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، إلى أن مياه الشرب مرتبطة محطات تحلية المرتبطة بالوقود في ظل انقطاع التيار الكهربائي منذ بداية العدوان، ومع عدم توافر الوقود فالحياة تتوقف والأمور تتعقد خاصة حال استمر الاحتلال في منع وصول الوقود والمساعدات الغذائية والدوائية، بعدما أعطت الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر للاحتلال بالهجوم على رفح بإدعاء محدودية العملية، متابعا :"العملية العسكرية تشمل رفح بشكل كامل وكل قطاع غزة، والأمر خطير و90 % من سكان غزة نازحين من بيوتهم التي دمرها الاحتلال في ظل القصف والغارات الإسرائيلية المتواصلة وتدمير مربعات كسنية بأكملها والأمور تتجه لمزيد من الصعوبة والتعقيد ونحذر المساس بالشعب الفلسطيني خاصة قضية المجاعة ومياه الشرب التي تزداد، خاصة أن المواطنين كانوا يلجئون للمياه غير صالحة للشرب بجانب انتشار الأمراض والأوبئة خاصة أننا في بدايات فصل الصيف وهو أمر في منتهى الخطورة".
الطبيب الفلسطيني يحي كيالى: الاحتلال اعتقل أسرته وعذبه وابنه وسرق محتويات العائلة ونزح لرفح
القصة الرابعة والأخيرة في هذا التقرير، هي للدكتور الفلسطيني "يحي كيالى" وهي القصة الأصعب في هذا التقرير، خاصة أنه نجى من الموت بعدما انتشله فريق الدفاع المدني وأفراد أسرته من تحت الأنقاض، ثم تعرض للاعتقال من قبل قوات الاحتلال عقب اقتحام مكان نزح فيه، ليلاقى ويلات التعذيب من الجنود الإسرائيليين، قصة أشبه بالخيال إلا أن يحيى الكيالى وعائلته عاشوها بكل تفاصيلها.
ويقول الطبيب الفلسطيني، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إنه وعائلته كانوا يعيشون في منطقة الصبرة في مبنى مكون من خمسة طوابق، وعند الدخول البري للقوات الاسرائيلية نزحت العائلة واتجهت نحو عيادة الصبرة التابعة للأونروا، متابعا :"بعد اقتراب الدبابات الإسرائيلية بالقرب من العيادة تم إجبارنا على إخلاء العيادة وانتقلنا من مدرسة إلى مدرسة ومن مأوى إلى مأوى وفي كل مرة نتعرض للقصف والنزوح".
مخيمات نزوح الفلسطينيين
ويواصل "الكيالى " حديثه قائلا :"في فترة الهدنة رجعنا لبيوتنا والتي تعرضت للقذائف ومع ذلك اضطررنا للإقامة فيها وبعد انتهاء الهدنة بدقيقة تعرضنا لعشرات القذائف على بيوتنا وبعد أسبوعين من القصف تم تحذيرنا لإخلاء المنطقة ولجأنا هذه المرة عند أقاربنا في منطقة شبه آمنة وبعد شهر تراجعت القوات المعادية وعدنا إلى بنايتنا وفي اليوم التالي وفي منتصف النهار تم قصف البناية بواسطة طائرات أف 16 وأدى ذلك لاستشهاد عدد من أفراد الأسرة وإصابة الآخرين وتم إخراجنا من تحت الأنقاض وبدأنا رحلة جديدة من النزوح واللجوء وانتهى بنا المطاف عند أنسبانا في فيلا قرب مستشفى الشفاء".
هنا يبدأ منعطف جديد وصعب للغاية في حياة يحيى الكيالى وأسرته، بعدما حاصر الاحتلال مجمع الشفاء الطبي، حيث يقول :"في تاريخ 19 مارس الحالي تعرض المستشفى لهجوم وحصار واسع وتم تحذيرنا بعدم الخروج من المنازل وفي خلال ثلاثة أيام تعرضت الفيلا لقصف مستمر ونحن داخلها لدرجة أننا كنا محبوسين في غرفة صغيرة لا نستطيع الخروج منها وبقينا ثلاثة أيام بدون طعام أو شراب وفي اليوم الثالث الساعة الرابعة فجرا".
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل الأصعب ما زال ينتظر تلك الأسرة التي اختار لها القدر أن تلاقي أهوالا لا يتخيلها عقل، وهنا يسرد يحيى الكيالى تلك المشاهد الصعبة قائلا:"بعد محاصرة المنطقة بالدبابات اقتحم حوالي 30 جنديا مدججين بالسلاح الفيلا تحت إطلاق قنابل الغاز والصوت وإطلاق النار من الرشاشات في كل اتجاه وأخذنا بالصراخ وخصوصا الفتيات والنساء والأطفال وكنا وقتها 10 أفراد، ودخل الجنود غرفتنا وأطلقوا النار فوق رؤوسنا وأخذوا الذكور منا وأجبرونا على خلع ملابسنا واقتادونا إلى الحمام المجاور وطلبوا من ابني الكبير أن يدخل غرفة أخرى للتحقيق وسمعت صراخه من التعذيب وأخبرني بعدها أنه تعرض للخنق لآخر نفس والضرب والشتم والتنكيل ثم استدعوني أنا للتحقيق وكنت اتكلم معهم باللغة الإنجليزية وتعرضت لنفس الضرب والإهانة وانتقلوا للتحقيق مع الأولاد الصغار والذين لم يسلموا من الضرب والإهانة رغم توسلهم لهم ".
ويتابع الطبيب الفلسطيني :" غطى جنود الاحتلال أعيننا واقتادونا إلى سطح البناية وأجبرونا على الجلوس على الزجاج المكسور والحجارة لمدة 8 ساعات متواصلة وصورونا سلفي معهم وهم يضحكون وبعضهم تبول علينا وكان البرد شديد للغاية وكنا نرتجف وبعد ساعات قاموا بالاشتباك مع فصائل فلسطينية خارج البناية وأخذونا كدروع بشرية تحت إطلاق وابل من الرصاص من الطرفين . وفي هذه الأثناء أخذوا النساء والفتيات للسطح ورفضوا أن يعطوهم شنطهم وأغراضهم، ثم طلبوا مني أن أخرج خارج الفيلا وأنا بدون ملابس وأجبروني على دخول كل البنايات والشقق المجاورة لأبحث داخلها إذا كان هناك سكان مختبئين داخلها، وبعد عودتي طلبوا من الجميع الاستعداد للخروج من البناية وطلبنا منهم أن يعطونا أغراضنا الشخصية وملابسنا فرفضوا تماما".
هنا يتحدث يحيى الكيالى عن حجم السرقات التي تعرض لها وأسرته من قوات الاحتلال قائلا:" رأيت الجنود يتقاسمون المبالغ التي كانت بحوزتنا والتي تقدر بآلاف الدولارات والشواكل، بالإضافة إلى كمية كبيرة من المجوهرات والحلي الذهب والتي جمعوها من النساء والفتيات إضافة إلى التي كانت بحوزتهم في شنطهم أو في الخزائن ورأينا أثناء الخروج متعلقاتنا على الأرض وجميع أجهزة اللابتوب تحت أقدامهم يدوسون عليها وحطم جنود الاحتلال النجف والاثاث وأشعلوا النيران في كل الطوابق وهم يضحكون ويرقصون وتم اقتيادنا جميعا مع الجيران في طابور واحد وأهانوا الجميع بما فيهم كبار السن وكان أحدهم على عكازين ولم يراعوا إعاقته بل أجبروه على الزحف وكان أحدهم كفيف ويتعثر في المشي تحت ضربات بنادقهم".
يواصل الطبيب الفلسطيني، الحديث عن عملية نزوحه من جديد بعد أن تركه جنود الاحتلال وأسرته، حيث يقول :"بدأت رحلة نزوح العذاب للجنوب من مستشفى الشفاء وتم فصل النساء عن الرجال وطلبوا منهن المشي باتجاه الجنوب وأبقونا في مستشفى الشفاء لمدة ساعة ونحن عراة أمام الناس ورأينا الكثير من الجثث ملقاة على الأرض تنهشها الكلاب والقطط وشاهدنا طوابير من النساء والأطفال والمرضى في ساحة المستشفى يبكون ويصرخون وأجبرونا جميعا الخروج من المستشفى باتجاه الجنوب ولم يكن معنا أي مبالغ أو حتى ملابس نستر بها أنفسنا ومشينا لمدة 6 ساعات متواصلة للوصول إلى الجنوب ونحن صائمون ووصلنا بعد آذان العشاء هناك وكان في استقبالنا أحد أقاربنا والذي اخذنا لمكان آمن في دير البلح".
مخيمات النزوح
شهادة النازح يحيى الكيالى، تكشف فظائع ما يتعرض له الكثير من النازحين، فالأمر لا يتوقف عن البحث عن مكان آمن للعيش، بل هي قصة الانتقال من الموت إلى الموت، من موقت محقق نتيجة القصف المباشر، إلى موت من صعوبة الحياة ونقص الطعام والشراب والاعتقال والإهانة وغيرها من صور التنكيل للنازحين.
الإحصاء الفلسطيني: 2 مليون نازح ومليون و95 ألف مريض مصاب بأمراض معدية
في نهاية هذا التقرير، حرصنا على محاولة الوصول لأرقام رسمية بشأن عدد النازحين، وحجم الأضرار التي لحقت بهم، حيث تواصلنا مع نهاية عودة، مدير دائرة إحصاءات النوع الاجتماعي في الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، التي أكدت في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن ما تم تسجيله حتى الآن هو 2 مليون نازح فلسطيني، بينهم 350 ألف مريض مزمن في خطر بسبب منع دخول الأدوية للقطاع، و20 ألف حالة عدوى التهاب الكبد الوبائي الفيروسي بسبب النزوح، ومليون و95 ألف مريض مصاب بأمراض معدية نتيجة النزوح.
وتضيف "نهاية عودة"، أن هناك 10 آلاف مريض سرطان يواجه الموت، و86 ألف وحدة سكنية دمرها الاحتلال بشكل كلي، و294 ألف وحدة سكنية دمرها الاحتلال بشكل جزئي، و33 مليار دولار خسائر أولية مباشرة لحرب الإبادة على قطاع غزة، وهي إحصائيات تكشف حجم الدمار الذي لحق بالقطاع وسكانيه.
خسائر قطاع غزة بسبب الاحتلال رسم توضيحي
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة