بيشوى رمزى

الإصلاح الدولي و30 يونيو.. والحاجة إلى "خروج آمن" من الحالة الثورية

الأحد، 30 يونيو 2024 02:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يبدو أن الأوضاع الراهنة، التي يشهدها العالم، سواء فيما يتعلق بالحالة الدولية المرتبكة، جراء اندلاع حربين، قابلين للتمدد والامتداد، من جانب، أو الأوضاع الداخلية في العديد من الدول، وما يشوبها من "نار تحت الرماد"، من جانب آخر، تعكس بجلاء حالة العجز الكبير لدى النظام العالمي، في صورته الراهنة، عن تقديم الحماية اللازمة للسلم والأمن الدوليين، في لحظة تبدو فارقة، وتاريخية، وهو ما ينم عن حاجة ملحة إلى "ثورة" دولية، من شأنها تحقيق الإصلاح، ولتكون بديلا عن ثورات عالمية، قد تأكل الأخضر واليابس حال اندلاعها، جراء عدم قدرة الحكومات على احتواء مخاوف مواطنيهم، بسبب الغلاء والتضخم، وارتفاع معدلات الهجرة واللجوء، وغيرها من القضايا التي تمس حياتهم بصورة مباشرة، وجاءت كنتيجة حتمية مباشرة للأوضاع الدولية المرتبكة، والفشل في احتواء الصراعات، هنا أو هناك.


ولعل الحديث عن مفهوم "الثورة"، على المستوى الدولي، فهو في جوهره مرادف لـ"الإصلاح"، على عكس نظيراتها العالمية، والمقصود بها تلك الحركة الفوضوية داخل الدول والتي تحمل طبيعة فيروسية، سريعة الانتقال عبر الحدود، والتي قد تصل حال الفشل في وأدها إلى دائرة مفرغة من الصراعات الداخلية والحروب الأهلية، والتي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار المؤسسات، وهو الأمر الذي بدت إرهاصاته أولا في منطقة الشرق الأوسط، في عام 2011، في ظل ما يسمى بـ"الربيع العربي"، بينما امتدت تلك الحالة إلى مناطق أخرى حول العالم، وعلى رأسها دول الغرب الأوروبي، وهو ما بدا في بزوغ نجم حركة السترات الصفراء، مع اقتراب نهاية العقد الماضي، ثم امتد إلى الولايات المتحدة نفسها مع بداية العقد الجديد، عندما اقتحم أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب مقر الكونجرس الأمريكي احتجاجا على الإعلان عن فوز منافسه آنذاك جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأخيرة.


وبالنظر إلى إرهاصات الحالة الثورية في الغرب، نجد أن ثمة ارتباطا وثيقا بالمشهد في الشرق الأوسط، في جزء كبير منه، في ضوء ارتباطه في الأساس بأوضاع المواطنين، إلا أنه يحمل جانبا آخر، يرتبط بصورة كبيرة بالوضع الدولي العام، وعدم القدرة على احتواء تداعياتها على حياتهم، وهو ما بدا واضحا في أزمة أوكرانيا، وما ترتب عليها من أزمات كبيرة في قطاعي الغذاء والطاقة، لتتفاقم الأمور مع اندلاع العدوان على قطاع غزة، وهو ما يعكس حقائق ملحة، أبرزها تراجع نفوذ الولايات المتحدة، ومن ورائها ما يسمى بـ"المعسكر الغربي"، وعدم قدرته على احتواء الأزمات الدولية الكبرى، على غرار ما شهده العالم، خلال العقود الماضية، وتحديدا منذ نهاية الحرب الباردة، مع سيطرة واشنطن على وتيرة الصراعات الدولية، وقدرتها الكبيرة على التحكم بها لتحقيق مصالحها وإحكام سيطرتها على العالم.


وفي الواقع، تبدو الحاجة إلى تحويل الإرهاصات الحالية للحالة الثورية، إلى فرصة لتحقيق إصلاح شامل، يعتمد التعددية كمنهج دولي، يقوم على التعاون والتكامل، لتحقيق الاستقرار المنشود، وهو الأمر الذي يمكن استلهامه من التجربة المصرية، في أعقاب 30 يونيو، عندما نجحت في تحقيق ما أسميته في مقال سابق بـ"الخروج الآمن" من الحالة الثورية، عبر تحقيق التوازن بين الواقع والمنشود، من خلال تشخيص الأوضاع بصورتها الصحيحة، والعمل على تقديم العلاج تدريجيا، وهو ما تحقق من خلال استغلال الحماسة "الثورية" والرغبة الملحة في الإصلاح، في أعقاب الثورة، ثم اتخاذ خطوات عملية من شأنها مواكبة الواقع الداخلي والإقليمي والعالمي، بعيدا عن الشعارات المزيفة والوعود الكاذبة.


الحالة المصرية، في أعقاب 30 يونيو، حملت مسارات متوازية، منها ما ارتبط بالداخل عبر استثمار الزخم الثوري في الشارع، لتحقيق إصلاحات كبيرة، كان الشارع لديه استعداد لتقبلها، خاصة بعد معاناة دامت لأكثر من عامين، بينما كانت العلاقات الإقليمية، في إطار الدوائر الدبلوماسية (العربية والأفريقية والمتوسطية) مسارا آخر، عبر تعزيز العلاقات مع كافة القوى المؤثرة بها، في حين دار المسار الثالث على المستوى الدولي الأوسع نطاقا من خلال الانفتاح على القوى الدولية المؤثرة، في إطار تعددي.


الحالة الدولية برمتها تبدو بحاجة إلى تشخيص واقعي لما تمر به من مخاض، يعكس ارتباكا وعجزا عن مواجهة الأزمات الكبرى، وما ينجم عنها من تداعيات مباشرة على مواطني كافة الدول، وهو ما يتطلب التحول من الوضع الصراعي القائم على التنافس، نحو تعزيز التعاون بين القوى الدولية المؤثرة، من أجل احتواء الأوضاع الراهنة، خاصة مع قابليتها للانفجار في أي لحظة، وما قد يترتب على ذلك من مزيد من الارتباك.


وهنا يمكننا القول بأن الإصلاح الدولي هو السبيل الوحيد لإنقاذ العالم من حركة فوضوية تبدو قريبة للغاية، ربما لن تخضع لمعايير النظام القائم، والذي طالما راهن على ثوابت نمطية، دارت في معظمها على مصطلحات متكررة، على غرار الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو الأمر الذي يتطلب تحركا جماعيا من قادة العالم، نحو مزيد من التوزان، القائم على القبول بمعطيات الحقبة الجديدة، والقائمة على التعددية.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة