حازم الجندى

التحول للدعم النقدي خطوة على الطريق الصحيح

الثلاثاء، 04 يونيو 2024 01:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الحوار هو الوسيلة الأفضل دائماً لتوليد الأفكار البناءة وإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات؛ لذلك كان للحوار الوطني الذي أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، الدعوة إلى انطلاقه في شهر أبريل من عام 2022، إسهامات بارزة في العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وطرح الحلول والتوصيات والرؤى، وأحدث حراكاً كبيراً في المشهد السياسي المصري، وهو ما ترتب عليه وجود ثقة كبيرة من القيادة السياسية والحكومة في طرح بعض الملفات الحيوية والملحة على الحوار الوطني لمناقشتها وفتح حوار بشأنها، كان من بينها مشروع قانون المجلس الوطني للتعليم والبحث العلمي، والملف الاقتصادي وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، وأخيرا ملف الأمن القومي المصري وقضية التحول من الدعم العيني إلي الدعم النقدي، وهو توجه محمود من السلطة التنفيذية أن تجعل الحوار خطوة أساسية في مناقشة قضايا الوطن وحرص القيادة السياسية على الاستماع لكل وجهات النظر والرؤى.


ويسعدني في هذا المقام أن أثمن الخطوة التي اتخذها الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، بإحالة قضية التحول من الدعم العيني إلى النقدي للحوار الوطني لمناقشتها، وكانت هناك استجابة سريعة من الحوار الوطني بعقد اجتماع لمجلس الأمناء لطرح هذا الأمر بجانب قضايا أخرى، حيث رحب مجلس أمناء الحوار الوطني بإحالة قضية التحول إلى الدعم النقدي معلنا عن تصدي الحوار عبر آلياته المعتمدة منذ بدءه، لقضية الدعم وما هو مطروح من الحكومة حول إمكانية تحويله من عيني إلى نقدي، وأنه لم يبلور بعد رأياً في هذا الموضوع، وفي انتظار ما سوف تنتهي إليه آليات الحوار من خلاصات وتوصيات.


والحقيقة أن طرح ملف قضية الدعم وإمكانية التحول من دعم عيني إلى نقدي على الحوار الوطني لفتح مناقشات وحوار بشأنها إنما هى خطوة إيجابية جدا تؤكد حرص القيادة السياسية على الصالح العام للوطن والمواطن، فهذا الملف الحيوي والملح جدا يعد واحداً من أهم الملفات الاقتصادية الاجتماعية والتي تمس المواطن بشكل مباشر، حيث يمس أكثر من 60 مليون مواطن، واتخاذ قرارات بشأنه يتطلب الحوار والاستماع إلى كل الرؤى والتصورات من الخبراء والمتخصصين والاستعانة بتجارب الدول الأخرى في هذا الصدد للاستفادة من إيجابياتها وتلافي سلبياتها.

وهنا يسعدني أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى الدكتور مصطفى مدبولي، على استجابته للطلب الذي تقدمت به وطرحت من خلاله فكرة التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي، وهو ما يؤكد أن الدولة تستمع إلى كل وجهات النظر والرؤى وتدرسها في إطار ما يحقق الصالح العام، فالجميع يتفق على أهمية حوكمة منظومة الدعم، ووضع الآليات اللازمة التي تضمن وصول الدعم لمستحقيه، ومنها التحول إلى الدعم النقدي، وضرورة تطبيق الميكنة والرقمنة في المنظومة وإعداد قاعدة بيانات دقيقة وإلكترونية للمستحقين والمستفيدين من الدعم ومدى أحقيتهم به، ووضع المعايير والضوابط اللازمة لضبط هذه المنظومة والحد من الفساد فيها وعدم إهدار المال العام.

لذلك أنا من أشد المؤيدين والمطالبين بضرورة التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي، بإلغاء الدعم العيني للسلع الأساسية والغذائية والتموينية والخبز وغيرها، ليصبح دعما نقديا، مما سيؤدي إلى حوكمة منظومة الدعم ووصوله للمستحقين، والأمر يتطلب أيضا تشديد الرقابة على هذه المنظومة وإعداد قاعدة بيانات دقيقة لمستحقي الدعم.

ذلك ما يمكن أن نطلق عليه «ترشيد الدعم» وليس الإلغاء، فلم يطرح أحد فكرة إلغاء الدعم لا من جانب الحكومة ولا غيرها، إنما يرتبط الأمر بالرغبة في وصول الدعم لمستحقيه من الأسر الأولى بالرعاية والأكثر احتياجا، بما ينعكس بالإيجاب على المواطن والدولة، وبما يمنع إهدار المال العام بسبب حصول بعض غير المستحقين على الدعم وهو ما يؤثر سلباً على الآخرين المستحقين للدعم.


لذا طرح الموضوع على الحوار الوطني خطوة مهمة لمناقشة آليات تعزيز حوكمة هذه المنظومة؛ وضمان كيفية وصوله حقيقة لمستحقيه، والدكتور مصطفى مدبولي تحدث ووضح بعض الأمور بسبب الجدل حول هذا الملف بعد إحالته الحوار الوطني، حيث قال رئيس الوزراء إنه تابع بعض ردود الأفعال واستمع إليه كما لو أن الدولة ترغب في رفع يدها عن الدعم تمامًا أو أن الدولة بصدد إلغاء الدعم «وهذا ليس صحيحًا على الإطلاق»، مُشددًا على أن «الدولة ستظل مُلتزمة بوجود الدعم، خاصة في السلع الأساسية التي تمس حياة المواطن، وكل محاولاتنا تستهدف ترشيد هذا الدعم، حتى يتسنى لنا كدولة استدامة تقديمه».

ولتأكيد وجهة نظر الدولة في استمرار الدعم، اقترحت الحكومة أن تطرح للحوار الوطني والمجتمعي فكرة التحول للدعم النقدي؛ حيث إن كل الخبراء الاقتصاديين يؤكدون أنه «لضمان استدامة منظومة الدعم ووصوله لمستحقيه، لا سبيل لذلك إلا من خلال التحول من دعم عيني إلى دعم نقدي يمكن أن تستفيد منه الأسر المستحقة لهذا الدعم»، حيث تم توجيه الدعوة من خلال آلية الحوار الوطني وكل الخبراء للبدء في مناقشات جادة تضع خطة واضحة للدولة وللحكومة إذا ثبت جدوى هذا الموضوع، بكيفية التحول لمنظومة الدعم النقدي بدلًا من الدعم العيني.

فتطبيق الدعم النقدي هو السبيل الوحيد لتوفير مبلغ مناسب للأسر المستحقة للدعم، يستطيع من خلاله كل رب أسرة تحديد أولوياته والاستفادة من هذا الدعم، وحديث رئيس الوزراء في هذا الشأن مطمئن، خاصة فيما قاله بأن قيمة الدعم لن تظل ثابتة، بل بالعكس سوف تكون هناك معادلات سعرية مرتبطة بالتضخم وزيادة بعض الأسعار عالميًا تُمكن الدولة من زيادة مبلغ هذا الدعم، بما يضمن استمرار استفادة المواطن من هذا الدعم وألا يتحول مع مرور الوقت إلى رقم قليل.

الحقيقة أن الدعم النقدى أكثر فعالية وأقل فسادًا ويذهب مباشرة إلى المواطن، وهناك دول طبقت الدعم النقدي ويمكن الاستعانة بهذه التجارب للاستفادة منها ورصد الإيجابيات والسلبيات، ومنها البرازيل والهند والمكسيك وكينيا، وغيرها، كما أن لدينا في مصر تجربة الدعم النقدي من خلال برنامج "تكافل وكرامة" والضمان الاجتماعي، ويمكن البناء على هذه التجربة مع تدقيق بيانات المستحقين وحصرهم.

ختاماً.. أجدد التأكيد على أن أبرز مميزات الدعم النقدي أنه يتم تحويل الأموال مباشرة إلى المستفيدين، مما يقلل من التكاليف والهدر، بما يضمن وصول الدعم للمستحقين فقط والحد من الفساد، وخفض معدل الفقر ودعم الأسر الأولى بالرعاية والأكثر احتياجا.. ومما لا شك فيه، أن الدعم النقدي يساهم في خفض معدل الفقر ودعم الأسر الأولى بالرعاية والأكثر احتياجا، والمساعدة على تمكين المرأة اقتصاديا، وتحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز ثقافة الإنتاج لدى المواطنين وترشيد الاستهلاك، وتحقيق الضمان الاجتماعي للأسر والمساهمة فى تحقيق الأمن المجتمعي، والاستثمار فى رأس المال البشري، والارتقاء بالمستوى التعليمي لأفراد الأسر المستفيدة، وتحسين مستوى تغذية الأطفال الصغار والرعاية الصحية للأم والطفل، وتحويل الأسر متلقية الدعم الى أسر منتجة.

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة