ربما يكون التعليم من القضايا التى لا تتعلق فقط بموعد تشكيل حكومة جديدة، لأنها القضية الأهم التى تحظى بإجماع فى الاهتمام والأسئلة المطروحة، التعليم يتعلق بالحاضر والمستقبل، وأى أحلام أو طموحات تتعلق بالتقدم والنهوض، وقد كان «بناء الإنسان» ضمن أولويات خطاب الرئيس لتكليف الحكومة بمهامها الجديدة، ويفترض أن تكون فى بؤرة الاهتمام، وهى مثل باقى القضايا المهمة مثل الصحة تعرضت على مدى عقود لتراكمات وإهمال أدى إلى أن تصبح معقدة تبدو أحيانا مستعصية على الحل، لكنها مع ذلك تبقى أملا فى إعادة بناء المجتمع وتتطلب حوارا مجتمعيا ليس فقط بين الخبراء، لكن أيضا داخل المجتمع باعتبارها قضية مشتركة تتعلق بمستقبل أى أمة، ومن دون مبالغة فإن المجتمع شريك فى تراكمات وطبقات التعليم التى تتطلب حلا بجانب أن أى تطوير فى التعليم يصطدم بمصالح فئات واشخاص متراكمة على مدى عقود تشكل حائط صد يحتاج إلى الاختراق والتعامل، وربما لهذا شغلت قضية التعليم مكانا مهما فى الحوار الوطنى، وهناك توصيات وآراء متنوعة على مدى عقود تتطلب دراسة وتفاعلا يمكن من تفهمها والتعامل معها.
قضية التعليم لا تتعلق فقط بتوفير فصول ومعلمين ومناهج، لكنه أيضا يستند على الطريقة التى تتم بها العملية التعليمية، وإمكانية أن تكون هناك مظلة تنظيم الأعمدة الرئيسية للتعليم، حتى لو تنوعت أنواعه، فنحن لدينا تعليم عام وتجريبى وخاص لغات وخاص عربى، وأزهرى وناشيونال وإنترناشيونال وآى جى، بجانب أنواع يتم استيرادها ومحاولة زرعها، وتنتهى بإنتاج تعليم متعدد وتلاميذ مغتربين عن بعضهم، وبالتالى فقد كانت قضية التعليم مطروحة بالحوار الوطنى، قد يكون تشكيل المجلس الأعلى للتعليم كمظلة شاملة تنظم وجود نظام تعليمى شامل ينظم التنوع والتعدد، وبشكل ينتج نظاما تعليميا متجانسا، بأساسيات تناسب المجتمع وتتماشى مع التطورات الجارية، هذا عن التعليم الأساسى، وأيضا التعليم العالى والجامعى الذى يفترض أن يكون رافدا لتقديم كوادر تتعامل مع معطيات العصر.
كان التعليم مجانيا فى الظاهر، لكنه فى الواقع «كأنه» تعليم، تضاعفت أعداد التلاميذ، من دون توسع مواز فى المدارس والكوادر، وما كان ممكنا لسكان يبلغ عددهم 30 مليونا، لن يكون كافيا لأكثر من 100 مليون، هناك مساع لمضاعفة أعداد المدارس والفصول خلال 10 سنوات، لتعويض الفجوة، واستيعاب مليونين إضافيين على الأقل سنويا، ثم إن التعليم أيضا لم يكن يقوم على دراسة وربط بين التعليم وسوق العمل، فضلا عن أن الدروس الخصوصية هدفها أن يجتاز الطالب الامتحان، وليس أن يفهم ويتعلم ويكتسب قدرات تمكنه من الصعود نحو مستقبله باقتناع وليس فقط اجتياز الامتحانات.
ومن المفارقات أنه إلى جانب الموازنة الرسمية هناك موازنة تعليم موازية من مليارات الجنيهات تنفق على الدروس الخصوصية، التى تعلم الطالب كيف يجيب على الأسئلة، ولا تعلمه كيف يفهم المنهج، وبالتالى فهى تنتج خريجا معه شهادة، لكنه فى كثير من الأحيان ليس متعلما بشكل كاف، يحتاج المزيد من المهارات والتدريبات والمناهج ليكمل دراسته، وهو أمر يحدث بالفعل، لكنه يشير إلى الفجوة بين التعليم والحياة والقدرة على العمل، ومن المفارقات أن ولى الأمر مستعد لدفع مئات أو آلاف للدروس الخصوصية، لكن لو طلب منه أى مبلغ إضافى سوف يرفض، واستمرارا للمفارقات أن وجود 50 – 60 طالبا هو تزاحم يمنع الفهم فى المدارس، وفى مراكز الدروس الخصوصية يصل عدد الطلاب إلى مئات، وهو أمر يتطلب دراسة لمعرفة الفرق والاستفادة بكل هذا لتطوير التعليم، وتوظيف أدوات التكنولوجيا والاتصال والإنترنت للتواصل وتطوير التعليم.
وبالتالى فإن التعليم قد تكون وزارة التربية والتعليم مسئولة مباشرة، لكن فى الواقع إن كل نقطة فى التعليم تتشابك وتتقاطع مع نقطة أخرى، وتترابط مع باقى العناصر فى المجتمع، وإذا نظرنا للإمكانيات المتوفرة حاليا فإن التكنولوجيا والإنترنت تتيحان إمكانيات أكبر مما كان فى السابق، ومع هذا فإن مخرجات التعليم تبدو أقل من الإمكانيات المتاحة، بينما فى الماضى كانت هناك أسر من غير المتعلمين أتاحت لأبنائها فرص تعليم مكنتهم من التفوق والتقدم، وقيادة المجتمع، بتفاعل الدراسات مع البعثات.
ومما يضاعف من تعقيد عملية التطوير للتعليم إنها يجب أن تتم فى ظل استمرار المدارس والتعليم بأشكاله المتنوعة، فى حين يتطور العالم بمتوالية هندسية والتكنولوجيا تبدو أسرع نموا من قدرة البشر على الاستيعاب، وهو ما يتطلب السير بسرعات مضاعفة لمجاراة العصر.
كل هذه عناصر مهمة، لا ترتبط فقط بحكومة جديدة لكنها تمثل انشغالا للدولة، والرئيس السيسى طوال السنوات الماضية، وتحتاج إلى أن توضع فى اعتبار الحكومة، من خلال تشكيلات وخطوات تضع التعليم كأولوية للمستقبل.
p
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة