واضح من هذه الحرب أنها تمثل متغيرا كبيرا فى مسار القضية الفلسطينية وأيضا فى مستقبل دولة الاحتلال الإسرائيلى، خاصة أنه ربما تكون المرة الأولى التى تعلن إسرائيل تهديدات وعداء مع كل دولة تعترف بالدولة والحقوق الفلسطينية، فى وقت لم تعد إسرائيل تخفى رفضها لحقوق الفلسطينيين، وبالتالى فإنها تنسف أى ادعاءات أو حجج، بجانب أن إسرائيل تمارس الكذب بجانب العدوان، وتحاول تعليق الفشل والجرائم فى شماعات أخرى، وتعلن بشكل واضح تهديد دول العالم التى تستنكر جرائم الاحتلال، وتعجز بالطبع عن تصدير المظلومية وادعاءات التعرض للتهديد التى اعتادت إسرائيل ترويجها وأثبتت الحرب الدائرة على غزة كذبها بشكل حاسم.
خلال الشهور من 7 أكتوبر وحتى الآن، قتل الاحتلال الإسرائيلى أكثر من 36 ألف فلسطينى فى غزة منهم أكثر من 15 ألف طفل، وهو هدف وحيد حققته آلة العدوان المستمرة طوال شهور، بينما لم يف رئيس وزراء الكيان بأى تعهدات سواء استعادة المحتجزين بالحرب، أو تحقيق الأمان وردع التهديدات، بل العكس أصبحت إسرائيل تعيش أكثر أيامها خوفا، بجانب غياب أفق أو أهداف الحرب، واحتمالات اتساع الصراع واردة بشكل غير مسبوق بالرغم من جهود كثيرة بذلت لمنعها.
الشاهد أن دولة الاحتلال تضع نفسها فوق القانون الدولى وتواصل حرب إبادة وحصار وتجويع، وحرب عنصرية تستهدف العرق والنوع، وتمثل واحدة من أسوأ الحروب العنصرية فى كل العصور، بل إن إسرائيل تبدو أنها الكيان الوحيد فى العالم الذى لا يزال يحاول إبادة شعب عريق وصاحب ثقافة ووجود أقدم منه.
ثم إن الاحتلال بقيادة نتنياهو ووزرائه المتطرفين، رفضوا وما زالوا يعرقلون التوصل إلى وقف إطلاق النار، رغم المحاولات الجادة والكبيرة من مصر ودول أخرى وسيطة لمرات متعددة، ووصل الأمر إلى اتهام الرئيس الأمريكى بايدن بأنه عندما طرح مشروعا لوقف الحرب تبنى ما هو ضد الاحتلال، بالرغم من أن بايدن أعلن أنه مشروع إسرائيلى، وهنا فإن الهيستيريا المرضية لدى الاحتلال تكشف سبق تورطهم فى أكاذيب ضد مصر عندما سعت لتقديم مشروع لوقف الحرب.
وهذا السلوك فى الواقع يكشف عن ارتباك وتخبط أكثر مما يشير إلى قوة، لأن حرب الإبادة صارت واضحة، وبشهادة دول العالم ومنها دول كانت حتى وقت قريب تتصور أن إسرائيل تتعرض لخطر، واليوم اكتشفت هذه الدول أن إسرائيل تمارس الإبادة على مدى عقود ضد الفلسطينيين والحرب الحالية هى نموذج فقط من سلوك مستمر، وحرب إبادة تمثل فضيحة للاحتلال أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، دفعت دولا مختلفة لإعلان الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا مع مصر، وأيضا تضاعف أعداد الدول التى تعلن اعترافها بالدولة الفلسطينية.
الاحتلال الإسرائيلى توحش ومع هذا فهو فى مأزق باعتبار أن بقاءه فى غزة بلا أفق، ومسؤولية البقاء تكلف إسرائيل الكثير، لم تقض على المقاومة والحكومة منقسمة، بجانب هذا فإن المراكز والمنظمات الصهيونية تعتقد أنها يمكن أن تطارد كل من يتهم إسرائيل بممارسة حرب الإبادة أنه معاد للسامية وهى تهمة أصبحت مضحكة وتحولت إلى محاولة ابتزاز رخيصة ضد كل من يتصدى لفضح سلوك إجرامى للاحتلال.
مثل سلوك مركز «ميمرى» الأمريكى لأبحاث الشرق الأوسط الذى نشر تقريرا هاجم وسائل إعلام مصرية، واتهمها بالتحريض على العنف والكراهية، وذلك ردا على تغطيتها لتطورات العدوان الإسرائيلى الوحشى على المدنيين فى قطاع غزة، بينما المركز نفسه لم يلتفت هو ولا غيره من أبواق الاحتلال إلى جرائم ضد غزة والفلسطينيين تجاوزت جرائم النازى فى الحرب العالمية الثانية، وهذا ثابت بالبينة والقرائن والصور ومعروض أمام محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، وهى جرائم لا يبدو أنها تلفت نظر مركز ميمرى Memri، ولا غيره من المراكز التى تتصور أنها يمكن أن تحجب الحقيقة، أو تغطى على جرائم الإبادة والتطهير العرقى المستمرة منذ شهور فى غزة.
مقال أكرم القصاص فى العدد الورقي
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة