هل نسينا جميعا كيف كانت حالة الطرق وصناعة النقل بوجه عام في مصر في العام ٢٠١٤ وما قبلها ؟، وهل نسينا حصول مصر على صفر كبير عندما تقدمت لطلب تنظيم كأس العالم في العام ٢٠١٠، وأن جودة الطرق والنقل كان أحد الأسباب الجوهرية؟ وهل نسينا كيف كانت الطرق المؤدية لعواصم المحافظات جميعها بلا استثناء؟ وهل نسينا كم الضغوط العصبية والنفسية حين كنا ننتقل داخل المدن الكبرى للذهاب اليومي لآداء عملنا أو لقضاء احتياجاتنا ونحن عالقين في مسافة كيلو متر واحد لمدة تزيد عن الساعة؟ وهل نسينا الدماء التي سالت نتيجة لارتفاع معدل الحوادث وكنا قد وصنا لأعلى معدل في الوفيات نتيجة الحوادث؟ وهل ننسى أننا جميعا كنا ندعوالله أن نمتلك طرقا ومحاور مثل التي كنا نراها في الخارج؟
عشرات التساؤلات التي يمكن طرحها قبل أن نحكم بواقعية ومصداقية ووطنية أيضا على ما تحقق من إنجار حقيقي خلال العشر سنوات الماضية ولا ينكرها إلا حاقد على مصر، أو شخص لم يتلق الخطاب التسويقي والإعلامي بشكل معلوماتي وتعريفي دقيق لبيان الأثر الحقيقي لهذا الإنجاز الذي تتغنى به الكثير من المؤسسات الدولية وتفرد له في تقاريرها صفحات لتثني على التجربة المصرية في قطاع النقل واللوجستيات.
ولا شك أن حصر الإنجاز في إنشاء الطرق الجديدة أو إعادة تأهيل البعض الآخر هو كل الظلم للمشروع القومي المصري لتطوير قطاع النقل واللوجستيات بكافة مكوناته من نقل بري بكافة الطرق والمحاور، وبحري، وسكك حديد، ومترو، ومونوريل، وقطار كهربائي ونقل نهري، ونقل جوي، وتدشين موانئ وتطوير أخري، وتأسيس مناطق حرة جديدة، وتأسيس مناطق لوجستية جافة بعواصم المحافظات الكبرى، والتحول الرقمي لدمج وتكامل تلك المشروعات القومية الكبرى معا من خلال أنظمة النقل والمرور الذكية.
لغة الأرقام المنشورة في تقارير ومؤشرات عالمية من مؤسسات معتبرة لا تكذب أبدا، وارتفاع التصنيف المصري في مؤشر جودة الطرق بمقدار مئة مرة خلال عشرة سنوات لتحتل مركزا متقدما في هذا المؤشر ومتقدمين على دول عريقة، ليس مثار فخر حقيقي لكل مصري وفقط، بل أن له آثارا إيجابية كبيرة على قطاعات عديدة ومتشابكة وأهمها على الإطلاق هو أثر ذلك على جودة حياة المواطن المصري.
وخلال تصفحي لتقرير أجنبي عن قطاع اللوجستيات والنقل في مصر أثار انتباهي توقعات نسبة نمو سوق لوجستيات النقل المبرد في مصر في الفترة من ٢٠٢٤-٢٠٢٩ شاملا خطوط التجارة المحلية والدولية بنسبة نمو إجمالي ٨٠٪ ونمو سنوي ١٠.٣٪ وخلال عرض التقرير للأسباب، كان المشروع القومي المصري لتطوير قطاع النقل واللوجستيات، وفي تقرير حديث آخر للبنك الدولي أوضح أن دول منطقة الشرق الأوسط عليها استثمار ١٠٠ مليار دولار خلال خمس إلى عشر سنوات وأن جميع دول المنطقة تتنافس بشدة لتكون محور وملتقى ربط للتجارة الدولية، و أن مصر بمشروعها القومي أصبحت لاعب ومنافس أساسي لجذب مزيد من حركة النقل واللوجستيات العالمية.
النقل واللوجستيات تعني الكثير لأي اقتصاد، وأحد المعايير الهامة التي يبني عليها المستثمر قراره النهائي قبل البدء في نشاطه، وأحد أهم المعايير التي يبحث عنها المستثمر المحلي والدولي عند إنشاء مشروعه هي تأمين كيفية وصول المواد الخام ومستلزمات الإنتاج إلى مصنعه، وكيفية وسرعة نقل منتجه النهائي للمستهلك المحلي والدولي، بالإضافة إلى كيفية نقل العاملين لمشروعه، ويحضرني هنا أن مصر كانت تخسر نسبة فاقد في منتج الطماطم تقدر ب ٣٠٪ من حجم الإنتاج بسبب جودة الطرق وقلتها، وهذا على سبيل المثال فقط ، والطريق في النهاية يعني تنمية.
ما تختلف فيه التقارير الأجنبية ونتمنى وجوده في تقاريرنا وتغطياتنا المصرية، وهو الحلقة المفقودة الحقيقية، هي بيان الأثر وليس بيان الإنجاز والفعل فقط، و أعتقد أنه يجب صياغة تقاريرنا وتغطياتنا الإعلامية بشكل تفصيلي ورسالة تسويقية مختلفة تبرز ما هو أثر الإنجاز بالفعل في حياتي كمواطن مصري والرد على السؤال الجوهري ( و أنا استفدت إيه؟) ، وكيف يتأثر عملي و انتقالي آمنا من منطقة أخري ومن مدينة لأخرى في وقت أقل، وكيف تتأثر حياتنا جميعا بإنشاء طريق أو محور مروري جديد، وكيف تتأثر منتجاتي وزراعاتي، وما هو حجم توفير الطاقة نتيجة سيولة الحركة المرورية، وما هو أثر تخفيف الضغط النفسي علي شخصيا كمواطن لوصولي لعملي في وقت أقل بدلا من الاختناقات، وكيف تحول وارتفع سعر أرضي التي أمتلكها كمواطن بعد افتتاح محور مروري جديد بالقرب منها.
المواطن البسيط قد لا يدرك لغة التقارير والمؤشرات، و أعتقد أن الخطاب الإعلامي والتسويقي الموجه له لابد أن يتغير، ولابد من إجراء دراسات دقيقة تعرض للمواطن المصري بشكل تفصيلي مبسط من المتخصصين المصريين والدوليين كل في مجاله وتخصصه لبيان الأثر، بدلا من ترك المواطن المصري فريسة سهلة لعدم الفهم، وترك ساحة منصات التواصل الاجتماعي للمغرضين والمشككين في حجم أي إنجاز مصري ،ومحاولتهم الدائمة لاستدراجنا والتقليل من أي جهد يبذل مستغلين روح الفكاهة المصرية أحيانا بخبث شيطاني، لتعميق حالة عدم اليقين وزعزعة الاعتزاز الوطني لدى المواطن المصري، وذلك هو الأخطر على الإطلاق، والعجيب أنه ما أن يبدأ نقاش عبر تلك المنصات عن أي إنجاز تجدهم يحدثونك عن مشكلات اقتصادية أخرى تعاني منها مصر وهدفهم الخبيث دائما ألا نرى إنجازا ولا نفخر بأي تقدم تنموي حقيقي يمكنه أن يكون قاطرة لتنمية في قطاع آخر، ولنا في دولة الهند مثال يؤكد أن تطوير قطاع واحد، وهو تكنولوجيا المعلومات بدءا من التسعينات، أثر على كافة القطاعات التنموية الأخرى في دولة تجاوز تعدادها المليار.