أيًّا كانت أسباب الإطالة؛ فإنَّ مداولات تشكيل الحكومة الجديدة انتهت بالفعل، ويُوشك الوزراء الجُدد أن يُؤدِّوا اليمين أمام الرئيس إيذانًا بشَغْل مواقعهم. وإنْ كُنّا لا نعرفُ إلى الآن حجمَ التغيير ولا نوعيَّة الكفاءات الوافدة على الدولاب التنفيذى فى حقبته المقبلة؛ فما نعلمُه أنَّ أمامهم جميعًا تحدِّياتٍ كبيرة، ولديهم تكليفات واضحة، وأنَّ معيارَ الإجادة لن يكون مُرتبطًا بخلفيَّة المسؤول وخبراته السابقة فحسب؛ إنما بمقدار استيعابِه للتوجُّهات العامَّة وقُدرته على الانسجام معها، والعمل فى إطارها، من دون افتئاتٍ على الأولويات، أو ارتياحٍ للحلول القديمة والإدارة التقليدية. سيكون لازمًا أن يُعبِّر الوزير عن شخصيَّته الخاصة، وأن يَذوب فى المجموع بالدرجة نفسها. وألَّا ينشغلَ بالتماس الأعذار مُبكِّرًا؛ إذ بمُجرَّد ارتضائه للتكليف سيكون شريكًا فى السابق والآتى، ومَعنيًّا بتثبيت الجيِّد من السياسات القائمة بلا تعالٍ على استكمال خطط سابقيه، وفرز غير الجيِّد وتقويمه والاجتهاد فى تعديل مساره، من دون دعاياتٍ شخصيَّة أو إدانةٍ لا معنى لها للراحلين.
اجتهدت حكومةُ مدبولى الأُولى طوال ستِّ سنواتٍ تقريبًّا، أجادت فى أُمورٍ وأخفقت فى أُخرى، وكانت بعضُ الظروف الطارئة ثقيلةً ودَاهِمة، وأكثرَ استعصاءً على إمكانات بعض الوزراء ونواياهم الطيِّبة. لقد تسلَّمَت مسارًا رُسِمَت معالمُه بالفعل فى ولاية الراحل النبيل شريف إسماعيل، وتحدَّدت أُطُرُه وقتَها بإنجاز برنامجٍ شامل للإصلاح الاقتصادى، وإنهاء ازدواجيَّة سعر الصرف، والعمل على ضبط هياكل الاقتصاد الكُلِّى ومُؤشِّراته. سار الأمرُ بإيقاعٍ جيِّد نسبيًّا؛ حتى تعاظمت المخاطر، وهبَّت الرياحُ من كلِّ جانبٍ، بما يفوق قُدراتنا ويتجاوزُ خيالَ أشدِّنا تشاؤمًا. عامان فحسب للإدارة التنفيذية الجديدة ثمَّ انفجرت جائحة «كوفيد- 19»، وفى أعقابها مُباشرةً جاءت الأزمةُ الأوراسية، بالاشتباك الروسى مع أوكرانيا ومن خلفها الولايات المُتَّحدة وأوروبا، ثمَّ «طوفان الأقصى» والحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة. وما بين خروج مليارات الأموال الساخنة، والضغط على سلاسل الإمداد وأسعار الفائدة العالمية بأثر التشديد النقدى المُتسارع، والانكماش الذى طال المواردَ الدولارية من السياحة وقناة السويس، فضلاً على أعباء الواردات وتدبير التمويل ونفقات خِدمة الدين، صار المشهدُ شديدَ الوطأة على الموازنة العامة وخططها القائمة والمُجَدوَلَة. ربَّما تُثارُ تساؤلاتٌ منطقيَّة عن التحوُّط والجاهزية بسيناريوهاتٍ مُستقبلية؛ لكنَّ الأجوبةَ المُمكنة كلها لن تقطع الطريق على حقيقة أنَّ ما تفجَّر فى وُجوهنا جميعًا كان مُفاجئًا واستثنائيًّا، وتعثَّرت فيه أسواقٌ أكبر ودُولٌ أغنى، وحتى الناجون فيهم لم يخرجوا مُتعافين تمامًا دون أضرارٍ وتداعيات.
المهمَّة الجديدة لها طابعٌ إنقاذىّ، والأولويَّات مُحدَّدة بمُوجَب خطاب التكليف الرئاسى، وحتى كلمة السيسى الأخيرة أمس، فى الذكرى الحادية عشرة لثورة 30 يونيو. سيقعُ على عاتق الحكومة أن تُعيدَ ترتيبَ الأوراق، وتنتخبَ المسارات المُقترَحة بمعيارِ الأَهَمِّ فالمُهمّ، على أن تنضبطَ بإلزاميَّة العمل على المسألة الاقتصادية فى بُعديها الاجتماعى والتنموى، بما يسمحُ بتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين بشكلٍ عاجل، ولا تتجاوزُ الاحتياجات المَاسَّة لإبقاء عجلة النمو دوَّارةً بالاستثمار وترويض التضخُّم واستعادة التوازن النقدى.
والحال أنَّ كثيرًا ممَّا كُنَّا ننطلق فيه بعُنفوان سيتطلَّب التقييدَ بضبط الإيقاع ودوزنة النغمات، وبعض ما كان يسيرُ فى ظلِّ اهتمامٍ طبيعىٍّ صار إجباريًّا أن نُضاعِف فيه الجهدَ والتركيز. وإذا كان الوزراءُ الجُدد سيتلقَّون بالضرورة عناصرَ الرؤية المُحدَّثة فى خطابات تكليفهم؛ فإنَّ عليهم الوعىَ بأنهم آتون فى مناخٍ غير اعتيادىٍّ، ومُطالَبُون بأداءٍ أقرب لطبيعة حكومة الحرب من أزمنة الدَّعَة والارتياح، والمدخلُ المِثالىُّ أنْ يضربوا المَثَلَ لمرؤسيهم والشارع فى تجاوز المظهريَّات، والتزام التقشُّف فى الإنفاق غير الضرورى، وتكثيف الجَهد والمُتابعة الحثيثة؛ بما يضمنُ انضباطَ العمل وسُرعة تلافى القصور والثغرات. الفاعليَّةُ والرقابةُ وسرعةُ الإيقاع فى القرار واستجلاء آثاره والقُدرة على إعادة تكييفه، أهمُّ ما يتوجَّب على الوزراء فى سياقٍ كالذى نحياه؛ ولعلَّها جميعًا تفوقُ فى أهمِّيّتها كلَّ ما يخصُّ المعرفةَ النظرية وحجمَ السيرة الشخصية.
استقالتْ الحكومةُ قبل شهرٍ تقريبًا. وتلقَّى «مدبولى» خطابَ التكليف فى اليوم نفسه، الثالث من يونيو. وبينما يرى البعضُ أنَّ التشكيل الجديد تأخَّر نِسبيًّا، ويقيسون المِيقات وتقديرَه على سابق الحكومات، ومنها الحكومةُ المُستقيلة نفسُها، إذ تشكَّلت فى غضون أسبوعٍ تقريبًا من تكليفها؛ فإنَّ الفُسحةَ الزمنيَّة الطويلةَ قد تجدُ ما يُسوِّغها من أجواء أجندة الأسابيع الماضية. إنَّه تغييرٌ كاملٌ وليس تحويرًا جزئيًّا، ويحدثُ فى سياقٍ مُتداخلٍ من التفاصيل، أبرزها الانتقال بين ولايتين رئاسيِّتين بتحدِّياتٍ طارئة وأولويَّاتٍ مُستجَدَّة، وأنَّ بعض الوزراء قضوا فى مناصبهم سِتَّ سنواتٍ أو يزيد، حتى تمرَّسوا وتوفَّرت لهم دراية كاملة بالمصاعب والإمكانات، وقد تحتاجُ المُوازنة بين الرغبة التغييرية والحاجة لاستبقاء بعض الكفاءات القديمة، إلى زمنٍ أطول فى التقييم والمُفاضَلة. يُضافُ لذلك أنَّ الفترةَ الماضية كانت مشحونةً بالالتزامات المُرتَّبَة مُسبَقًا، وقد سافر وزراءٌ كُثُر لمهام عملٍ عديدة بالخارج، ولا يُمكن بحالٍ من الأحوال أن يُعلَن التشكيلُ الجديد قبل عودتهم، سواء كانوا من الباقين فيه أو الراحلين عنه. كما أنَّ حدثًا مُهمًّا مثل مُؤتمر الاستثمار المصرى الأوروبى أوجبَ أنْ يظلَّ دُولاب الدولة بكامل هيئته الاعتيادية، وأنْ نتجنَّب الخَضَّة الطبيعيّة التى تحدثُ مع كلِّ تكوينٍ وإعادة بناء للسلطة، بين تسليمٍ وتَسَلُّم، ومُهلة درسٍ واستيعاب للداخلين الجُدد.
باختصارٍ؛ ربما لم تحسبْ الحكومةُ السابقةُ حسبتَها الزمنيَّة قبل تقديم استقالتها؛ إنما ما جاء بعد القرار كان طبيعيًّا، لناحية استيفاء الإجراءات وترتيب الملفَّات المفتوحة، والوصول إلى النقطة الصالحة لإنجاز حالِ الانتقال دون ارتباكٍ أو فوضى أو تعطيل للمسائل الضرورية.
لا ينفصلُ عن ذلك حقيقة أنَّ هناك مصاعبَ اعتياديَّةً فى كلِّ تشكيلٍ وزارى؛ فالمسألةُ ليست أن يُكلِّف الرئيسُ شخصًا بالوزارة، فيمدُّ المُكلَّفُ يدَه فى دولابِ الأوسمة والنياشين لينتقى ما يروقُ له بإرادةٍ فرديّة خالصة من الاعتبارات. المُداولات فى بعض الدول قد تستغرقُ شُهورًا فى الأنظمة البرلمانية أو شِبه الرئاسية، وحتى فى نظامٍ رئاسىٍّ صَافٍ كالولايات المُتَّحدة، تُتاحُ للرئيس مُهلةٌ تُقارب ثلاثة أشهر بين انتخابه فى نوفمبر ودخوله البيت الأبيض فى يناير. وحكومةُ مدبولى الثانية قد تبدو مُشابهةً للأُولى فى نظر البعض؛ لناحية أنَّ الرئيس واحدٌ ورُئيسَ وزرائه لم يتغيَّر؛ إنما لا يلغى ذاك التصوُّر المظهرىُّ جوهريَّةَ أنها تكوينٌ مُختلف لحقبةٍ جديدة، فالفارق هنا أنها ولايةٌ رئاسيَّة تبدأُ بأفكارٍ وتعهُّداتٍ فيها قدرٌ من الإزاحة عمَّا كان قبلها، وما يحدثُ ليس اختيارًا لوجوهٍ طازجةٍ محلَّ أُخرى اعتادها الناس؛ بقدر ما هو مُراجعة للرؤية والفلسفة ورُزمة السياسات القائمة، وانتقاءٌ وتبديل، وصياغةُ لبرنامج مُنَشَّط على ركائز مُحدَّثة، مع النظر فى مُواءمة المُرشَّحين للمطلوب منهم، وفى قناعتهم بالمعروض عليهم. والمقامُ هُنا يتَّسع لأنْ يُطَرحَ اسمٌ فيَتَهيَّب المسؤولية، أو أن يُرحِّب غيرُه، ولا يراه رئيسُ الحكومة مُناسِبًا للمرحلة أو مُؤهَّلاً لامتحاناتِها بما يكفى.
ثمّة تُراثٌ سياسىٌّ وإدارىٌ دَرَجُنا عليه، وصار يحكمُ رُؤانا للمجال العام وتصوُّراتنا عن السلطة وسياقاتها التأسيسية. والواقع أنَّ ما جرى تلك المرَّة ربما يكونُ الطبيعىَّ والأكثرَ منطقيَّةً فى إرساء الحكومات الجديدة، وليس استعجالَ إخراجِها دون التفاتٍ إلى طبيعة دورها، وصعوبة تكرار التجارب فيها على فوارقَ زمنيَّةٍ ضَيِّقة. إنَّ تكوينَ فريقٍ لكُرة القدم مثلاً يتطلَّب مَوسمًا طويلاً، وفُسحةً للبحث والتفاوُض والعُقود والانتقالات، رغم أنهم فى النهاية مَواهبُ حِرَفيَّةٌ لا يتولَّون التخطيطَ ووَضعَ الاستراتيجيَّات، وينوبُ عنهم فى ذلك جهازٌ فنى يُنتَقَى بعنايةٍ بعد شهورٍ أيضًا من النظر والإحصاء والمُفاضَلة. وفى حال المسؤول التنفيذىِّ؛ فإنّه أقربُ للمُدرِّب لا اللاعب، وإن كان يُنفِّذ رؤيةً عُموميّةً وضعتها القيادة العُليا؛ فإنَّ له هامشًا عريضًا يصيغُ فيه الأفكار وبرامج العمل وتكتيكاتها. أمَّا مجالُ الاختيار فيفرضُ شروطًا وتعقيداتٍ إضافيَّةً؛ إذ لا نبحثُ عن كادرٍ تنفيذىٍّ بين فريقِ شركةٍ أو مُؤسَّسة، بل نُفتِّش عن خبيرٍ بطابعٍ تكنوقراطىٍّ خالص، أو بصِفَةٍ فَنّيَّة سياسيَّة مُزدوجة، وهنا يتَّسعُ هامشُ المعروض لآلافٍ من الأكاديميِّين والحزبيِّين ورجال المال والاقتصاد والمسؤولين السابقين، وتُضيِّقُ الظروفُ الراهنةُ وقيودُها حدودَ التقييم ومصفاةَ العبور من الترشيح إلى الترجيح، والغايةُ أن نتوصَّل لمِقدار التناسُبِ الأعلى بين الكفاءة والقناعة والاقتدار، فما كلُّ مُؤهَّلٍ صالحًا للمسؤولية، ولا كلُّ صالحٍ قادرًا عليها، ولا الصلاحية والقُدرة تُغنيان عن توافر الكيمياء والانسجام مع رأس الحكومة وبقيّة الفريق.
التغييرُ قِيمةٌ فى ذاته من دونِ شَكٍّ، وهو مطلوبٌ طوالَ الوقت لتجديد الدَّمِ وإنعاش العافية؛ إنما حدوثه فى أيَّة لحظةٍ يُشير لفجوةٍ بين المُمكن والمأمول، ما يعنى أنَّ استقالة الحكومة تحملُ فى ثناياها اعترافًا ضِمنيًّا بأنها استنفدت أدواتها المُتاحةَ إزاء التحدِّيات القائمة والطارئة، وانطلاقًا من هذا فإنَّ تكوينَ بديلٍ عنها يتطلَّعُ بالضرورة إلى الانحراف بقَدرٍ عن المسار السابق؛ وعليه فإنَّ كُلَّ مَنْ يُفكِّرون فى حيِّز الصندوق القديم لا يُلبِّون الشروطَ المطلوبة، ولا يُواكِبون التطلُّعات المُراد تحقيقها. ينطبقُ ذلك على الوزير الحالى، مثلما ينطبقُ بالتبعيةِ على المُرشَّح البديل، وقد يكتشفُ رئيس الوزراء بعد لقائه أنَّه لا يصلحُ للمرحلة المُقبلة والتزاماتها، وربما كان يُناسبُ السابقةَ أو ربما يحينُ أوانُه فى وقتٍ لاحق. والمعنى؛ أنَّه إذ يلتقى وينتقى من يَضَعُ ثقتَه فيه؛ فإنَّه لا يختارُ فى فراغٍ مُطلَقٍ لمُجرَّد استجلاب بدائل حيويّة عن الراحلين، بغضّ النظر عن فارق الفاعليّة ومجالها؛ بل يتوخَّى الوصولَ إلى نوعيَّةٍ مُعيَّنة من العقول، وإلى تركيبةٍ إدراكيّة ونفسيّة تختلفُ فى كثيرٍ أو قليلٍ عن سابقتها؛ وإلَّا فما الحاجةُ أصلاً للإخراج والإدخال لو تشابهت العناصر؟!
بحسب مصدرٍ حُكومىٍّ، على ما نقلت قناة «اكسترا نيوز» قبل يومين؛ فقد عقدَ رئيسُ الوزراء المُكلَّفُ نحو خمسةٍ وستِّين لقاءً فى أكثر قليلاً من ثلاثة أسابيع. وإذا افترضنا أنَّ التغييرَ يطالُ الحكومةَ كُلَّها؛ فإنه يكون قد استعرضَ وَجهين تقريبًا لكل وزارة، ويتضاعفُ عددُ المُرشَّحين لو انحصر التجديدُ فى نصفِ الوزراء الحاليين. وفى كلا الاحتمالين فإنه لا مُبالغةَ فى عدد المُقابلات، كما لا شواهدَ تُرجِّح ما يتداولُه البعضُ عن كثرة الاعتذارات. أمَّا فى الوقت؛ فإنَّ مدبولى يضطلع بالمهمَّة بين رُزمة انشغالاته الاعتيادية بمُوجَب التزام تسيير الأعمال، ولم تخلُ أجندتُه طوال الشهر الأخير من اجتماعاتٍ وزياراتٍ واستقبال ضيوفٍ وحُضورِ فعاليَّاتٍ رسمية. فإذا استبعدنا الراحات الأُسبوعيَّة فحسب دون بقيّة الإجازات بما فيها عيد الأضحى؛ فالمُتوسِّط نحو ثلاث لقاءات يوميًّا. ولو أنَّ الرّجُلَ يعملُ اثنتى عشرةَ ساعةً يوميًّا، يُخصِّص نِصفَها لتشغيل الحكومة القديمة والنصفَ لبناءِ الجديدة، وعلى تقديرِ أنَّه يمنحُ ساعتين فقط لكُلِّ مُرشِّح، وأحسب أنها الحدُّ الأدنى الكافى لعَرض مُفردات التكليف الرئاسى، ورُؤية رئيس الحكومة، والاستماع لتقدير الطرفِ الآخر وأفكاره؛ فالحسبةُ هُنا تبدو منطقيّةً ولا هَدرَ فيها أو استرخاء.
المصدرُ قال أيضًا ما يُفسِّر مسألةَ الوقت؛ إذ أشار إلى الاستعانةِ بالخبرات الدوليَّة بجانب الكفاءات الوطنيَّة، ما يعنى أنَّ جدولَ اللقاءات ارتبط بأجندةِ مواعيد تحكمُ الآتين من خارج البلاد، والطبيعىّ أنَّ لدى بعضهم التزاماتٍ وترتيبات سَفرٍ قد تُرجئ القدومَ قليلاً. كما أشار فى التصريح إلى إعدادِ برنامجٍ حُكومىٍّ شامل، ينطلقُ من التعامل الفورى مع التحدِّيات القائمة، والاستمرار فى الإصلاحات الهيكلية، وتحسين الخدمات العامة. وإذا كانت الحكومةُ مُلزمةً بتقديم بيانٍ بخُطَّتها لمجلس النواب فى غضون عشرين يومًا من تشكيلها؛ فإنَّ تلك المُهلة كانت تُستَخدَمُ فى بناء البرنامج وصياغته النهائية؛ ولعلّها أنجَزَت المسألةَ قبل أداء اليمين؛ بما يسمحُ بأن تذهب إلى البرلمان مُبكِّرًا عن المَوعد المُحدَّد. وفى كلِّ الأحوال فإنها ستكونُ كسابقاتها قد أنجزت كاملَ استحقاقاتها، ودخلت على خطِّ العملِ الفِعلىِّ بكامل هيئتها وأفكارها، فى مدىً يدور بين شهر وستَّة أسابيع تقريبًا، ولا يختلفُ كثيرًا عن المُعتاد فى حكوماتنا السالفة.
الظاهرُ أنَّ ورقةَ التشكيل فى جَيب رئيس الوزراء، ويتبقّى الإعلانُ والمَراسمُ الدستوريَّة المُمَهدِّة لتسلُّم المسؤولية. وإذا كانت القائمةُ قد اكتملت قبل يومين أو ثلاثة؛ فإنَّ مُؤتمرَ الاستثمار الأوروبى وإجازة 30 يونيو ربَّما لَعِبا دورًا فى إضافةِ أسبوعٍ آخر للفاصل بين التكليف والتنفيذ، وربما يتزامنُ الإجراءُ البروتوكولىُّ المُتبقِّى، بالقَصدِ أو المُصادفة، مع الذكرى الحادية عشرة ليوم 3 يوليو، الذى كان مُتمِّمًا للثورةِ على الإخوان، ووَضَعَ «خارطةَ الطريق» التى استكملت الخلاصَ من الجماعة الإرهابية، وأعادت تكوين مرافق الدولة بعد تخليصها من تأثيرات الرجعيَّة ومُؤامرات الاختراق والتطويع.. سيَحْلِفُ الوزراءُ فى عضون الأسبوع الجارى على الأرجح، وستبدأ المهمَّة الحقيقية التى تستحقُّ الالتفاتَ والتركيز، بدلاً من استهلاك الوقت والطاقة فى التخمين وادِّعاء النفاذ إلى الكواليس ومعرفة ما لا تفيد معرفتُه أو تُغيِّر فى تفاصيل المشهد. سيبدأ مدبولى وهيئتُه الجديدةُ رحلةً تنفيذيَّةً أكثر صعوبةً مَشقَّة ممَّا فات، وعلى أصدقائها أن يكونوا إلى جوارها بتفانٍ وموضوعيَّة، وعلى خصومها أن يُواكبوها بالنُّصح والإرشاد والتقويم، دون تَرَصُّدٍ أو دعاياتٍ مُغرِضة. فى النهاية؛ نحن إزاء حكومة مصر، ولمصلحتنا جميعًا أن تُحسِنَ أداءَ أدوارها الواجبة، ولا فائدةَ لأحد فى اختصامها مُبكِّرًا أو التصويب عليها لأغراضٍ شخصية وأيديولوجية. كُلُّنا فى مركبٍ واحدة، والفارق كبير بين التجديف مع الوطن، والتجديف على العقيدة الوطنية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة