حازم حسين

حماسة حكومية وترقب شعبى.. مداخل إلزامية لتثبيت الجدية واستعادة ثقة الشارع

الخميس، 11 يوليو 2024 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الحماسةُ باديةٌ فى أداء الحكومة منذ مراسم اليمين الدستورية. نحو تسعة أيام تدور كلُّ تُروسِها بإيقاعٍ مُتسارع: التقت مرَّتين منهما أوَّلُ اجتماعٍ أُسبوعى، وعقدت مُؤتمرين صحفيين، وعرضت بيانَها على مجلس النواب، وشارك سِتَّةٌ من وزرائها فى باكورة اجتماعات اللجنة البرلمانية المُكلَّفة بدراسة البرنامج وإعداد تقريرٍ بشأنه، وأطلَّ رئيسُها على الناس فى حوارٍ مُتلفز مع قناة اكسترا نيوز، وأصدر قرارين بتشكيل المجموعتين الوزاريتين للتنمية البشرية والصناعية، برئاسة نائبيه وعضوية نحو عشر وزارات فى كلِّ مجموعة. وفى الفواصل، أنجز الوزراءُ تحديدَ اختصاصات نوَّابهم واجتمعوا بهم لرَسم حدود العلاقة وخطط العمل، كما عُقِدَت لقاءاتٌ بينيَّة مع زملاء آخرين فى الملفَّات المُتقاطعة بين الوزارات، ونَشَطَت الجولاتُ الميدانية فى الهيئات التابعة والمشروعات الجارية على أرض الواقع، وكذلك المُحافظون لم يهدأ إيقاعهم. البدايةُ مُبشِّرةٌ قطعًا؛ لكنّ الاستدامةَ والحفاظ على تلك الوتيرة أهمّ، وربما قليلٌ دائم أفضلُ من كثيرٍ عارض؛ لأجل ألَّا تحترقَ الطاقةُ سريعًا، ولا أنْ تُستَهَلك الجهودُ فى تفاصيل يوميَّة، يحدثُ أحيانًا ألَّا يكون بعضُها من الأولويات، أو فى صُلب المهام القيادية للدولاب التنفيذى.


مفهومٌ طبعًا أنَّ للمرحلة الأولى ظُروفًا واشتراطاتٍ غير اعتياديَّة، وهى أقرب لحالة التوقيع بالحضور، وبناء الجسور بين الإدارة والمجال العام. الفترةُ الأخيرة من الحكومة السابقة خيَّمَت عليها مُلاحظاتٌ عن الأداء، ولم يكن إيقاعُ بعض أعضائها على مستوى الظرف، ولا بما يُواكب آمال المواطنين وتطلُّعاتهم، وكان التواصل السياسى نادرًا أو مفقودًا تقريبًا، من هنا جاء التغيير؛ ولو كان بطبعه فضيلةً واحتياجًا دائمًا للإنعاش وتجديد الدم. والمنطقُ أنْ يعملَ التشكيلُ الجديد على جَسْر الهُوّة، وسَدِّ الثغرات القديمة، وإرساء ركائز مُغايرة تُبشِّر باختلاف المسارات عمَّا كان قائمًا قبله. وإذا كان الوصول لعقول الجمهور وقلوبهم غايةً تعلو الغايات كلَّها؛ فإنَّ إدامةَ الروابط وصيانتَها من الارتباك والخفوت وسوء الظن، لا تقلُّ أهميّةً عن بناء دعائمها الأُولى. وللأسف فإنَّ العمل العام مُرهقٌ بطبعه، والرضا الكامل عنه عزيز، ولا يعنى هذا أن تكلَّ العزيمة أو ترتخى السواعد؛ إنما أن تُرتَّبَ الأولويَّاتُ وتُحشَدَ الجهودُ على بَيِّنة وتدرُّجٍ فاعِلَين، وأنْ يُحرصَ الوزراءُ الجُددُ على أن يكون الإيقاع الذى يبدؤون به يومَهم الأوَّل، مُطابقٌ لآخر أيامهم فى المهمَّة؛ طال الوقت أم قَصُر، وإن كان مقبولاً أن يختلف فليَكُن لصالح الختام، بمعنى أن يستقرَّ الأداءُ أو يتصاعد؛ إنما لا يخفُت أو يتباطأ، ولو بأثر الزمن والاعتياد وثِقَل الالتزامات.


ذهبتْ الحكومةُ بكامل هيئتها إلى البرلمان بحثًا عن الثقة. والخطوةُ الإجرائيّةُ التى يُنظّمها الدستور على أهمّيتها، وبما فيها من معنى الرقابة وإتمام الشرعية؛ فإنها محكومةٌ بالأفكار والأرقام، واتساق الخطط وتوازنها بين الإمكانات والطموحات، وبالتنويعة النيابية بين الأغلبيَّة والمُعارضة، كما أنها تُؤخَذُ لمرَّةٍ واحدة؛ ولو ظلَّت للمجلس صلاحية سَحب الثقة من وزيرٍ أو أكثر. بينما القبولُ الشعبىُّ أبطأُ فى التشكُّل وأسرعُ فى التبدُّل؛ لأنه مَوصولٌ بأثر السياسات على الشواغل اليومية، وباستشعار الصدق والجدّية من المسؤول فى كلِّ قَولٍ وفِعل، وبمنسوب الطمأنينة تجاه أزمات الحاضر، والأمل فى انفراجات المُستقبل. والنوَّاب إذ يقتنعون بمنطقيَّة الرُّؤى والاقتراحات على الورق؛ فالناس يختبرونها على الأرض، عاريةً من الصياغة المُنمَّقة والضَّبْط المُحَاسَبى. ولا أحدَ منهما فوق الآخر؛ وإن اضطُررنا للتفضيل فالناخبُ قبل النائب، ورقيبُ الشارع أقسى وأصعب اقتناعًا من رقيب القُبَّة.


امتحانٌ واحدٌ ومَسَارا تقييمٍ، نظرىّ وعملىّ: الثقةُ البرلمانية عنوانٌ على منطقيّة الخطَّة؛ أمَّا ثقةُ الجمهور فدليلٌ على كفاءة الأداء. وحصيلةُ المُتابعة إنما تُرجِّح الفوزَ بالأُولى ضمنَ المُهلة الدستورية، وتُرجئُ الثانيةَ إلى نطاقٍ زمنىٍّ أوسع وأكثر استعصاء. لقد أُعدِّ برنامجُ الحكومة بعنايةٍ واضحة، والبيان الذى ألقاه رئيس الوزراء على النوَّاب يكشفُ عن رؤيةٍ احتوائيّة مُنضبطة، وعن انشغالٍ عميق بالعواجل كما يليقُ بتصوُّر مرحلىٍّ لثلاثِ سنواتٍ ماليّة، دون إغفالٍ للقواعد التى تتأسَّس عليها المساراتُ الاستراتيجيّةُ، لناحية الإصلاح الهيكلىِّ وضَبط الاقتصاد الكُلِّى وتنشيط القطاعات الحيوية الفاعلة فى مُستهدفات النموِّ المُستدام. والرقابةُ النيابيَّة إنما تشتغلُ بآليّات مُحدَّدة، فتُقيِّمُ الدقَّةَ الإحصائية معروضةً على التحديات الطارئة والأهداف المُستقبلية المُتدرِّجة. وفضلاً على الحفاوة الحزبية بالوزارة الجديدة، والمُؤازرة البادية من كُتلةٍ تتجاوز ثلاثة أرباع المجلس؛ فإنَّ المعروضَ عليهم من أوراقٍ يُرجِّح الوصولَ إلى الثقةِ بمعناها الدستورى، وإلى معنىً أعمق منها يتعاقدُ فيه المُشرِّعون والتنفيذيِّون على العمل التضامنىِّ المُشترك، وأنه لا افتراضات مُسبَقة ولا نوايا مُضمَرة من أحدهما تجاه الآخر؛ إنما الاحتكامُ للوعى بالظرف الراهن، ونجاعة البدائل المُقترَحة، وحيويّة الاتصال الدؤوب بين المِرفَقَين، وأثره على تفعيل الرقابة وضبط الأداء.


المهمَّة الأصعبُ خارجَ أسوار المُؤسَّسة التشريعية. فالحكومة مَعنيّةٌ ومُطالَبةٌ باستعادة ثقةِ الشارع على وجه السرعة، ومفتاحُ الوصول إليها يبدأُ من شجاعة الاعتراف بالمشكلات، والمُكاشفة الكاملة والدائمة بالحقائق، والطمأنة الموضوعية العاقلة بمسارات الحلّ، دون سوداوية مُفرطة ولا وعودٍ ورديّة ومجّانية. جيِّدٌ أن يُعلِنَ الدكتور مدبولى عن مُؤتمرٍ أُسبوعى لمُخاطبة الإعلام والجمهور، وأن يُوجِّه الوزراءَ بالتواصل الدائم مع القطاعات المَعنيّة بملفّاتهم، وأن ينفتحَ الجميع على «الحوار الوطنى» ومنصّته الجامعة؛ لكنَّ فاعلية ذلك تتوقَّفُ على لُغة الخطاب المُعتمَدَة من جانب الوزراء ومُعاونيهم ومُتحدِّثيهم الرسميِّين، والمُبادرة المستمرّة بإزاحة الغيوم عن المجال العام، وعدم إخلاء الساحة لتُجَّار الشعارات والشائعات، وميليشيات اللجان الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعى. والمصريِّون أثبتوا فى كلِّ المواقف والمَحكّات أنهم قادرون على الاحتمال، والتماس الأعذار، والصبر على المَلمّات وبشائر الخروج من حبائلها؛ شريطة أن يكون الاتصالُ بهم ساخنًا وعلى رأس الأزمة، والإجراءاتُ واضحةً ومَوقوتةً زمنيًّا، والأهمُّ ألَّا يغيب عنها المنطقُ والاستطاعة. بمعنى أن يَعِدَ المسؤولُ بما يستطيع إنجازه، ويثقُ فى إمكانيّته؛ لا أن يُغامر بصدقيَّته مُنحازًا لإغراءات الكلام المعسول والتطمينات العابرة.


يُجيدُ رئيسُ الوزراء الحديثَ، ويعرفُ كيف يُخاطبُ الشارع بلسانٍ مُبينٍ دون التواءٍ ولا تعقيد؛ إنما يجبُ ألَّا يكونَ فى الواجهة دائمًا. على أكتاف الرجلِ مسؤوليةٌ ثقيلة تجاه الإشراف والمُتابعة وإبقاء القنوات الحكومية مفتوحةً ومُتدفّقةً فى كلِّ الاتجاهات، وعليه أن يكون المايسترو الذى يضبطُ إيقاعَ اللحن وهارمونيّته؛ قائدًا للعازفين لا مُتنافسًا معهم. والفكرةُ هُنا أنَّ الاختصاص أقدرُ على الإقناع، وتبديل الوجوه يُعزِّز الشعورَ بالحيوية والفاعلية، بينما الثباتُ على وجهٍ واحدٍ، مهما كان مُريحًا، يُسرِّب إحساسًا بالرتابة وتكرار العبارات. والتنوُّع المُنتَظَر حدوثُه فى الأروقة الوزارية، بين اجتماعاتٍ عامّة وخاصة ومجموعاتٍ نوعيّة ولجان فنيّة، يتعيَّن انعكاسُه على المُواكبة الإعلامية لأنشطة الحكومة وأعضائها، وأن يُطلّ الوزراءُ دَوريًّا على حاضنتهم اللصيقة، وعلى الجمهور العام، مع الاستفادة من الهيكلة الجديدة لوزارة الشؤون القانونية، وتفعيل شِقّ «التواصل السياسى» المُضاف إليها؛ ليكون طقسًا يوميًّا حاضرًا فى أجندة البرلمان والأحزاب والمجتمع المدنىِّ وغُرَف الحوار الوطنى، وصالونات المواطنين أمام شاشات التليفزيون. الوزير محمود فوزى طاقةٌ كبيرة، ويتوافر على معرفةٍ ووعى عميقين، ويُمكن أن يكون خطَّ اتّصالٍ مشبوكًا بكلِّ الجهات والأطراف، يستعيدُ وَهج الاهتمام بالعمل الحكومى، ويضع الرأى العام فى القلب من الديناميكية التنفيذية، دون أن يلغى دورَ مُتحدِّث المجلس، ولا أن يكتفى بعرض البيانات المُعتادة عن ظاهر الاجتماعات والقرارات.


لنكن مُنصفين.. الحكومةُ الجديدة تبدأُ من نقطةٍ رُسِمَت سَلفًا، وثُلثُ برنامجها المعروض على البرلمان يبدو سابقًا على مجيئها. لقد اعتُمِدَت موازنةُ العام المالى الجديد قبل التشكيل؛ وحتى مع حقيقة أنَّ رئيسَهما واحدٌ، فالواقع أنَّ هامشَ المُناورة والتبديل، وتصويب بعض المسائل فيما يخص الالتزامات العامة وأبواب الإنفاق، قد لا يبدو فسيحًا بدرجةٍ كافية. كذلك فإنَّ مسار الإصلاح بكلِّ ما حقَّقَه من نجاحاتٍ خلال ثمانى سنوات، وما تعثَّر فيه من مَطبّات داخلية وخارجية، سبقَ الحكومتين وصار فرضًا لازمًا عليهما.. الوزراءُ الجُدد مثلَ نُظرائهم القُدَامى، تقبّلوا المسؤولية تحت تلك المظلَّة؛ وعليهم أن يُوفِّقوا بين الأولويَّات العامَّة، وأفكارهم الشخصيّة، والإمكانات المَحدودة حجمًا ونوعًا. ومن هنا؛ تكتسبُ حالة الحوار زخمًا إضافيًّا وأهميَّةً أكبر؛ لأنها تُشرِكُ المجتمعَ فى عملية الانتقاء بين الخيارات والبدائل، وتجعلُ إرجاءَ أمرٍ لصالح آخر عملاً منطقيًّا ومُتَّفَقًا عليه. ربما يتوافَرُ صَكُّ المشروعية من جانب نواب الشعب عبر مراسم النقاش والتصويت وإنفاذ التشكيل عمليًّا؛ لكنَّ ثقةَ الشعب نفسِه تتجدَّد فى الزمن، ولا تتعلّق على جدار البرامج ومصفوفة الأهداف الظرفية وبعيدة المدى. إنها أقربُ إلى العمليات البيولوجية لجسم الإنسان، فتظهرُ عليها علاماتُ العافية أو الاعتلال دون مُقدِّماتٍ أحيانًا، ويتوجَّب الاستعجال فى علاجها دائمًا بمعزلٍ عن أيَّة مُبرِّراتٍ أو هوامش ثانويّة.


تقدَّم الأمنُ القومىُّ بين محاور برنامج الحكومة الأربعة، وهو ترتيبُ الضرورة الذى لا يصحُّ سواه. وكان مَنطقيًّا أن يليه محورُ بناء الإنسان؛ إذ لا إصلاحَ ولا تنميةَ دون توجيهٍ سليمٍ للإمكانات البشريّة أوَّلاً. أمَّا بناءُ الاقتصاد التنافسى الجاذب للاستثمارات، وتحقيقُ الاستقرار السياسى والتماسُك الوطنى؛ فقد اشتملا على نقاطٍ إيجابيّة يُمكن الرهانُ عليها للخروج من انعطافات السوق والمجال العام. باختصار؛ قدَّم مدبولى وفريقُه ورقةَ عملٍ صالحةً لاستدراك ما فات، وإصلاح ما أعطبته الظروفُ والتحوُّلات الداخلية والمحيطة بالبلد من أطرافه. والحال أنّنا لم نفتقد قَطّ للرُّؤى الجادة والحلول المُتماسكة؛ بل تعاندُنا الأحوالُ حينًا، وتَفتُر الهِمَم أحيانًا. وإذا كُنّا بصدد البحث عن سكّةٍ تقودُنا إلى ما نتمنَّاه لأنفسنا، وما يليقُ بنا قبل كلِّ شىء؛ فالعبءُ فى أكثره على الوزارة الجديدة من دون شَكٍّ؛ لكنَّ قُوى الوطن جيمعًا تتشاركُ فيه بأنصبةٍ ومقادير واجبة. النوَّاب مَدعوّون لتفعيل أدواتهم الرقابية والتشريعية، والنُخَبُ مَعنيّةٌ بالإسهام الجاد والخلّاق فى تصويب المسارات واقتراح البدائل، وعامَّةُ الناس طَرفٌ أصيلٌ لجهة العمل والإنتاج، والانصراف عن اعتبار الدولة عائلاً مُباشرًا؛ ولو أثقلوا كاهلَها بالإنجاب وفَرطِ الاستهلاك والتراخى فى العمل. سيكون على واضعى السياسات أن يُعيدوا تكييفَ برامج الحماية الاجتماعية بما يُحقِّق أقصى استفادةً مُمكنة؛ إنما على المستفيدين أنفسِهم أن يجتهدوا لتحسين أحوالهم عبر الشراكة الفاعلة فى خطط التنمية، والاجتهاد لصَقل القدرات واغتنام الفُرَص، ودون ارتياحٍ للحدِّ الأدنى الذى تُوفِّره المُؤسَّسات الرسمية والكيانات الأهلية، لا سيّما أن الاستدامةَ فيه مشروطةٌ بألَّا يُضاف إليه ما يفوقُ طاقتَه ومواردَه المُتاحة.


التزاماتُ الحكومة تجاهَ البرلمان أن تأتيَه ببرنامج عملٍ واضح، وأن تتعهَّد تنفيذَه وفقَ المدى الزمنى والأهداف المُحدَّدة، على أن تُحسِن استغلالَ الموارد والإمكانات على أفضل ما يكون، وبما يُعظّم الأثرَ ويرفعُ القيمة المضافة. أمَّا تجاهَ الشعب فثمَّة مداخلُ إلزاميّةٌ لمُخاطبته واستعادة ثقته، تفرضُ بالضرورة أن تُحافظَ على حماستها الحالية، أو تتوصَّل إلى إيقاعٍ للعمل يكون مُريحًا ومُستدامًا وعلى قدر التحديات، دون إفراطٍ أو تفريط، كما تُلزِمُ باحترام الأولويات الوجوبية الواضحة ومحلَّ الاتفاق، وأن تضربَ المَثَلَ فى ترشيد الإنفاق وتجاوز المظهريَّات، وتُعلِى ما يَصُبّ فى مسار التنمية المُستدامة، والمُثمرة، على ما يُمكن إرجاؤه أو التخلّى عنه مرحليًّا. وكلُّ ذلك يبدأ وينتهى من مُخاطبة العقول والقلوب معًا، وأن يشعُرَ الناسُ بفاعلية القناة الواصلة بين الإدارة والشارع، وأنهما يتقاسمان المزايا والأعباء، ويحملُ كلٌّ منهما على قدر طاقته، وفى ضوء مُكاشفاتٍ منطقية ومُقارباتٍ مُقنعة.


الأيَّام الأُولى مُبشّرةٌ كما أسْلَفتُ، ولا يُنكِر أحدٌ أنَّ التحديات كبيرةٌ وضاغطة. على الوزراء أن يُواكبوا ملفَّاتهم من قُرب، وأن يقفوا على رؤوس مُعاونيهم فى كل موقعٍ ومجال؛ إنما بتوازنٍ دقيقٍ مع حقيقة أنَّ أدوارَهم الأساسية تقع فى نطاق التخطيط والإشراف ووضع السياسات وتطويرها، أمَّا الجولات الميدانية فتفصيلٌ عابر، تتوجَّب حينًا ويتعيَّن الانصرافُ عنها أحيانًا؛ بقدر ما تستهلكُ الوقت والطاقة وتَحرفُ النظرَ عن الأدوار العُليا. هنا يتقدّم نوَّابُهم ومُعاونوهم لملء المساحة بتنسيق واعٍ، ومن دون حساسيات بشأن الصلاحيات ومساحة الظهور. فى النهاية تصبُّ كلُّ المسارات على مكتب الوزير، وهو المسؤول المُباشر، وله أن يُطلّ على الجمهور عبر كلِّ النوافذ المُتاحة، ومن خلال مُؤتمرات الحكومة الدوريّة.. الناس أغلقوا دفترَ الحكومة السابقة بحُكم الضرورة، ويستقبلون هيئةً جديدة لا مشاعرَ لديهم تجاهها، بالسلب أو الإيجاب، وواجب الأسابيع المُقبلة أن تُبنَى المُثيرات العقلية والعاطفية فى اتجاه الطمأنة والتحفيز، وأن يستغل الوزراءُ الفرصةَ لدخول البيوت والعقول، فمهما كانت البرامج والأفكار على درجةٍ عالية من الكفاءة والإتقان؛ فالغايةُ الأولى والأخيرة إرضاء الناس، والحصانةُ الدائمة وأقوى أدوات الإدارة للعمل والإنجاز أن تحوز ثقةَ الشارع.. امتحانٌ صعب يزيدُه الترقُّب صعوبةً؛ لكنه ليس عَصيًّا ولا مُستحيلاً؛ وننتظرُ الاحتفالَ معًا بعبوره بالحماسة نفسها، وبأعلى درجات الجدّية وأصوب الأجوبة النموذجية.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة