ميزات كثيرة تتوافر من دعم وتحديث صناعة الدواء فى مصر، لأن ملف الدواء يرتبط بملف الصحة والعلاج، وهو أحد أهم ملفات الخدمات أهمية، وصناعة الدواء صناعة استراتيجية، وأول ما توفره هذه الصناعة هو الدواء بأسعار مناسبة، وبالرغم من الارتفاعات فى أسعار الدواء، تبقى مصر من أكثر الدول فى رخص سعر الدواء، بجانب فاعليته، مع وجود بدائل للأصناف المعروفة، وأغلب الأصناف التى تُنتج، هى أدوية ليست لها ملكية فكرية، ولا تسدد الشركات أى مقابل لها، بينما الأصناف الجديدة تخضع لاتفاقيات الملكية لمدة 20 عاما، وهو ما يؤدى لارتفاع أسعارها.
ميزة أخرى توفرها صناعة الدواء، أن مصر لديها قاعدة جيدة فى تلك الصناعة التى بدأت منذ بدايات القرن العشرين، وتطورت فى الستينيات ضمن خطط بناء الصناعة وتطويرها، وظلت تغطى ما بين 80 و85% من حاجات الاستهلاك المحلى، فضلا عن التصدير لأفريقيا ولدول عربية، واعتمدت فى البداية على الشركات العامة، وانضم القطاع الخاص إلى صناعة الدواء منذ ثمانينيات القرن العشرين، وصناعة الدواء، تحتاج - بالإضافة إلى الإمكانات الصناعية - وجود بنية علمية وبحثية، فضلا عن ترتيبات تتعلق بمراقبة الجودة والتعامل مع الملكية الفكرية واتفاقيات التجارة، وبالنسبة للأصناف الجديدة ترتبط بالملكية الفكرية وبراءات الاختراع، حيث تخضع صناعات الخامات الدوائية لنوع من الاحتكار، من قبل عدد محدود من الشركات فى العالم، بوصفها من الصناعات التى تتطلب إنفاقا ضخما وحماية مبالغ فيها أحيانا للملكية الفكرية.
وقد واجهت الشركات العامة أزمات بسبب توقف التحديث، واستمرار التسعير المنخفض للدواء، بشكل أدى لأن تتكبد الشركات خسائر وتعجز عن تطوير بنيتها، مع الأخذ فى الاعتبار أن صناعة الدواء من الصناعة التى تعتمد على تقنيات عالية، وتستلزم التحديث المستمر، وبالتالى تأتى أهمية ما يجرى من تحديث شامل لصناعة الدواء، وخلال السنوات الأخيرة تم تعديل ورفع أسعار أصناف كثيرة مكنت الشركات من الصمود، وربما تتطلب إعادة النظر كل مرة، بجانب أهمية الانتباه إلى أن الشركات الكبرى العالمية فى صناعة الدواء تتدخل بطرق مختلفة لتحافظ على احتكارها لإنتاج وتوزيع الخامات الدوائية التى تعد أساس صناعة الدواء، خاصة للأصناف الجديدة، أو الأدوية التى تتعلق بعلاجات حديثة وغير مسبوقة، ومن هنا فإن هذه الصناعة فى جزء منها تقوم على قدرة الشركات المحلية على التفاوض وفتح علاقات مع مصادر الخامات الدوائية.
وتمثل الاستثمارات فى مجال صناعة الدواء، أهم استثمارات، وتساوى - أو تتفوق على - صناعة السلاح، وتحظى بنظام السرية، ومع هذا فإن هناك دولا نجحت فى اختراق تصنيع الخامات الدوائية مثل الهند، ويحرص الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ 2014، على دعم صناعة الدواء، وتم بالفعل بناء وتحديث مدينة الدواء بشكل كبير والتى افتتحت عام 2021، بل سعى إلى استعادة تصنيع الخامات الدوائية، ففى عام 1960 تم إنشاء شركة النصر للكيماويات الدوائية، والتى كانت الوحيدة فى مصر والشرق الأوسط التى تنفرد بإنتاج الخامات والمستحضرات الصيدلانية، لكنها توقفت مع التسعينيات، وفى عام 2022 أقميت مدينة الخامات الدوائية، والتى تضم 3 مصانع لإنتاج الخامات الدوائية من مصادر كيميائية، وأخرى لصناعة الخلاصات من النباتات الطبية ومصادر طبيعية، وثالثة لصناعة المواد الكيماوية خاصة السيتريك أسيد ومشتقاته، ومنذ 2014، هناك خطوات متتالية فى توطين صناعة الدواء، من خلال برامج لتحفيز إنشاء الصناعات الدوائية وزيادة المكون المحلى، والتوجه نحو تصنيع الخامات الدوائية، وفى أبريل 2021 تم افتتاح مدينة الدواء وهى واحدة من أكبر مدن تصنيع الدواء بالشرق الأوسط، وتهدف لتحويل مصر إلى مركز إقليمى لتصنيع وتصدير الأدوية بالشرق الأوسط، ونقترب من افتتاح مدينة الخامات الدوائية.
كل هذه الملفات مهمة، وتحتاج إلى عمل مستمر لتحديث وتنويع عملها، ودعمها بالكفاءات والشباب والباحثين لتقوم بدور مهم فى صناعة لدينا فيها قاعدة، وتوفر لنا منتجا استراتيجيا للسوق المحلى وأيضا للتصدير.