لم يحظ تعيين لويس دي لا فوينتي مدربا جديدا لمنتخب إسبانيا بترحيب كبير داخل بلاده قبل عام ونصف تقريبا، واستمرت الشكوك حوله رغم الفوز بكأس الأمم الأوروبية، وبعد إعلان تشكيلته بـ بطولة أوروبا 2024، لكنه أثبت براعته أمام منتقديه وتحول إلى أسطورة.
Euro .. منتخب إسبانيا بطلا
وتوجت إسبانيا ببطولة أوروبا للمرة الرابعة لتنفرد بالرقم القياسي عقب الفوز 2-1 على إنجلترا في استاد برلين الأولمبي أمس الأحد.
وغاب التفاؤل بين معظم مشجعي إسبانيا قبل انطلاق بطولة أوروبا لغياب النجوم اللامعة بجانب التشكيك في خبرة وعمر دي لا فوينتي (63 عاما) وتخصصه في تدريب منتخبات الناشئين فقط.
وقبل يوم من المواجهة الأولى في دور المجموعات أمام كرواتيا، تلقى مدافع مانشستر سيتي يوسكو غفارديول سؤالا عن دي لا فوينتي، لكنه أجاب بأنه لا يعرف هذا الاسم، قبل أن يتدخل المنسق الإعلامي لكرواتيا ويوضح له أن الصحفي يقصد مدرب إسبانيا.
وربما كان دي لا فوينتي اسما مغمورا بالفعل قبل البطولة، لكنه بات حديث العالم الآن.
فعلى مستوى فرق الكبار تشمل مسيرة دي لا فوينتي تدريب ألافيس فقط خلال 11 مباراة في دوري الدرجة الثالثة عام 2011، لكن مدافع أتليتيك بيلباو وإشبيلية السابق حقق نجاحا مبهرا مع ناشئي منتخب إسبانيا.
Euro 2024
وفاز دي لا فوينتي ببطولة أوروبا تحت 19 عاما وتحت 21 عاما وحقق ميدالية فضية في الأولمبياد، وكان ترشيحه لخلافة لويس إنريكي، عقب الخروج المبكر من كأس العالم 2022 بقطر، مدفوعا بعلاقته الجيدة بلاعبي المنتخب الذين درب معظمهم في مراحل الناشئين.
وواجه دي لا فوينتي انتقادات مبكرة بسبب تصفيقه لرئيس الاتحاد الإسباني السابق لويس روبياليس في مؤتمر للدفاع عن نفسه بعد فضيحة تقبيل اللاعبة جيني إيرموسو، واضطر المدرب للتعبير عن ندمه في وقت لاحق.
وعندما خسر مباراته الثانية أمام اسكتلندا 2-صفر سألته صحيفة (ماركا) الإسبانية بسخرية "ما هي خطتك؟".
وشدد دي لا فوينتي على مفهوم "العائلة" في بداية عهده، ورغم قلة الدعم خارج المنتخب وجد الثقة والتفاني من اللاعبين الذين راهن عليهم في صغرهم ويعتبرونه الأب الروحي مثل داني أولمو وفابيان رويز ومارك كوكوريا وبيدري وأوناي سيمون وميكل ميرينو، والذين لعبوا دورا بارزا في رحلة التتويج في ألمانيا.
Euro
ولم يكن دي لا فوينتي مقيدا بأسلوب "تيكي تاكا" الشهير لمنتخب إسبانيا، وأظهر مرونة وواقعية، حيث تفوق في كل مبارياته ببطولة أوروبا دون استحواذ سلبي على الكرة أو تبادل ممل للتمريرات، واستغل سرعة ومهارات الجناحين الواعدين الأمين جمال ونيكو وليامز ليصنع سلاحين خطيرين في التحولات الهجومية.
وتفوقت إسبانيا 3-صفر على كرواتيا في أول مباراة رغم خسارة الاستحواذ لأول مرة في مباراة رسمية منذ 2008، وتكرر الأمر في الفوز على ألمانيا بدور الثمانية.
كان دي لا فوينتي معالجا نفسيا للاعبيه، وخاصة من واجهوا فترات عصيبة مثل كوكوريا الذي تعرض لانتقادات لاذعة في تشيلسي، والقائد ألفارو موراتا بعد حملات تشكيك متكررة داخل إسبانيا.
Euro
وخلال البطولة قال موراتا إنه لا يجد الاحترام في إسبانيا، ودافع عنه دي لا فوينتي قائلا إن ثالث أفضل هداف في تاريخ المنتخب "لا يحظى بالمعاملة التي يستحقها"، مضيفا "موراتا كان سيصبح أسطورة في بلد آخر، إنه أفضل قائد لنا على الإطلاق".
وقال موراتا عن مدربه "لن أتحدث عن براعته الخططية لأنه أظهر ذلك بالفعل، أعتقد أنه بارع في التحكم في المجموعة وإدارة المشاعر، وهذا أهم شيء في كرة القدم".
وبفضل حسن إدارته للمشاعر نجح دي لا فوينتي في إبعاد الأمين جمال (16 عاما) عن الضغوط منذ منحه فرصة اللعب دوليا لأول مرة، وشجعه على الاستمتاع داخل الملعب واستعراض مهاراته بشجاعة، حتى تحول إلى أحد أبرز نجوم البطولة ونال جائزة أفضل لاعب صاعد بعد تحطيم عدة أرقام قياسية.
واحتفظ دي لا فوينتي بالهدوء والتواضع حتى بعد انتقال منتقديه إلى الصفوف الأولى للمصفقين، وقال في تجمع أمام الصحفيين "أتقبل الانتقادات دائما، بفضلكم أصبحت خبيرا في استيعاب الانتقادات، ربما تدهشكم بعض اختياراتي، لكنني أعرف قدرات اللاعبين جيدا ولدي أسباب في اختيار فلان أو علان".
واحتوى دي لا فوينتي الغضب العام لاختيار إبراهيم دياز تمثيل المغرب بدلا من إسبانيا وتمنى له التوفيق، كما أثبت صحة استدعاء لاعبين آخرين رغم الشكوك حولهم مثل إيمريك لابورت مدافع النصر السعودي، ووجه دعوة للاعب برشلونة المصاب غابي لحضور النهائي لرفع معنوياته بعد استبعاده.
واستغل دي لا فوينتي إمكانات كل فرد بتشكيلته، وحتى البدلاء تركوا بصمات مؤثرة مثل ميكل أويارزابال صاحب هدف التتويج باللقب، وميكل ميرينو صاحب هدف الفوز القاتل على ألمانيا، ومارتن زوبيمندي الذي عوض بشكل رائع خروج رودري، أفضل لاعب في البطولة، للإصابة بين شوطي النهائي.
كان تتويج دي لا فوينتي وإسبانيا بلقب أوروبا أكثر من مستحق بعد أن أصبح أول منتخب يفوز في سبع مباريات بالبطولة مع تسجيل 15 هدفا، وكان ضحاياه أبرز المرشحين للقب ألمانيا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا وكرواتيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة