من بين أفضل ما يمكن مشاهدته والاستماع إليه من ذاكرة اليوتيوب هو الحوارات والأحاديث من نجوم وفنانين كبار ممن رحلوا، هذه الأحاديث سواء بعد موعدها أو قرب تعبر كثيرا عن شخصيات النجوم فى زمنهم، ومع الأخذ فى الاعتبار أن لكل زمان ثقافته ومواقفه، تظل الأجيال المختلفة من كبار نجوم التمثيل والفن قادرة على إثارة الدهة بحجم وكيف ثقافتهم، وأيضا الوعى الكبير بتفاصيل الحياة والخبرة بل وحتى علاقتهم بمصر من زواية الوطن.
ومن بين أكثر النجوم إثارة للإعجاب والدهشة، النجم العالمى الراحل عمر الشريف، الذى رحل فى 10 يوليو قبل تسع سنوات، وقد شاهدت واستمعت لعدة حوارات له مع قنوات ومحطات مختلفة، بعضها كان نجما شابا إلى حد ما أو فى عز نجوميته مع قنوات عالمية، وبعضها فى سنواته الأخيرة مع قنوات عربية أو مصرية، لكن المشترك فى كل الأحاديث كان بساطة عمر الشريف وعمق معرفته بالحياة، وارتباطه الفطرى إلى حد المرض بمصر واعتزازه بتعليمه وثقافته وكل من قدم له خدمة أو علمه درسا فى الفن أو الحياة، فقد كان حريصا على التأكيد بأن يوسف شاهين صاحب الفضل عليه فى الفن والتمثيل وأنه تعلم منه أضعاف ما تعلمه فى الخارج، واعترف أنه لم يكن يجيد التمثيل فى أعماله الأولى، وأن توجيهات يوسف شاهين نقلته من شاب لا يعرف شيئا إلى ممثل وأضافت له خبرات.
واعترف عمر الشريف أيضا بأن ما تعلمه من يوسف شاهين هو الجسر الذى عبر عليه إلى العالمية، بل إن عمر الشريف فى أحد حواراته كان يقلل من حجم الإنجاز الذى قدمه فى الفن، وقال إنه كان محظوظا فقط وأن هناك نجوما وممثلين أفضل منه فى مصر، ووصلت بساطته إلى حد أنه قال إن الأجيال الجديدة من الممثلين تتفوق على غيرها من الأجيال الأقدم بفضل التكنولوجيا والتعليم.
وفى كل أحاديثه كان عمر الشريف حريصا على أن يبتعد عن السياسة بقدر كبير، ومع هذا كان يقول رأيه بصراحة وعفوية، من دون أن يوجّه أى اتهامات أو يشتم ويهاجم ويسخف، وبدا دائما فخورا بمصريته وأصوله الشامية وعائلته، وأمه ودورها فى تعليمه وتوجيهه ومنحه الخبرات دائما، وحتى فى الأحاديث التى أدلى بها فى سنواته الأخيرة، ظل متمسكا بحياته فى مصر، ووفيا لحبه الأول وزوجته السابقة فاتن حمامة، وبالرغم من علاقات الصداقة والحب أحيانا التى ربطته مع نجمات عالميات فقد ظل يقول إنه كان يحب أن يكون لديه عائلة وزوجة مصرية، متمسكا بذكرياته مع كل شىء فى بلده، ومع أنه كان يدلى بآراء غاضبة أحيانا فقد ظل يتعامل مع مصر كمقر ووطن، قد تبدو هذه الآراء متوقعة من نجم فى حجم عمر الشريف حقق كل هذا المجد وحصل على جوائز وقدم عددا من أهم الأفلام، وحقق أمجادا تفوق عشرات ومئات المرات بعض مجاهيل الهجرة ممن لا يعرف لأحدهم إنجاز، ومع هذا يمتلكون جرأة الجهل فى التطجين والادعاءات بغرور لا يوجد ما يبرره، بجانب أنهم ينطلقون من يقين الجهل والسطحية.
بجانب هذا فإن عمر الشريف فى أحاديثه لا يخجل من الاعتراف أنه اضطر لقبول أفلام تافهة من أجل المال والعيش، ويقول أحيانا أنه لم يقدم سوى عدة أفلام مهمة والباقى بلا أهمية، ولم يخجل من الاعتراف بأنه لم يكن يجيد التمثيل فى فيلمه الذى منحه الشهرة «لورانس العرب»، وهو اعتراف يضاعف من قيمة نجم مثل عمر الشريف وأهميته وآرائه التى تمثل تراكم خبرات مع طبيعة شخصية بسيطة، وحتى عيوبه فى الانفعال السريع يعترف بها ولا يعتذر عنها.
عمر الشريف بالرغم من رحيله فقد ترك تراثا من الأفلام المهمة، لكن أهم دروس النجم أنه بكل ما حققه، وهو كثير، فقد ظل معبرا عن روح مبدعة بسيطة وعمق واع فى أفلامه وأيضا فى أحاديثه وحواراته وعلاقاته الإنسانية، وتمثل أحاديثه دروسا إضافية هو وجيله من النجوم، من ناحية الثقافة والوعى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة