محمد أحمد طنطاوى

زمار الحي يبحث عن فرصة!

الأربعاء، 17 يوليو 2024 09:16 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"زمار الحي لا يُطرب" أثر شعبي قديم، نسمعه ونتناقله بروايات مختلفة ومتنوعة، لكن معناه الواضح أن الناس لا يفضلون كثيرا الصوت القريب، والنصح القريب، بل و الزمار القريب، وهذا أمر تقبله الفطرة ويصدقه العقل، فالمعتاد يصير مستهلكاً بعد فترة، ثم مملاً بعد فترة أطول، حتى يصل إلى درجة الرفض أو الإبعاد في نهاية المطاف، لكن مع وجاهة هذا الطرح وسهولة تصديقه والتسليم به، إلا أن "زمار الحي" قد يحمل الكثير من المواهب والخبرات، التي لم نألفها أو نحاول اكتشافها.

أظن أن زمار الحي، في أوقات كثيرة، يكون أكثر علماً ونفعاً، بل وخبرة، من كل أقرانه خارج المدينة، لكن تدهسه فكرة "الاعتياد"، فهو دائماً المألوف المعروف، وأحياناً السهل المكشوف، الذي ينتهي به الأمر ليصبح مصدراً للسخرية والاستهزاء، خاصة أنه لا يحاول الخروج عن النص – وإن كان يعرف السبيل لذلك – لا ينتقد أو يشاكس، لا يحمل رأياً خاصاً أو وجهة نظر، وكل تحفظاته وانتقاداته باطنية صامته لا تخرج من بين شفتيه.

جزء كبير من مشكلة "زمار الحي" أنه لن يجد من يشير إليه أو يرشحه إلى موقع أهم، أو عمل أرفع، فيظل في النهاية مجرد "زمار"، فلن يصبح "مايسترو" في يوم من الأيام، أو يصادفه الثراء فيصير صاحباً للفرقة الموسيقية، أو حتى شريكاً في جزء من أرباحها، لذلك بات لا يطرب أحداً، ولا يستمع إليه أحد، مع العلم أنه يجيد اختصاصاته، ويمتلك أدواته، لكن ألحانه استهلكتها الآذان، ولم يعد "مزماره" الذي كان يخلع القلوب ويلهب الحماس، وتُكتب على نغماته أناشيد الحروب، أبداً كما كان.

فكرة مهمة تجعل زمار الحي خارج دائرة الاهتمام، وهى ارتباط المزمار أو المصدر "الزمر" بـ "الطبل"، كأحد الآلات الإيقاعية الهامة، فلا يذكر الزمر إلا والطبل قرينه، وقد ارتبط هذا لدى العامة، بالتملق والنفاق، أو المجاملة كتوصيف مهذب، فيضيع الزمار ومزماره وسط هذه الاتهامات الملفقة، ويظل تائهاً دون منصف أو معين.

لو جاز القياس، فإني أرى الزمار يقف جنباً إلى جنب مع "الحمار" من حيث الجهد والتعب، وأيضاً غياب التقدير، مع العلم أني أقدر الحمير بشكل خاص، أداءً وسلوكاً، وأجدها مثالاً واضحاً بين الصبر والطاعة، وقوة التحمل، والعمل من أجل "لقمة العيش"، يدب الأرض سعياً مع صاحبه، يفهم ويجتهد على عكس الشائع، لكن العامة لا يرونه إلا حماراً، يحمل أسفاراً، ولا يعرف قيمة ما يُوضع على ظهره، وكذلك "الزمار"، تحمر عينيه، وتنتفخ أوداجه، تعباً من النفخ المتصل، وفي النهاية يحصد الجميع الإشادات سواه!

ربما الجزء الأهم من قصة زمار الحي أننا لم نحاول الالتفات لمميزاته، أو نفكر في تطوير دوره أو صقل مهاراته، كأن نعطيه مساحات مختلفة، وألحان جديدة، يتحرك فيها صعوداً وهبوطاً، ثم نُقيّم أداءه بإنصاف مرة أخرى، أو نفعل خيراً و نقدم له الدوافع للطرب، مثل التعليم الأفضل، والدراسة المتخصصة، والآلات الحديثة، والتدريبات على العمل الجماعي، حتى يتقن التماشي مع أعضاء الفرقة الموسيقية، خاصة أنه قليل التكاليف، مقارنة بأسعار من هم خارج المدينة، وسهل المراس، ويجيد التفاوض، ويرضى بالقليل، ولا يبحث إلا عن التقدير ولقمة العيش!

أتصور أن المثل القديم "زمار الحي لا يطرب"، يتماس إلى حد كبير مع العبارة المصرية الشهيرة "زى القرع يمد لبره"، كدليل على أن التطلع إلى الغريب دائماً أقرب إلى أذهان الناس وقلوبهم من القريب المتاح، والثابت المألوف، لذلك ربما أجدها فرصة لنعيد الاعتبار إلى زمار الحي، ونحاول الاستفادة من قدراته وإمكانياته، فلو افترضنا نظرياً أنه تخلف قليلاً، لكنه يمتلك الدافع، ولديه الموهبة والخبرة والكثير من الإخلاص، لكن تنقصه الفرصة، فامنحوه إياها، ربما نسمع ألحاناً مختلفة!









الموضوعات المتعلقة

الدواء أولاً..

الخميس، 11 يوليو 2024 04:48 م

مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة