تبدأ بعد أيام قليلة دورة الألعاب الأولمبية التي تعتبر محفلا رياضيا مهما يمكن النظر إليه بوصفه مؤشرا اجتماعيا وثقافيا مهما للنظر في الطرق التي يتعامل بها كل مجتمع مع مكوناته وهويته.
وكنت قبل قليل قد كتبت عن أهمية اللعب في الحكم على طريقة نظر الشعوب إلى نفسها حين أشرت على أن معظم الألعاب الغربية تنافسية عنيفة وأن معظم الألعاب التي نشأت في الحضارات الشرقية القديمة كانت ألعابا تعاونية في الأساس.
لكننا هنا سوف نركز الرؤية قليلا للنظر في تاريخ مصر في الألعاب الأولمبية ودلالاته، فقد اشتركت مصر للمرة الأولى في أولمبياد لندن 1912، حين شارك أحمد حسنين (الذي أصبح فيما بعد رئيس الديوان الملكي) في سلاح الشيش، وحافظت على مشاركاتها في كل الدورات التالية ما عدا ثلاث دورات هي لوس أنجلوس 1932 وملبورن 1956 وموسكو 1980، غير أنها لم تبدأ في كسب الميداليات إلا في أمستردام 1928 حيث فازت بأربع ميداليات ذهبية المصارعة لإبراهيم مصطفى وذهبية رفع الأثقال للسيد نصير وفضية وبرونزية في الغطس لفريد سميكة (ولم تتكرر ميداليات الغطس حتى الآن)، كما حصل فريق كرة القدم على المركز الرابع وهو أعلى مركز حققته كرة القدم حتى الآن.
وعلى مدار تاريخ الأولمبياد حصدت مصر ثمان وثلاثين ميدالية متنوعة، عبر اثنتين وعشرين مشاركة، بحيث خرجت من عشر دورات دون إحراز أي مراكز متقدمة.
لكن العنصر الأكثر لفتا للنظر هو أن كل الميداليات التي حققتها مصر كانت في ألعاب فردية، منها القتالي ومنها التنافسي المعتمد على الأرقام، وهو الأمر الذي يجب التوقف عنده قليلا، حيث يمكن الإشارة هنا إلى غلبة الإحساس الفردي وعدم القدرة على خلق جو مناسب للعمل الجماعي، بما يجعل من الفرد قادرا وحده على صناعة بطولة ما في حين أنه هو نفسه عندما ينضم إلى عمل جماعي فإن هناك من العناصر التي يمكنها أن تكبح جماح هذه البطولة، وهذا وإن فسر مثلا إخفاق لاعب مثل محمد صلاح في إحراز بطولة مع المنتخب المصري، فإنه أيضا قد يشير على فكرة وجود خلل في سياق العمل المجتمعي العام، وهو أمر يجب النظر إليه بعين الاعتبار حيث إنه من الممكن أن يكون مؤشرا مجتمعيا عاما.
من ناحية أخرى فإن كون كل الميداليات تنقسم بين القتالي والقياسي، فإن هذا قد يشير إلى ضرورة مراجعة طريقة الاختيار في الألعاب الأخرى، فالألعاب القتالية ليس فيها رأي أو وجهة نظر حيث يتأهل فيها من يهزم منافسيه في عدد معين من المباريات، أما الألعاب القياسية فإن الأرقام التي يحرزها اللاعب هي التي تؤهله حسب قياسات عالمية يتم تحديثها بعد كل بطولة كبرى.
الأمر إذن أننا نفوز في الألعاب التي لا تخضع لوجهة النظر أو الرأي الفني الخاص، وهو مؤشر مهم على أن الاختيار في الألعاب الأخرى يشوبه الكثير من إعمال الرأي والانحيازات الخاصة لمن يختار وهو أمر يجب مراجعته وتعديله ليصبح القانون هو السائد في مثل هذه الحالات لضمان الحياد وسفر المستحقين، وهو الأمر الذي يجب أن يصبح انعكاسا لحالة مجتمعية عامة.
وبما يكون لذلك عودة أخرى.